اتصل بنا
 

كيف تفكر البنادق؟

نيسان ـ طارق خميس ـ نشر في 2024-11-29 الساعة 12:22

x
نيسان ـ

"اللهم أرنا الأشياء كما هي" - النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

"ماذا تريد أن تعرف؟!1ما تريد أن تعرفه مني أنا لا أعرفه. إذا كنت تبحث عمن يعطيك تصريحات صحفية فاذهب لغيري، أنا لا أحبُّ الإعلام. بالطبع لا أستهين بدوره التحشيدي، لكنه لا يروق لي، إذا لم تكن الحقيقة صلبة كقذيفة ياسين فإنني لا أفضل الاقتراب منها".

كان يمكن لأي مقابلة صحفية تكون هذه بدايتها أن تفشل، لكن في الواقع لم أكن أبحث عن موضوع صحفي، بل عن "الحقيقة". أريد هذا المطلب القديم، فلقد آمنت بجدوى المقاومة "ولكن ليطمئن قلبي": "كيف جرت حسابات طوفان الأقصى؟"، هذا ما كان يشغلني.

بعد عام من الطوفان تكاثر الثعالب2حولنا كالحكماء. ما أسهل أن تكون حكيماً بأثرٍ رجعي، فالخطة التي لم تُجرَّب تبدو دائماً جيدة، ووظيفة "المعلّقين السياسيين" أن يجعلوا المسار بين الخبر الأول والأخير حتمياً على شكل معادلاتٍ جاهزة، ولا يتورعوا عن أن يصلوا إلى "نظرية صلبة" قائمة على استقراءٍ من مثالٍ واحد.

"لم أكن حاضراً وقتها"، قدّم اعتذاره لي على شكل ظرفٍ موضعيّ. "خرجتُ بعد سيف القدس من قطاع غزّة لتلقي العلاج، والذي لديه الإجابات التي تبحث عنها خبأها في عصا وألقاها".

"هل أحزنك خبر استشهاده؟"، سألته.

فأجابني: "لا، أحزنني خبر بقائي. وحقيقة أنني الآن أجلس أمام صحفي يظن أن المعلومات تنفع أحداً!".

"ماذا يوحي لك المشهد الأخير لأبو إبراهيم؟".

"أن الله هو الذي يدير المعركة. كان يمكن أن تحدث أشياء كثيرة، والقلوب الضعيفة ظنت أن الاتصال بين السماء والأرض قد قُطِع. هذا مشهد عليه توقيع العناية الإلهية". ثمّ أكمل:"قرن عبد الله بن أنيس بين سيفه وعصا أهديت له من النبي الأكرم بعد إنجاز مهمته، وأخبره النبي أن "المتخصرون قليل يومئذ". من وجد عملاً يتخصر به فقد أفلح، صدقني، والباقي تفاصيل".

صدّقته، ولكني كنت بحاجة للتفاصيل: هل تظن أن...؟

"أنا لا أظن شيئاً، أنا أعتقد، ولا أعمل مع الذين يظنون. من لا يجرؤ على الاعتقاد عليه ألا يقترب من ساحة المعركة".

"النضج" على ضوء البندقية

بإجاباته المقتضبة، بدا الرجل وكأنه يتهرب من المقابلة بكل طريقة ممكنة. لم يترك لي خياراً سوى استفزازه، فقد بدا لي من ملامحه ما يشي بأن ثمة تحفظات كثيرة لديه على المشهد الحالي، فأخذتها نقطةً للانطلاق، علّها تفتح لي مغاليق الرجل.

"يبدو أن قرار الطوفان لم يكن مرضياً لك؟"، سألته.

"لا يمكن لعسكري إلا أن يُعجب بالملاحم الكبرى. حجم المأساة اللاحقة كبير، والتخاذل.. أوف، لعنة الله على الجميع، هذا من شأنه أن يجعل أي قراءة تقييمية مشوبة بضغط الراهن، فلا يمكنك تقييم معركة ما زالت مستمرة، خصوصاً وأنها قذفت بأهدافها بعيداً. بالنسبة لي، ما حدث ليس سطراً أولاً ولا أخيراً، ما حدث سطر كبير وفاصل في رحلة هزيمة "إسرائيل".

الصخرة العملاقة تتفتت على وقع الضربات المتباعدة، وقبل أن يحدث الشق النهائي، يظهر للناظر من بعيد عبثية الضربات المتوالية عليها. لقد كنا نحن المطرقة والإزميل الذي أحس بواقعية الحرارة داخل الشق القادم في الصخرة. أرأيت الذي فعله شبابنا في السابع من أكتوبر؟أي إعجاز هذا!تأملته بعناية، لقد طُوي داخله تاريخٌ من العرق والدماء، إذا ضغطنا على أبعد نقطة في عصب المشروع الصهيوني، تلك التي بعدها لن يعود واثقاً من وجوده. أنا أقل لك، ستصبح إسرائيل دولة فاشلة ومنبوذة، وفي الوثبة القادمة ستوجه لها الضربة القاضية"، قال جملته الأخيرة وهو يحكم قبضته ويديرها في الهواء وكأنه يرى مشهداً لا أراه.

"ألا تظن أن التعليق على الأهداف البعيدة هو هروب من استحقاقات الحدث القريبة؟"، سألته وكلي خشية أن تكون هذه هي نهاية المقابلة.

"من يريد القفز من سفينة الطوفان ستُقنِعُه أدنى شبهة، وسيتمسك بأسرع قاربٍ للنجاة على شكل تقييم نقدي. كل إنسان درّب غرائزه بشكلٍ مختلف ليوم الطوارئ، من شرب من نهر ممنوع في بداية طريق طالوت هو نفسه من خارت قواه وقال وقت اللقاء: "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده". هناك أشخاص يتقنون بثّ الهزيمة عبر تحليلات تبدو عقلانية، لكن مصدر هذا أنهم لم يُدرّبوا عضلاتهم منذ زمن بعيد لحمل الأثقال اللازمة".

"هل نضجت الظروف لقرار مثل هذا؟".

"النضج! هل تظن النضج في الميدان يحدث كما ترونه هنا؟ تظنونه درجةً تصلون إليها بمقدار ما دخل إلى عقولكم من معلومات وما قرأتم من كتب وما قابلتم من شخصيات؟ كلام… كلام... يحيطكم من كل جانب ولا يؤدي إلى أي مكان. لا، ما أقصده يختلف عن ذلك، إنه يشبه تماماً استواء الحديد تحت النار.

كل مقاتل دخل "غلاف غزة"، كانت كل خلية في جسده تؤمن بقدرته على هزيمة "إسرائيل". نضجٌ اكتسبه الجسد على وقع الحروب والجولات والحصار والجوع، وعقيدة درسها واقعاً حياً، فكان له لقاء مع كل اسم من أسماء الله الحسنى؛ في زقاق المخيم يوم نجا من الموت، حين كبر وأصاب أول هدف، حين أنقذ طفلاً من تحت الركام، في ظلمة النفق الذي انهال على رأسه، ويوم أعاد استصلاح بقايا سفينة من مخلفات الحرب العالمية الثانية... في كل موقف مرّ به كانت أسماء الله تقاتل معه، هل تظن أنك لو قرأت ألف كتاب في العقيدة ستعرف أكثر منه؟

رددت على سؤاله بسؤال: "دعني أصيغ السؤال بطريقة واضحة، هل ما زالت الأهداف الاستراتيجية التي نتحدث عنها ممكنة بعد أن استعادت "إسرائيل" ردعها بالعمليات المتتالية على الجبهة الشمالية؟".

"دعني أختصر عليك هذه المسألة"، قال لي وبدا متبرماً من دوراني حول نفس النقطة. "التأويل عمل من أعمال الإرادة، هل تفهم هذه الجملة؟ قد يقف اثنان أمام نفس العمل، لكن الذي يعطي العمل معناه هو الحقيقة الموجود في قلب كل منهما، إنها الإرادة، لا يمكن لشخص عاش كل حياته بعيداً عن الميدان أن يرى غير الحقيقة الباردة للهزيمة، ولا يمكن لمن تورمت عروقه في حفر الأنفاق لسنوات إلا أن يرى حقيقة القدرة على هزيمة إسرائيل".

الجدوى: الاسم الحركي للإرادة

ثم أكمل حديثه: "أخبرني أنت، ولابد أنك تهتم بتاريخ المقاومة، على أي مشهد أغمض عز الدين القسام عينيه هو واثنا عشر رجلاً في أحراش يعبد؟ لقد شاهدوا سنوات من الإعداد تتبخر أمامهم في لحظات، إذ لم تندلع الثورة التي حلموا بها.

لو استضفت وقتها المحللين على التلفاز لأخبروك كم أن حسابات الشيخ القسام لم تكن دقيقة. سيقولون: إنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، بريطانيا العظمى! وربما أخبروك أيضاً أن وظيفة حركات التحرر هو الدفاع وليس الهجوم. إذا كان كذلك، فلماذا لا نسميها حركات الدفاع الوطني؟

لكن الذي جرى، أنه بعد ستة أشهر أثمرت بذور الشيخ ثورة عام 1936، التي لا يمكن تفسير زخمها إلا بما زرع الشيخ من إعداد وتربية وتضحية. نعم انتهت بعد ثلاث سنوات، وربما يعتبرها المحللون أنفسهم إحدى أسباب هزيمتنا في النكبة بعد أن استُنزفت قوانا في ثورة بلا جدوى، لكن آخرون قرأوا المشهد بطريقة مغايرة تماماً، إذ قاومنا النكبة وكدنا أن نكسر العدو قبل الهدنة الثانية بفضل ما اكتسبناه من تراكم للخبرة في هذه الثورة، لولا صفقة السلاح التشيكي التي حسمت النتيجة لصالح العصابات الصهيونية.

انظر إلى كيف يبدو المشهد اليوم. لا يمكن لنشرة أخبار أن تمر دونذكر اسم الشيخ السوري، فبعد مئة عام ما زال مجرد ذكر اسمه يُلهمُ الناس. هذا هو المعنى الحقيقي لـ "المقاومة جدوى مستمرة". ليست عندي قدرة أن أصيغ لك جملة جديدة، أنتم تنفرون من "الكليشيه" أعرف ذلك، ولكن ماذا لو كانت كل الحقائق تصاغ بـ "كليشيهات" لشدة تكرارها واستقرارها في خبرة البشر؟".

سألته: "لكن هل يغلق هذا باب النقاش حول النظرية القتالية وتطويرها؟".

"هذا أمر آخر ولطالما كان موجوداً، فقد كان أبو إبراهيم الكبير يرى ضرورة المسارعة في العمل العسكري، واختلف مع القسام على ذلك، وتحمس لثورة البراق، بينما انتظر القسام وصول الإعداد لدرجة معينة حدّدها بألف بندقية.

هناك 3 توجهات في هذه المسألة: التوجّه الأول يرى بأن العملالآن وفوراً، ولنسميهانظرية العقل..".

تدخلت مستدركاً: "ألا يقتضي العقل التريث؟".

فضحك بصوت مرتفع، وكانت هذه أفضل لحظة -حتى الآن- ساهمت في فك توتر المقابلة.

"قصدت عماد عقل، وسأحكي لك قصتين توضحان لك منهجية الرجل..

بعد أن انتظم عمل القسام بشكل رسمي بعد عام 1993، كان محمد الضيف قد أطلع عقل على خطة لاستهداف أحد المستوطنين، تتضمن مراقبته ودراسة أنماط تحركه استعداداً لاغتياله في اللحظة المناسبة. بعدها بأيام جاء الضيف متعجباً، وقال لعقل: "لقد قُتل المستوطن الذي كنا نعد لاغتياله، وكأن الذي نفذ العملية مطلّع على تخطيطنا!"، فضحك عماد عقل الذي كان دوماً ما يسبق الخطة بخطوة.

أمثال عقل يفكرون بأجسادهم. تنتج الحركة تصورهم عن الخطوات القادمة، وبدون حيويتهم الخارقة يغرق العمل في الحسابات الطويلة. فَعل عقل الشيء نفسه حين أرسله الشيخ ياسين إلى الضفة الغربية لمساعدة الشيخ صالح العاروري في تأسيس كتائب القسام، وبينما كان العاروري يركز على جمع السلاح وتخزينه في مكان آمن لاستعماله لاحقاً، سمع صوت إطلاق نار في أحد الأيام أثناء توجهه إلى كليته الدراسية، فعاد مسرعاً ليتفاجأ بعقل وقد أخرج السلاح ونفّذ به عملية، واستقبله قائلاً: "كتائب القسام بدأت في الضفة ونشروا بيانهم الأول"، وأخذ يضحك.

حسناً، لنسمها نظرية التحرك الفوري".

أما التوجه الثاني، فهوالإعداد إلى الأبد. يتبنى هذه النظرية عادة المشتغلون في حقول التربية، ويقعون في مشكلة تخيل أن هناك لحظة مثالية، عندما نصل إليها يكون الإعداد قد اكتمل.

علينا أن نضع في اعتبارنا أن مسالة الأخذ بالأسباب ينبغي ألا تُحوّل الأسباب نفسها إلى حالة ردع، فتحيل كل إعداد لنقص ما يستلزم حياة كاملة لتداركه، فيباغتنا الأجل ونحن على فراش العجز.

كما أن جزءاً أساسياً من الإعداد يكتمل بالممارسة، إذ الإعداد يبقى ناقصاً دون تجريبه، بل دعني أخبرك أن الإعداد الحقيقي هو الذي يحدث خلال الطريق. قد تقرأ ألف قصة عن شجاعة علي وقوة عمر وجرأة خالد، لكن صوت الرصاص في المعركة يقف كمُربٍّ من نوع آخر، واضعاً أمامك الحجم الحقيقي للأشياء، فتتبصر بنفسك وعدوك، وتُدرّجك الممارسة في الكمالات انطلاقاً من عيوبك ونواقصك. القوة دائماً يا أستاذ تبنى من خلال استعمالها، لا انتظارها.

وهذا يقودني تماماً إلى النظرية الثالثة، التي يتبناها عادة القادة المؤسسون الذين يحدثون فارقاً، وهيالمزج المستمر بين الإعداد والتعرُّض للممارسة، بنسب تحتاج موازنتها لحكمة وتوفيق دائم، وهي معرضة للخطأ في أي مرحلة، لكنه خطأ يستفاد منه ويبنى عليه.

انتَظر الشيخ أحمد ياسين بعد نكسة 1967 واعتبر أن الإعداد لم يكن جاهزاً للدخول في مواجهة، لكنه تحرك في بداية الثمانينيات في وقت اعتبره آخرون غير مناسب. ورغم انكشاف محاولة العمل الأولى سريعاً (تنظيم المجاهدين الذي تولاه الشيخ صلاح شحادة)، لكن هذه المحاولة هي التي ستدفع شحادة لاحقاً لتطوير فكرة تحويل القسام إلى جيش. قال الشيخ شحادة قبل أن يرحل: "لقد تركت لكم جيشاً صغيراً، مهمتكم أن تجعلوه يكبر"، وهي الفكرة التي سيضيف لها كثيرون مساهمات نوعية وستنضجها التجارب حتى غدت ما نراه اليوم".

سألته: "ماذا نسمي هذه النظرية؟".

"صدق لم أفكر باسمها، إنها "والذين جاهدوا فينا.. لنهدينهم سبلنا"".

التاريخ الخاص لتطور القوة

"إذن كانت تجربة القسام تنتمي للنظرية الثالثة: من يعدّون ويمارسون ويستعدون بالممارسة؟"، سألته، فأومأ برأسه موافقاً.

"حسناً، كيف يمكن أن تدلل على ذلك؟".

"بأنّ المأسسة الثانية للقسام حدثت خلال العمل وليس في غرف مغلقة للتفكير. لقد تحرّكنا خلال الانتفاضة الثانية وفق نظرية استنزاف مستوطنات القطاع، التي جثت على أرضنا كأصابع خمسة. كان تكسير هذه الأصابع تدريجياً، وعلى مدى زمني طويل، هدفاً أساسياً، فحين سُئل أرئيل شارون عام 2001: هل ستكون مستعداً لإخلاء مستوطنات غزة في إطار اتفاق عدم اعتداء؟ أجاب: "لا، ولا بأي شكل من الأشكال".

كانت وظيفتنا أن نكسر هذه الثقة، وكسرناها، وبعد هذا الحوار بأربع سنوات فقط، كان شارون يفكك بيديه 25 مستوطنة في القطاع.

أنت تعرف أن المستوطنات تحمل أهمية إستراتيجية لـ "إسرائيل" التي لا تمتلك عمقاً دفاعياً، ووجود المستوطنات في قلب غزة كان يضمن لها التصدي لأي هجوم قبل أن يصل إلى عمقها، إضافة لعزلها المدن عن بعضها البعض، كما عزلت مستوطنة "نتساريم" بين خان يونس وغزة قبل تفكيكها.

بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، ذهبت النظرية الأمنية نحو خنق القطاع عبر إحاطته بطوق كثيف من المستوطنات والقواعد العسكرية وعشرات النقاط الأمنية، إضافة لبناء جدار متطور بعمق غائر في باطن الأرض وصف بـ"الذكي" و"الحديدي"، وهذا جميعه أصبح يُعرف بـ "غلاف غزة"؛ الهدف التالي للمقاومة.

لقد حققنا هدفنا المتمثل في إرغام الإسرائيلي على الانسحاب. سيخبرك المحللون إنه ليس تحريراً فما زالت "إسرائيل" تحاصرك. حسناً، المسألة ليست خلافاً لغوياً، المعنى العملي المترتب على الانسحاب هو الذهاب لجغرافيا نستطيع فوقها الانتقال إلى المرحلة الثانية من تطور العمل المقاوم، وانتقلنا بالفعل من الاستنزاف إلى مراكمة القوة.

ولابد أن تعرف أن الحفاظ على قطعة جغرافية مهما كانت صغيرة -بل بالذات إذا كانت صغيرة-، لم يكن سهلاً أبداً. كان ذلك شاقاً، فأولاً: تحتاج أن تتأكد من بسط نفوذك فوق هذه القطعة والذي لن يسلم لك فيه، لن يتركوك تلتقط أنفاسك، وهو ما أدخلنا في مواجهات مع الأجهزة الأمنية وصلت منتهاها عام 2007، وشكّل ذلك طفرة في الحصول على المعلومات بالنسبة لاستخباراتنا، وقفزة أيضاً في قدرتنا على التأمين، ثم مواجهات مع العائلات التي حاولت حركة فتح التسلل من خلالها عام 2008، والمواجهة مع تيارات الغلو في الفترة نفسها. وبعد أن تم الأمر، أخذنا في بناء تجربة إدارة وحكم شابها ما يشوب التجارب من محاولة وخطأ في ظروف حصار شديد شارك فيه القريب والبعيد. والأصعب في كل هذا ألا نتغير نحن، ألا نسترخي في خيار الحكم وينجحوا في احتوائنا، وكان هذا أصعب الامتحانات.

ثانياً: تحتاج أن تقنع عدوك أنه لم يعد قادراً على الدخول مجدداً، أي تحصين الجغرافيا بوصفها ملاذاً آمناً للإعداد والمراكمة، وهو ما تكفّلت به معركة 2008. صحيح أنها أخبرت العدو أن القطاع منطقة تخصنا، لكنها أيضاً كشفت لنا عن العديد من الأخطاء من جانبنا، فقد تمكن العدو من اجتياح القطاع بسهولة نسبية، مما كشف عن قصور في نقاطنا الدفاعية. كنّا نبني من أخطائنا سُلّماً، فأعددنا "الخطة الدفاعية" ليبدأ التصدي من السياج وليس من المدن، بالإضافة لتطوير الأنفاق الذي مر بخمس مراحل أساسية، ثم تطور لدينا الفكر العملياتي. سابقاً كان المقاتلون يفزعون من كل مكان للدفاع عن منطقة محددة، أما لاحقاً فجرى تقسيم القطاع لخمسة ألوية، وتحت كل لواء أربع أو خمس كتائب مناطقية، وتحت الكتيبة سرايا من أربعة فصائل وكل فصيل فيه أربع مجموعات، وكل مجموعة فيها زمرتان، وكل زمرة فيها عقدتان، وتتكون العقدة -الوحدة الأصغر- من مقاتلين اثنين أو ثلاثة، وداخل هذه التشكيلات توجد وحدات خاصة ووحدات متخصصة وهندسة. وكانت مهمة كل لواء أن يخرج تصوراته للدفاع وفق خبرته بالمكان الذي يديره، ثم ندمج هذه الخطط بخطة مشتركة.

دعني أخبرك هنا معلومة مهمة. بناء الألوية بطريقة تدمج بين المركزي واللامركزي جعلها قادرة على تعويض الخسائر في الصفوف القيادية بكل تلقائية".

أثر الدموع لا يُرى.. أثر الدموع لا يزول

ثمة حياة خاصة لسيرة الجهاد نفسه تنمو وتتطور بعيداً عن حياة الفكر الذي يستقل بنفسه، وتنتج هي بدورها مشاعرها وفكرها الخاص. كنت أفكر بهذه الفكرة وأنا ألمح في وجهه انكسارة حنين لأرض المعركة.

كان قد صمت قليلاً وكأنه نصب كميناً لفكرة برأسه ثم قال: "ولا بد أن أخبرك بشيء سبق كل هذا؛ الحلم بمهاجمة غلاف غزة. ثمة قيمة كبرى في نقل القتال لمستوى الهجوم على نفسية المقاتل عندنا، هل تعرف ماذا يعني أن يقاتل فوق أرضه التي سلبت منه؟ هذا يعيد ولادته ويدفن أسطورة عدوه في آن، وكانت المرة الأولى التي مهدّت للطوفان عملية اختطاف الجندي شاليط عام 2006، لقد مثلت أول هجوم ناجح على الغلاف".

"هل كانت عملية شاليط تأكيداً من حماس أن تجربة الحكم لم تصرفها عن المقاومة؟"، سألته.

"لا، كانت انتقاماً للطفلة هدى غالية، التي كانت تمرح مع والدها وأشقائها الخمسة على الشاطئ".

(نهار يوم الجمعة في 9 حزيران/ يونيو 2006 بين الساعة 4:31 وَ4:50 عصراً، أطلقت المدفعية الإسرائيلية وسلاح البحرية الإسرائيلي ثماني قذائف على شاطئ بحر غزة، بلا أي اكتراث كانت "إسرائيل" قادرة على تحويل نزهة إلى مجزرة، كانت هدى غالية ابنةالاثني عشر عاماً وقتها هائمة بين جثث عائلتها على الرمال، تخاطب الكاميرا ودموعها تسيل في اندهاش: "بابا..بابا.. صوروا صوروا"، تبكي وحيدة ولا تدري أن ثمة من لبى نداءها، هل كانت دموعها "أثر الفراشة" الذي رفرف فأحدث طوفاناً؟ بعدها هاجمت المقاومة الغلاف لأول مرة، وخطفت شاليط منجزة صفقة كبيرة خرج خلالها الرجل الذي سيشرف على طوفان الأقصى لاحقاً: يحيى السنوار).

ثورات الشعوب: تدفق الأسلحة

مجرد ارتخاء قبضة النظم مع ثورات الشعوب عادت على مسيرة الجهاد بالنفع، لا يتعلق الأمر بإيجاد أنظمة تدعمنا بل تحييد هذه الأنظمة ولو قليلاً كان ينعش العمل، فيما يتعلق بغزة كانت ثورة ليبيا هي الأهم.

أخذ يروي ما يعرف عن هذه الفترة: "كان عام 2011 عاماً فارقاً لمسار القسام العسكري. ارتخت الحدود بعض الشيء، فأصبح خط (سيناء-مصر-السودان- ليبيا) عامراً بالأسلحة الذاهبة باتجاه القطاع.

في أيامها حصلنا على السلاح الموجه، والكورنيت، وقطع القنص، النمساوية، البرجينوف والدراجنوف الروسيين، وجيبات "تويوتا - هاي لوكس" التي شاهدتها تعبر الغلاف في الطوفان، لكن هذا الارتخاء لم يدم طويلاً، وأعقبه إغلاق أشد مما كان، غير أننا كنا قبلها قد استفدنا من هذه الانفراجة في تطوير الصناعات المحلية، ومع الدعم والخبرة الإيرانية، شهد مسار التصنيع طفرات في النمو.

ضربنا تل أبيب لأول مرة عام 2012 رداً على اغتيال الشهيد أحمد الجعبري. كان مدى الصواريخ آخذاً بالتطور بمساهمة فعالة من المهندس جمال الزبدة، ومن خلال الهندسة العكسية، جرى الاستفادة من كل شيء.

بعد هذه الحرب مباشرة أسسنا قوات النخبة. لقد سبق النخبة تجارب محدودة وفعالة كمجموعة "103" التي أشرف عليها الشيخ صلاح شحادة، ثم مجموعة "الاستشهاديين". تلقّت هذه المجموعات تدريباً وصل لمستويات جيدة، لكن النخبة تعرضت لتدريب شديد الخصوصية مكّن أفرادها من القتال في كل الأماكن والظروف.

انطلاقاً من عام 2013 سيكون هناك برنامج مكثف من أربعة مستويات: الصاعقة، والمهاري، والعمل الجماعي كفصيل، ثم كسرية كاملة، وجرى التشديد على الإعداد الإيماني حتى كان من يتغيب عن صلاة الفجر أكثر من مرة يجري تجميده، ووُضِع حفظ القرآن مع اللياقة البدنيّة كمعايير أولوية في القبول، بالإضافة للتعبئة الدينية المستمرة من خلال شرح سور كالأنفال والكهف ومحمد، وإبراز معاني التضحية والرجولة في القرآن".

"هل هذه القوات متفرغة للقتال؟".

"لا لم يكن واحداً منهم مفرّغاً، كان يعودون من أعمالهم اليومية للتدريب، فقد كانت قوات متطوعة، ولم تفرز على الجهاز الحكومي حتى لا تنافس الناس على وظائفه".

في حرب عام 2014، أدت قوات النخبة مهمتها ببراعة عالية، فلقد نفذت 5 عمليات في غلاف غزة بدأتها بإغارة وحدة الكوماندوز البحري على موقع "زيكيم" العسكري.

لم يعد اجتياح القطاع سهلاً، وكانت عقيدة العبور من السياج تتشكل عملياً على وقع هذه الحرب، إذ هاجم المقاتلون العديد من المواقع العسكرية في الغلاف، وكذلك تبلورت فكرة المبادرة في الهجوم بدل انتظار الإسرائيلي.

وفي هذه الحرب جرى الهجوم المشترك من البحر على "زيكيم" و"ناحل عوز"، ومن الجو باستدخال الطائرات المسيّرة "أبابيل"، ووصلت الصواريخ إلى حيفا.

لقد تطورت منظومة الاستخبارات والمنظومة الأمنية عندنا، وأخذ ركن التصنيع مساره بكفاءة3بالإضافة لدخول الطيران الشراعي، والضفادع البشرية، والكفاءة العالية لسلاح الهندسة، وهذا كله نتيجة تطور منظومة التدريب. فأصعب ما يواجهه العقل العملياتيفي ميدان المعركة، هو القدرة على ضبط كل هذه الكتل في انسجام وكأنها لحن موسيقي.

وهذا الذي أقصده بالنضج الذي شكلته النيران، لقد ارتفعت ثقتنا بأنفسنا، وقبل كل ذلك بالله، وكل خطوة كنا نخطوها في المواجهة والإعداد كان حجم العدو يصغر في أعيننا. لقد كان ضربهم مسألة وقت لا أكثر.

ودعني أخبرك شيئاً أرجو أن تحفظه حتى وإن لم تفهمه "من لا يطوّر الأدوات محكوم عليه بالتخلي عن الأهداف"".

الوقائع الطبيعية للأشياء

تدفق الرجل في كلامه بأكثر مما تمنيت، وكانت عيناه تلمعان وهو يتكلم عن المعجزات التي اجتُرحت في ظروف معقدة. لقد كان لدى غزة كل الأعذار، فهي أكثر قطعة جغرافية محاصرة في العالم، لكن الأمر كما قال "التأويل فعل من أفعال الإرادة"، وربما هذا الدرس التأسيسي الذي تعلموه من الشيخ أحمد ياسين، الرجل الذي لم يتعذّر بكرسيه المقعد، بل حوّله لعرش قيادي. يا الله، كم تشبه هذه الجغرافيا شيخها!

سألته: "لقد كانت سيف القدس مفترقاً هاماً، استخدمت المقاومة في غزة سلاحها لمطالب سياسية جامعة، وهبّت مختلف الجغرافيات نصرة للأقصى في مشهد بدا كيقظة فلسطينية جديدة، هل شكّل هذا المشهد إغراء في حسابات الطوفان؟".

"لكي تفهم الطوفان جيداً عليك أن تفكر فيه بوصفه نتيجة طبيعية بدلاً من كونه حدثاً شاذاً يحتاج لتفسير، ما يحتاج لتفسير هو تأخره وليس حدوثه، الأمر بسيط: عدو يريد سحقنا، وقوتنا تراكمت لوضع حد له.

4500 مقاتلٍ من قواتنا شاركوا في عملية طوفان‌ الأقصى، 3000 منهم لعمليات المناورة و1500 لعمليات الدعم والإسناد. في أقل من ساعتين نجحنا في اختراق الجدار الزائل والإغارة على جميع مواقع الفرقة المعادية وعددها 15 موقعاً عسكرياً، فضلاً عن الهجوم على 10 نقاط تدخل عسكرية وعلى فصيل الحماية المتواجد في 22 مستوطنة، ودمرنا الفرقة المعادية وسيطرنا على قاعدة "رعيم" العسكرية التي كانت مفخرة جيش الاحتلال.

لقد كانت ملحمة كبرى بحقّ، ولكنهم تُركوا وحدهم، لقد قاتلوا عن الأمة بأسرها وقاتلهم النظام الدولي بأسره، لقد كنا قريبين من الحسم ولا شيء يجري في مملكة الله دون إذنه، كنا قريبين.. قريبين جداً"، وضمّ قبضته تجاه جبهته وضغط بها رأسه بقوة، وبصعوبة ميزت أنه كان يغالب دمعه.

(في نيسان/ أبريل 1956، كان موشيه ديان، قائد الجيش الإسرائيلي حينها، واقفاً في ذهول فوق ما بات يعرف بـ "ناحل عوز". جاء ديان لحضور جنازة جندي قُتل على يد المقاومين أثناء قيامه بدورية في الحقول على ظهر حصان. سُحبت جثته إلى الجانب الآخر من "الحدود"، حيث عُثر عليها في حدث سبب صدمة للمجتمع الإسرائيلي. قال ديان: "دعونا لا نلقي باللوم على القتلة. لقد كانوا يجلسون لمدة ثماني سنوات في مخيمات اللاجئين في غزة، وأمام أعينهم كنا نحوّل الأراضي والقرى التي سكنوها هم وآباؤهم إلى ممتلكاتنا". كانت النكبة ما زالت طازجة، وفي أيامها كانت كل مقاومة دفاعية!ومع إدراكه لذلك، هجّر ديان ما تبقى من الفلسطينيين في بلدة المجدل الحدودية، التي أصبحت الآن مدينة عسقلان الإسرائيلية، وهي البلدة نفسها التي انحدر منها يحيى السنوار قبل أن يكبر ويكبر ثأره معه، وصولاً للحظة جرّ فيها هو ورجاله عشرات الجنود الإسرائيليين أمام ذهول المشروع الصهيوني أجمع).

عاد الرجل لتوضيح النقطة التي يعتبرها جوهرية في فهم الأمر: "هناك شيئان وصلا مداهما الطبيعي: الأول، هو أن قوتنا وصلت مداها في التطور النوعي، وتاريخ عرقنا ودمنا وأدواتنا أطلق خيالنا، وأصبحنا على مفترق طرق؛ إما أن نراكم القوة ويصبح الخوف من خسارتها رادعاً لنا بدلاً أن يكون رادعاً لأعدائنا، وإما أن نضعها في ملحمة كبرى، والملاحم الكبرى تحوي مزيجاً من الحسابات والغيب كما هو معروف، وحده القائد وصاحب الرؤية يستطيع الضغط على زناد إطلاقها.

الشيء الثاني هو أن عدونا أيضاً قد استقرت نظريته القائمة على استنزافنا بشكل تدريجي حد التلاشي دون أن يشعر بنا أحد، وكل مسارات التصفية التي انطلقت هي إقرار نهائي بإبادتنا، لكن بدلاً من قتلنا بمجازر جماعية أخذوا الطريق البطيء، موت بدون توقيع سياسي ولا طموح مستقبلي. حسناً، إذا كان مصيرنا في الحالتين الموت، فلنطلقه عليهم أيضاً، لنجعله صعباً ومكلفاً عليهم أيضاً، محملاً بوعد يضع وجودهم على المحك، أما وجودنا فقد وضعوه على المحك قبل طوفان الأقصى بسنوات طويلة".

الجرأة على احتمال الغيب

"ما الذي فات العملية من حسابات؟ فاجأكم الدخول المحدود للمحور؟ حجم الرد الإسرائيلي؟ الاصطفاف العالمي مع إسرائيل؟ عدم قيمة الرهائن عند إسرائيل؟". سألته وأنا لم أنتهِ من تعداد كل ما يمكن أن يقال عن الحسابات.

"نابليون قديماً اعتبر أن الخطة التي نجاحها يصل لـ60% هي خطة قابلة للتنفيذ، ويضيف: "يضطر المرء في الأعمال الكبيرة لأن يترك بعض الأمور للصدفة"، هذا في حالة جيش نظامي فما بالك ونحن في حالة نعرف جيداً أننا أضعف من عدونا بمراحل من الناحية التقنية، وبالتالي انتظار الفرص الأفضل هو ذريعة لتأبيد القعود، والوقت لم يكن لصالحنا.

ثمة قواعد ست تحكم أي صراع وهي: الحيطة، المفاجأة، الاقتصاد بالقوى، التجمع، ملاءمة الوسائل مع الهدف، المبادأة". ثم نظر إلي بتركيز وسألني: "ألا ترى معي أن تحقيق أمننا مع مفاجأة خصمنا هما هدفان شديدا التناقض؟ وينطبق هذا التناقض على جميع القواعد الست، لكنها ضرورية لحسم الصراع.

يصعب فهم هذه التناقضات إلا على القائد الحقيقي الذي يخوض الحروب. من لم يخض حرباً يظن الأمر أشبه بمعادلة رياضية، لكن من يخوضها يعرف أنها أقرب للمعادلة الكيميائية ولا يمكن معرفة النسب والعناصر الدقيقة لكل عنصر إلا خلال العمل نفسه، وكلما ازدادت خطورة الوضع ازدادت بساطته.

إن وظيفة العمل المقاوم أن يجعل من نسب مبادئ الصراع تعمل لصالحه دائماً، ولا يمكن لهذا التناقض أن يكون حلّه شرطاً للتقدم، بل التقدم هو شرط حلّه، أو على الأقل تحقيق أكبر قدر من الانسجام فيه.

بلغة أخرى، من يريد أن يعمل عليه أن يحتمل الغيب، ذلك المكون الأساسي من أي عمل، واحتمال الصدف والمفاجآت هو جزء من الإعداد وليس نقيضاً له، وأم أربعة وأربعين لا يمكنها الزحف إذا انشغلت بعد أرجلها.

بلا شك هذا يزعج المنظرين الذين يميلون لوضع القواعد والنظريات الجاهزة، الفارق كبير بين الطبيب القائم عمله على التشخيص وعالم وظائف الأعضاء، أن نعرف وظائف الأعضاء هذا أمر ضروري، لكن لا يمكن إجراء عملية جراحية من خلال كتاب في الأحياء".

"لكن من يعمل في الميدان يحتاج لعين خارجية، أليس كذلك؟".

"عين خارجية صحيح، ولكن ليس قلباً خارجياً.أتعرف أكثر ما يزعجني في هذه التحليلات، ليس عدم واقعيتها، بل الجبن الذي تنطوي عليه، إنه جبن لا يقدر على تقديم نفسه بوصفه كذلك، فيتخذ من العقل زخرفاً له، وفيكم سماعون لهم".

"ألا ترى أن هذه النظرة للنقد تجعل من مهمة الفكر هو التصفيق للقوة العسكرية ودون ذلك خيانة؟".

"لا، لم أقل هذا، بدون العملية النقدية لم نكن لندرك كوامن قصورنا، بل إنني أزعم أن القسام من بين كل مؤسسات الفلسطينيين والعرب هو الأكثر نقدية ومراجعة لنفسه، وإلا لكان أبيد منذ زمن، لأن الخطأ فيه ثمنه الحياة.

ما أردت قوله صاغه نابليون بالجملة التالية :"في بداية حملة ما، يجب أن نفكر إذا ما كان علينا أن نتقدم أم لا، ولكن ما أن نقوم بالهجوم حتى يغدو من واجبنا دعمه حتى النهاية".

"الحرب علم تجريبي تنقصه التجربة"، لكن الرجولة لا تتغير، الإيمان لا يتغير، لم يبايع الأنصار بيعة الحرب على عبقرية الخطة بل على الجنة. وليست المقاومة مشروعاً تجارياً حتى تسحب منه أموالك إذا تعرض لبعض الخسائر.

لقد انطلقت الحرب و"إسرائيل" ومن خلفها العالم ذاهبون لإبادتنا وإخضاع المنطقة بأكملها. ولا بدّ أن نعرف أن هذا التدمير المهول الذي تصنعه يتضاعف مع خطابات الهزيمة التي تتكفل بالعمل ككتيبة احتياط في صد الناس عن مجرد تخيل هزيمة "إسرائيل". وكما تتترّس "إسرائيل" بالمدنيين، يتترسون هم بهم. من تهمه دماء الناس في غزة، عليه أن يحرص على عدم ذهابها هدراً، أن يكون وفياً لما سالت من أجله، لأن عدم التبديل هو جزء أساس من استمرارية المعركة في تقريب أهدافها البعيدة.

لقد تغير كل شيء للأبد، نحن تغيرنا وهم تغيروا، ولم يعد هناك إلا الخيارات الصفرية، لكن العقول الكسولة لا تريد تصديق ذلك، أو أنها خائفة من تصديقه، لأن ذلك سيحتم عليها خيارات كثيرة غير مستعدة لتحملها.

نظر إلى ساعته وهم بالنهوض وهو يتمتم: "التأويل فعل من أفعال الإرادة، التأويل فعل من أفعال الإرادة". .


متراس -طارق خميس


نيسان ـ طارق خميس ـ نشر في 2024-11-29 الساعة 12:22

الكلمات الأكثر بحثاً