اتصل بنا
 

اعادة العلاقات بين الرباط وطهران مرهونة بالاستجابة الايرانية للشروط المغربية

نيسان ـ نشر في 2024-11-26 الساعة 15:46

نيسان ـ تشير تقارير اعلامية نشرت اخيرا الى محاولات ايرانية لتحقيق تقارب مع المغرب بعد انقطاع العلاقات بينهما عدة سنوات، وكانت ايران عبرت عن محاولات التقارب بتصريحات وزير خارجيتها السابق اميرعبد اللهيان، الذي قضى في حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني السابق.
ان اعادة ايران رغبتها في إعادة العلاقات بين طهران والرباط، في هذه الايام تضع تساؤلات جدية حول التقارب المحتمل ومدى نضج شروطه السياسية وابعاده الاستراتيجية على مستوى الشرق الاوسط والشمال الافريقي؟
ايران التي تحيطها حاليا سلسلة من الضغوطات الداخلية والدولية والاقليمية، تتبنى في الآونة الاخيرة خطابا ناعما مع محيطها الاقليمي والدولي، وتسعى الى اعادة تموضعها الاستراتيجي داخل العالم العربي الاسلامي من خلال محاولاتها فتح قنواتها الدبلوماسية مع كل اطراف الجوارالاقليمي لها، فبدأت بمساعيها مع السعودية بوساطة صينية عام 2023 ثم مع دول الخليج الاخرى ودول عربية، لتتوسع افق محاولاتها للشمال الافريقي وتحديدا نحو المملكة المغربية، ساعية لانهاء القطيعة الدبلوماسية بين البلدين منذ 2018.
التسريبات عن هذه المحاولات افرجت عنها ندوة صحفية نشرها موقع "زنقة" المغربي قبل ايام، اكد فيها المتحدث باسم الخارجية الايراني اسماعيل بقائي "وجود وساطة لعودة العلاقات مع المغرب الى طبيعتها" مؤكدا ان تاريخ العلاقات الايرانية المغربية معروف وواضح، ولذلك تواصل الحكومة الحالية نهج سياسة تحسين العلاقات مع الدول على اساس مبادئ الحكمة والمنفعة في اطار مصالح المنطقة والعالم الاسلامي، بالتالي يبدو واضحا في الآونة الأخيرة ان الرؤية الاصلاحية للرئيس الحالي مسعود بزكشيان بدأت تطفو على سطح الدبلوماسية الايرانية في مراجعة ايرانية لما آلت اليه عقيدتها المذهبية والسياسية والعسكرية منذ عقود في دعم المليشيات في المنطقة وتقويتها على حساب الدولة الرسمية، ما اسفر عن عزلتها وتعرضها لعقوبات دولية وضغوطات داخلية وخارجية، دفعتها الى اعادة مد جسور دبلوماسية ليس مع جوارها الجغرافي فقط، بل الى القارة الافريقية التي بدأت بتفاهمات مع الجانب المصري، وصولا للشمال الافريقي المتمثل بالمملكة المغربية تحديدا.
ولأن العلاقات المغربية الايرانية حُكمت تاريخيا بحالة عدم الاستقرار منذ تسعينيات القرن الماضي التي اتسمت بالانفتاح وقتها، وحتى تولي الملك محمد السادس الحكم، فكان للعلاقات حضور سياسي ودبلوماسي وثقافي نشط، وصولا لعام 2009 التي قُطعت العلاقات بينهما بعد وقوف المغرب مع البحرين باعلان مسؤولين ايرانيين ان البحرين محافظة ايرانية، فجاء عام 2015 ليعيد ايجابية القنوات الدبلوماسية الى سبع سنوات، لتصل بعدها لحالة من التوتر والقطيعة عام 2018 بعد تصريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بقرارمغادرة السفير الايراني في الرباط لاسباب مرتبطة بتهديد امني ووطني للمملكة المغربية بوجود ادلة دامغة كشفت دعما ايرانيا ماليا ولوجستيا وعسكريا لجبهة البوليساريو، وعلى اثرها تم اغلاق السفارة المغربية في طهران الى الان.
ايران التي تحاول منذ ذلك الحين استعادة علاقتها مع الرباط، ولا تفوت اي فرصة في الملتقيات الدولية لفتح تفاهمات ومفاوضات مع المغرب لاعادة علاقاتها، يبدو أنها الان مدفوعة بتغيرات سياسية اقليمية ودولية، تبحث بها عن فاعلين رئيسيين في البيئة الدولية السياسية والدبلوماسية سواء في الجوار والشمال الافريقي والمغرب اهمها لاعانتها في التنفيس عن أزماتها الشائكة.
والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق هو: اذا كان التقارب الايراني مع دول الجوار كالسعودية ودول الخليج مرتبط بالسياقات الامنية المتوترة في المنطقة ودورها الرئيس في دعم مليشيات منتشرة في دول عدة كالعراق ولبنان وسوريا واليمن، فما أهمية الترحيب الايراني المتكرر في هذا الوقت بالذات لتحسين علاقتها مع المغرب البعيد جغرافيا عن لهيب الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة ولبنان ومنطقة الشرق الاوسط، وما آثار هذا التقارب ان حصل، على العلاقات الايرانية الجزائرية المنسجمة معها في قضايا عدة، والتي تعيش الاخيرة منذ سنوات توترات سياسية مع الجارة المغربية بقضيتها السيادية حول"ملف الصحراء المغربية"؟
ولعل أهم نقطة في المسار الجديد للسياسة الايرانية الخارجية مع الرئيس الاصلاحي مسعود بزكشتان، هو مآلات الحرب الاسرائيلية على غزة ولبنان، وانعكاساتها القادمة في ترتيب القوى الفاعلة في المنطقة، وما يتطلب منها التكيف مع البيئة السياسية الدولية بعودة ترامب، وادارته الجديدة المُحَمَلة بمواقف متشدد تجاه طموحها النووي وعقيدتها المذهبية السياسية العسكرية في المنطقة،المعارضة للمصالح الاسرائيلية الغربية، ما يستدعي من ايران البحث عن قنوات دبلوماسية لتطبيع العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة في منطقة جوارها كالسعودية والامارات ودول اخرى، وفي الشمال الافريقي كالمملكة المغربية.
ويبدو ان ايران بدأت تتبع المنطق السياسي الذي يقول ان العلاقات الدولية متغيرة وليست دائمة، ومن مصلحتها المضي بمسار التطبيع مع الدول التي قطعت معها سابقا والتي تعد الان مفاتيح لابواب اندماجها مع البيئة الدولية، وبالتالي فإن السياقات الاقليمية والدولية تفرض نفسها داخل اللعبة السياسية وتدفع تجاه تغييرات وتجاذبات في شبكة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والمصالح المشتركة والمتقاطعة بين كل الاطراف، فالتقارب الايراني السعودي وربطه بتغيير الديناميكيات الاقليمية وتطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية والتحولات الجيوسياسية في الشرق الاوسط وما يقابلها من العلاقات المغربية الاستراتيجية اقليميا مع السعودية ودول الخليج سيؤدي دورا هاما في تحديد طبيعة العلاقات المغربية مع ايران في المدة المقبلة اذا تم التقارب، وبالتالي يبدو ان اللغة الناعمة التي تمارسها الدبلوماسية الايرانية اخيرا، مع الرئيس الجديد نحو حوار بَنّاء مع عدة اطراف عربية وأوروبية، لها مبرراتها واسبابها في نزع فتيل التوتر مع المجتمع الدولي وخصوصا واشنطن بدخول الترامبية الثانية، وهنا تحضر مساعيها ايضا صوب الشمال الافريقي وتحديدا للمغرب الذي اتخذ قرارا استراتيجيا بقطع العلاقات معها عام 2018 لاسباب تتعلق بملف الصحراء المغربية، فهل هذه المساعي ممكنة للرباط، خصوصا ان تاريخ علاقتها مع طهران يضع امامها محاذير على مستوى السياسة الداخلية والخارجية، فكيف يمكن تقدير موقف الرباط من هذا التقارب بوجود ثوابت اساسية في عقيدتها الدبلوماسية في السياسية الخارجية لا تتوافق مع العقيدة الايرانية في قضايا عديدة، وما السيناريوهات الممكنة/ المستبعدة لمحاولات ايران لاعادة العلاقات مع المغرب في ظل اشارات مهمة لا يمكن تفويتها ونحن نستعرض احتمالية عودة العلاقات بين البلدين، ومن ابرزها:
أولاً: المتابع للشأن المغربي يلمس أن العقيدة الدبلوماسية المغربية واضحة المعالم وملتزمة بالقانون الدولي وتؤكد دوما سيادة الدولة ومؤسساتها واجهزتها المعنية بالدرجة الاولى في ادارة الازمات سواء الداخلية او الخارجية، بالاضافة الى المعطيات على ارض الواقع التي تشير الى دعم الرباط لمسارات سياسية نحو الاستقرار في المنطقة الافريقية وفي الشرق الاوسط، في حين ترى السياسة المغربية أن السياسة الايرانية قائمة على البعد المذهبي ورهاناتها على تشيع محيطها وخلق ولاءات مذهبية تتحول بعد ذلك الى ولاءات سياسية، منتجة حالة اللادولة في تقوية تشكيلات موالية لها خارج حدودها كما في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وكما حاولت في الشمال الافريقي بدعمها للحركة الانفصالية البوليساريو.
ثانياً: للرباط ثوابت اساسية تحدد سلوكها الدبلوماسي مع محيطها الاقليمي والدولي، وأهمها السيادة المغربية على الصحراء، ولطالما ابدت حساسية من الدعم الايراني لجبهة البوليساريو الذي كان سببا رئيسا في القطيعة الدبلوماسية الاخيرة مع طهران، حيث ترى الرباط ان أساس العلاقات مع اي طرف تبدأ من بوابة ملف الصحراء والسيادة المغربية عليها..
اما فيما يخص السيناريوهات الممكنة للتقارب، فيمكن ايجازها بالمؤشرات التالية التي ستضعها الرباط في ميزان الربح والخسارة لعودة العلاقات بين البلدين:
اولا: يُلحظ خلال العقود الاخيرة سعي الرباط الى تعزيز مكانتها في الاقليم والمجتمع الدولي كفاعل دبلوماسي مرن وقادرعلى بناء شراكات متجددة تخدم مصالحها الاستراتيجية وتسهم في ضمان نوع من التوازن في علاقاتها، فسياستها الدبلوماسية قائمة على الانفتاح ضمن ثوابتها السيادية، وهذا ما يبرز شبكة علاقاتها المتعددة التي تؤطرها بمبدأ(رابح-رابح) كعلاقتها مع روسيا والصين ودول اخرى منافسة لامريكا ومصالحها، فكان لهذه السياسة انعكاساتها على قضيتها الاساسية "الصحراء المغربية" بتوالي الاعترافات الدولية لمبادرته بالحكم الذاتي على صحرائه، لذلك هل ستنفتح الرباط لحوارات وتفاهمات مع طهران وضمن شروطها وثوابتها السيادية لقبول مساعي طهران؟
ثانيا: اذا حصل التقارب المغربي – الايراني، هل يعزز ذلك موقع المغرب على خريطة الساحة الدولية، وبالتالي ستحظى بورقة سياسية مهمة للتعامل مع ادارة ترامب المتشددة للوجود الايراني في الشمال الافريقي، بانهاء ملف الصحراء المغربية تجاه مبادرة الحكم الذاتي كملف عالق في اروقة الامم المتحدة منذ اكثر من 40 عاما؟
ثالثا:ما يتعلق بالتوترات المغربية – الجزائرية، هل العزلة الدبلوماسية التي تشهدها الجزائر اخيرا، وتراجع علاقاتها ايضا مع ايران قد تدفع الرباط لاستثمارهذا الفراغ لتحييد دعم البوليساريو في مخيمات تندوف كطرف رئيس في النزاع حول ملف الصحراء المغربية المدعومة من الجزائر؟
رابعاً: اذا كانت الممكنات السابقة ترجح ميزان التقارب، فهذا يعني أمرين:
الاول: ان قبول المغرب سيكون مرهوناً بمدى الاستجابة الايرانية للشروط المغربية التي ستؤطرها بمصالحها الداخلية والاقليمية والدولية، وأن لا تؤثر بعلاقاتها مع حلفائها الخليجيين وفي الشرق الاوسط وشركائها الغربيين.
الآخر: اذا حدث التقارب فعلى الارجح لن يكون على المدى القصير أو المتوسط لعدة اسباب منها: البلدان تتناقضان في مقارباتهما تجاه العديد من الملفات الاقليمية والدولية الراهنة، بالاضافة الى ان كل المؤشرات الحالية توحي بأنه لا ارضية مشتركة بين البلدين لاطلاق حوار سياسي خصوصا بعد التدخلات الايرانية عام 2018 في الشأن الداخلي المغربي بدعمها لجبهة البوليساريو الذي افضى الى قطيعة كقرار استراتيجي مغربي لوقف اجندة ايران التخريبية في الشمال الافريقي والشرق الاوسط.
لذلك أي عودة للعلاقات كما اشرنا سابقاً، سيكون مرهوناً باشتراطات حاسمة من الطرف المغربي كونه الطرف الاقوى في المعادلة السياسة وذو المصداقية الاقليمية والدولية، أمام الطرف الايراني المأزوم داخليا واقليميا ودوليا، والمُطالب بمواقف عملية يُقدمها مؤشرات لبناء ثقة المجتمع الدولي القائمة على شبكة المصالح مع أطراف عدة، وهذا التقارب اذا حصل فإنه يخدم بالدرجة الاولى طهران التي تعاني ازماتها، مما يتطلب من الرباط المعروفة بسياستها المتأنية والهادئة باخذ مزيد من الوقت والاستماع والتشاور بما يتناسب مع مصالحها العليا بابعادها المختلفة، مثلما نهجت سياستها مع الدول الغربية على قاعدة رابح- رابح، محققة مكتسبات دبلوماسية وسياسية خصوصا في قضيتها الاساسية حول ملف الصحراء المغربية.

نيسان ـ نشر في 2024-11-26 الساعة 15:46


رأي: د. آمال جبور

الكلمات الأكثر بحثاً