اتصل بنا
 

رقصة كالينكا الروسية: الاحتفاء بالحب والحياة والطبيعة

نيسان ـ نشر في 2024-10-22 الساعة 10:09

x
نيسان ـ تحظى رقصة كالينكا الروسية بشهرة واسعة حول العالم، وتعتبر من العلامات الفنية الدالة بقوة على الثقافة الروسية وهوية الشعب الروسي، وبمجرد أن يستمع المرء إلى بداية أنغام موسيقاها، ويتطلع إلى أولى خطواتها يشعر بأنه يدخل إلى عمق الثقافة الروسية، وأن الأجواء الروسية تغمره تماماً، وأنه يرى أمامه لوحة جميلة رائعة تتكامل فيها عناصر الموسيقى والغناء والرقص والأداء الحركي والأزياء التقليدية الملونة الفريدة.
يعود تاريخ رقصة كالينكا إلى القرن التاسع عشر، عندما قام الموسيقار الروسي إيفان لارينوف بتلحين أغنية تحمل عنوان كالينكا عام 1860، وهي حسب الترجمات المتداولة تدور معانيها حول الحب والغزل، والمرح وسط الطبيعة في الحياة الريفية الروسية، وكالينكا كما يقال هو نوع من أنواع التوت البري ينمو على أشجار خاصة، الأغنية ذات طابع احتفالي فولكلوري تنبض بالحياة، وتشيع البهجة في نفوس سامعيها، حتى كلماتها التي تستعصي على غير العالمين باللغة الروسية، فمن السهل أن تتابعها الأذن، خصوصاً كلمة كالينكا التي تتكرر بكثرة خلال الأغنية، إلى درجة يبدو الأمر كما لو أن بعض المقاطع لا يتردد فيها سوى هذه الكلمة. وكلمة كالينكا ليست عنوان الأغنية فحسب، بل هي مفتاحها الأساسي الذي يعتمد عليه اللحن والإيقاع، ومنها ينطلق كل شيء، المد الصوتي الغنائي والتقطيع الإيقاعي والتصاعدات السريعة اللاهثة والتكرارات المتلاحقة، وعن طريق كلمة كالينكا تنطبع الأغنية في ذهن السامع وتعلق بالأذن ولا تغادرها بسهولة، وتخلق الرغبة في إعادة سماع الأغنية عدة مرات دون ملل. ومن أجمل النسخ التي يمكن سماعها من أغنية كالينكا، تلك النسخة الخاصة بكورال الجيش الأحمر الروسي، وإلى هذه الفرقة يعود فضل إحياء الأغنية منذ ستينيات القرن الماضي، وتعد فرقة كورال الجيش الأحمر الروسي من أهم الفرق الغنائية في العالم، ويميزها رغم كونها فرقة عسكرية فنيتها الرفيعة وقدراتها الصوتية الهائلة، والتنوع الكبير في ما تقدمه من أغنيات وقطع فنية مختارة، ويشتهر كورال الجيش الأحمر الروسي بأداء العديد من القطع التراثية والفولكلورية الروسية، بالإضافة إلى مجموعة رائعة من أشهر آريات الأوبرا والأغنيات القديمة، بالإضافة إلى التعاون مع بعض نجوم الأوبرا العالميين.

من الغناء إلى الرقص
بدأ هذا العمل الفني كأغنية فقط، ثم أضيفت إليها الرقصة في ما بعد، وتضاعفت شهرة كالينكا وصارت طقساً خالداً من طقوس الفن الشعبي الروسي، وصارت من أهم الرقصات التي تعكس بقوة ملامح من الحضارة الروسية وثقافة ذلك البلد وهويته. عند الحديث عن رقصة أو أغنية كالينكا يكون الإيقاع أول ما نتوقف عنده، فهو إيقاع متميز للغاية يتراوح بين السرعة والبطء والتصاعدات المتتالية، وفيه كم هائل من الحيوية وطاقة كبيرة من الفرح، بالإضافة إلى الديناميكية الدائمة والتجدد المستمر، يبدأ إيقاع كالينكا هادئاً بطيئاً ثم يتسارع بشكل تدريجي وصولاً إلى الذروة، ثم إعادة الكرة، ويعد هذا التغير في الإيقاع من جماليات اللحن وأسرار جاذبية تلك الرقصة التي تخلق حالة كبيرة من البهجة، عندما يمتزج ذلك الإيقاع النابض بالحيوية مع الحركات الراقصة المفعمة بالقوة واللياقة البدنية.
لا تعتمد رقصة كالينكا على تصميم حركي واحد، وتتعدد نسخ وتصميمات هذه الرقصة وطرق تقديمها في المناسبات والاحتفالات والمهرجانات المختلفة، لكن هناك بعض الخطوات والحركات الأساسية التي تميز كالينكا، وتدل عليها، ويكون لكل فرقة راقصة ومصمم رقصات الحرية في خلق اللوحة الاستعراضية الجديدة، وإضافة اللمسات الخاصة من خلال البناء على تلك الخطوات والحركات الأساسية. كالقفز والدوران وأداء الرجال للحركات الصعبة، وهم في وضع القرفصاء تقريباً، وثني الركبتين والجلوس والنهوض السريع، وسرعة تنقل الخطوات مع ضرب الأقدام بالأيدي بشكل سريع متلاحق، وتعد هذه الحركة من أجمل حركات الرقصة.
بعض حركات رقصية كالينكا يتشابه مع حركات مجموعة من الرقصات الشعبية الروسية الأخرى، وهي الحركات النابعة من ثقافة الشعب الروسي وروح هويته الخاصة التي تنعكس على تعبيراته الجسدية والحركية الراقصة. رقصة كالينكا يؤديها الجميع تقريباً، فلا تقتصر على النساء، أو الرجال، أو الأطفال، أو الكبار، وهي مثل ألوان الرقص الروسي كافة تتطلب اللياقة والقوة البدنية العالية والدقة والمهارة في الأداء، والانضباط الإيقاعي والتزامن الحركي بين الراقصين، ولا يخفى تفوق الروس في الرقص بجميع أشكاله، بداية من الباليه الكلاسيكي والرقص الشعبي والفولكلوري والباليه الحديث، وغير ذلك من أنواع الرقص. كالينكا رقصة جماعية في الأساس تؤديها المجموعة المكونة من الرجال والنساء، وتتعدد فيها الحركات الثنائية والتشكيلات الجماعية، كما تبرز فيها مهارات الأداء الفردي والحركات المعقدة شديدة الصعوبة التي تبهر المتفرج وتزيد من حماسته، وتكون الحركات الثنائية التي يجتمع فيها الرجل والمرأة أو الراقص والراقصة، معبرة عن الجانب الغزلي والعاطفي من الرقصة، فقد يحمل الراقص الراقصة أحياناً ويؤديان معا بعض الدورانات والتقابلات الرشيقة، مع التواصل البصري والعاطفي بينهما، وتكون التشكيلات الجماعية عاكسة للطابع الاجتماعي للرقصة في الأجواء الريفية، إلى جانب طابعها الاحتفالي، أما مهارات الأداء الفردي والحركات الصعبة التي يؤديها الرجال في أغلب الأوقات، فتكون معبرة في جانب من جوانبها عن الطابع العاطفي أيضاً، أو الغزل والإغواء من خلال إظهار القوة أمام الراقصات ومحاولة الفوز في منافسة غير معلنة وإثبات التفوق الذكوري على بقية الراقصين من الرجال، والظهور والتفرد وسط هذه الرقصة الاجتماعية والحصول على مكانة ما في القرية أو في ذلك المجتمع الصغير الذي تقام فيه الرقصة، وتمثل تلك الحركات الفردية الصعبة التي قد تتجاوز الرقص في بعض الأحيان وتتداخل مع الأكروبات وألعاب السيرك على سبيل المثال، لحظات الإثارة القوية في الرقصة والمفاجآت غير المتوقعة التي يستمتع بها المتفرج.
رقصة كالينكا
من خلال رقصة كالينكا يتم أيضاً تقديم الملابس الروسية التقليدية بأشكالها وأنواعها المختلفة للنساء والرجال والأطفال، وتكون هذه الملابس مزركشة بتصميمات غنية بالتفاصيل، وبألوان زاهية، خصوصاً ملابس النساء، حيث الفساتين الأنثوية الرقيقة ذات الطابع الريفي إلى حد ما، بالإضافة إلى الأكسسوارات وأغطية الرأس والمناديل التي تمسك بها الراقصات أحياناً ويلوحن بها ويؤدين بها بعض الحركات والإشارات. وكذلك تكون أزياء الرجال تقليدية الشكل والتصميم، ويميزها في أغلب الأوقات الحزام الملتف حول الخصر والتطريز التقليدي على الطريقة الروسية.
تؤدى رقصة كالينكا بمصاحبة الغناء أو على أنغام الموسيقى فقط، ويعتمد لحن الرقصة بشكل بارز على آلة البلالايكا الروسية التقليدية ذات النغم الجميل والأوتار الرنانة.

نيسان ـ نشر في 2024-10-22 الساعة 10:09

الكلمات الأكثر بحثاً