عسقلان: بلد المرابطين
نيسان ـ نشر في 2024-12-01 الساعة 12:20
x
نيسان ـ إذا كانت عكا هي المدينة الثكنة وذاكرة الحِصن المُحجّر على ساحل فلسطين الشماليّ، فإنّ عسقلان هي مربط ثغر البلاد في وجه غزاة البحر على ساحله الجنوبيّ من فلسطين. بقيت عكا بأسوارها، بينما عسقلان تبعثرت حجارتُها وذلك بِقرارِها، حين تصالح المسلمون مع الصليبيين على انسحاب الأخيرين من جنوب البلاد بشرط تخريب عسقلان، وذلك في صلح الرملة الشهير سنة 588هـ/1192م. ومن يومئذٍ وعسقلان خراب، ومع ذلك ظلّت تُنجب أولادها وبأيديهم الحِرَاب.
لقد خرّبت حروبُ تحرير البلاد من أيدي الصليبيين عدّة مدنٍ على ساحل المتوسط، مثل: أرسوف، وقيسارية، وعتليت، ولم تقم لهذه المدن من حينه قائمة، إلا أنّ عسقلان المدينة الوحيدة التي جرى تخريبها وبقيت تستنبت سيرتَها وسريرتها على شكل قرى ظلت تُعرف وتُعرف بالمدينة المخرّبة الأمّ، منها مجدل عسقلان، وجورة عسقلان، وكذلك حمامة عسقلان، تماماً مثلما يجري اجتثاث شجرة مُسنة من جذورها، لِتُعاوِد بعثَ نفسها على شكل فروعٍ منها في موقع اقتلاعها، وهكذا كانت عسقلان. بينما عتليت وقيسارية وأرسوف مدنٌ دَرَسَت دون أن تترك درساً واحداً لنا عنها.
أعلى الرأس
للتذكير، كانت عسقلان مدينةً فلسطينيّةً ساحليّةً تحطّ على حدّ البحرِ مباشرةً، وتبعدُ عن غزّة المدينة إلى الشمال الغربيّ منها مسافةً تُقدّر بـ21 كيلومتراً. وهي واحدة من بين المدن الخمس التي بناها الفلسطينيون القدماء، غزّة وعسقلان وأسدود وعاقر وجات. وعُرِفت عسقلان في حينه باسمها الذي استحوذ عليه الصهاينة حديثاً بعد احتلالهم المدينة وإحلالهم فيها "أشقلون أو أشكلون". وجرى تعريب اسمها إلى "عسقلان" مع الفتح العربيّ الإسلاميّ لها سنة 19هـ/640م على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
مقام الشيخ عوض الصغير في قرية الجورة المُهجّرة على شاطئ مدينة عسقلان. (المصدر: الجرمق)
وقد اختلفت المصادر والمراجع العربيّة في معنى اسمها، إذ يعني اسم "عسقلان" بحسب صاحب لسان العرب "أعلى الرأس"، ومن هنا القول المأثور: "للشام غرّتان غزّة وعسقلان"، بينما يقول رأيٌ آخر: إنّ عسقلان اسمٌ مشتقٌّ من العسقيل ويعني الحجارة الضخمة. وفي كتابه "الموجز في تاريخ عسقلان" أشار عارف العارف إلى حجارة عسقلان وحكاية نقلها وبيعها في أسواق مدينة غزّة لاستخدامها في بناء معمار المدينة بعد خراب عسقلان، إذ ظلّت الأخيرة مدينةً مردومةً حتى مطلع القرن العشرين، يستعينُ الحَجَّارةُ والبناؤون بحجارتِها للكسب والاتجار بها. فيما يذكرُ الدبّاغ صاحب موسوعة "بلادنا فلسطين" أنّ مرد اسم عسقلان إلى اشتقاقه الكنعانيّ الذي يعني "المهاجرة".
كانت عسقلان مدينةً مستقلةً عن غزّة، لا بل كانت تفوق هذه الأخيرة حضوراً وشهرة، إذ كانت أكثر مدن ساحل فلسطين الجنوبيّ جرأةً على البحر، بينما كانت غزّة أبعد عن البحر مما صارت عليه حديثاً. وهذا مما مَنَحَ عسقلان ثِقلاً عسكريّاً وأمنيّاً وإداريّاً على مدار تاريخها منذ فتحها العربيّ الإسلاميّ إلى أن أضحت المدينة رباطاً ضدَّ الصليبيين، ثمَّ حصناً لهم، إلى أن جرى تخريبها بعد تخليصها من أيديهم في زمن صلاح الدين الأيوبي. كانت عسقلان، آخر مدينةٍ فلسطينيّة على ساحل المتوسط سقطت بأيدي الصليبيين، وذلك بعد خمسين عاماً على سقوط بيت المقدس، أي في سنة 1153م.
الوادي الذي تلوّن بلون الدم
لم تعرف مدينةٌ فلسطينيّةٌ إرثاً عسكريّاً وجهاديّاً مثلما عرفت وعُرِف عن عسقلان، فالسيرة الشعبيّة التي انتجتها المدينة قبل خرابها، وتناقلها أبناءُ القرى المولودة من رحمِها، المجدل وحمامة والجورة إلى ما بعد نكبة هذه القرى عام 1948، على شكل حكايا، ظلّت تستوطن فضاءَ المدينة المردومة ومخيالَ أهلها، تُحلينا إلى ذلك الدور الذي لعِبَته عسقلان كمدينة رباطٍ ودار محارس كما قيل فيها، إذ كان جُلّ سكانها مرابطين فيها ومهاجرين إليها من أبناء القبائل العربيّة التي قدمت من أصقاعٍ عربيّة شتّى، أوّلها الحجاز.
إنّ مقامات الأولياء في عسقلان، هي مقاماتٌ لأضرحةِ مجاهدين غازين كُتِبَت لهم الشهادة في الحروب على المدينة ضدّ الصليبيين. كان مقام الشيخ عوض الذي لم تطله يد خراب المدينة قبل خرابها وبعدها، بمثابة رباطاً بحريّاً في الجهة الشماليّة من المدينة على حافة البحر، والشيخ عوض مجاهدٌ شارك في الحروب الصلاحيّة لتحرير المدينة، استشهد ودُفِن في موقع استشهاده وغدا ضريحُه مقاماً، وقد ورِثَت قريةُ الجورة لاحقاً المقام وذاكرتَه الرباطيّة معاً، وظلّ الشيخ عوض بمثابة حامي قرى عسقلان وغفيرها من البحر وغزاته على مدار التاريخ الحديث.
وفي حكايةٍ ظلّ يتناقلها كلٌّ من أهالي مجدل وجورة عسقلان عن مقام الشيخ محمد الواقع في وادي عسقلان شرق جنوب المدينة التاريخيّة، هو ذات الواد الذي عُرف بوادي النمل. يُقال إنّ الشيخ محمد هو فلاح من أهالي مدينة عسقلان كان يفلح أرضه حين نودي حيّ على الجهاد ضدّ الصليبيين أيام صلاح الدين. ويذكر بحسب رواية خليل المسحال في مقابلةٍ معه عن قريته الجورة بأنّ الشيخ محمد لبّى نداء الحرب بعد أن ترك محراثَه في الأرض حاملاً معه مَذراة قمحه التي قاتل بها ومعه اثنان من إخوته، وقد استشهدوا جميعاً. دُفِن الشيخ محمد في واد النمل وإلى جانبه أخواه، ليغدو ضريحهم أشبه بفكرة "نصب الجندي المجهول" لدى الأمم والدول في التاريخ الحديث.
احتفالات أحد مواسم وادي النمل في مجدل عسقلان قبل النكبة
إنّ وادي عسقلان المعروف بوادي النمل، عُرِفَ بعد حروب تحرير عسقلان باسم "وادي الدم"، بعد أن صار الوادي مجازاً مجرى لذلك الدم المسفوح في عسقلان قبل خرابها، وحتى تسمية وادي النمل يقول خليل المسحال مستحضراً مخيال أهالي قريته الشعبيّ عن تسمية الوادي، بأنه لكثرة ما استوطن النمل في ذلك الوادي الذي ملئته الحروب بجثث الغزاة وجثامين المرابطين، وبأنّ النمل صار أحمراً بلون الدمّ.
في وادي النمل أو الدمّ مقبرةٌ تاريخيّةٌ تعود إلى عسقلان المدينة. ولم تعرف فلسطين مقبرةً للمرابطين والمجاهدين مثلما كانت مقبرة "قريش" فيها، فهي أشبه بالمقبرة العسكريّة في التاريخ الحديث. ولما خربت عسقلان ظلّت مقبرة قريش فيها شاهداً بشواهد قبورها على ذاكرة المدينة ورباطها حتى التاريخ الحديث، وظلّت مدفناً لجثامين أبناء قبائل ريف غزّة وديار بئر السبع ممن أوصوا ذويهم بدفنهم فيها.
عسقلان تُبعث في غزّة
ليست حجارة عسقلان المردومة فقط من حُملت إلى عمائر وبيوت غزّة كما ذكر عارف العارف في كتابيه عن المدينتين، إنما أيضاً أهالي قرى عسقلان؛ المجدل والجورة وحمامة وكذلك جولس، لجأوا عام النكبة إلى غزًة بعد طردهم من قراهم على أيدي الصهاينة. تحوّلت غزّة إلى أكبر ملاذٍ لنازحي ريفها المُشكّل من عشرات القرى التي كانت تحيط بها من شرقها وشمالها بما فيها القرى العسقلانية، وبالتالي غدت غزّة آخر معقلٍ للأمة يتصدّى للمشروع الصهيوني إلى يوم حربه عليها هذا.
من يتتبع السيرة النضاليّة لغزّة وريفها على مدار القرن العشرين، سيجد أنّ الثقل النضاليّ ضدّ الاستعمار البريطاني قبل النكبة كانت نقطة ارتكازه قرى عسقلان؛ المجدل والجورة وحمامة، وذلك بشكلٍ أكثر حضوراً والتحاماً من بقية قرى ريف غزّة. وبعد النكبة كان معظم من قادوا ونظّموا فعل التمرد والنضال ضدّ الصهاينة على مدار أكثر من سبعين عاماً من أبناء قرى عسقلان، ولا نبالغ لو قلنا إننا لو تناولنا أسماء مؤسسي الفصائل الثوريّة الفلسطينية في قطاع غزّة، والملاحقين منهم إلى هذه اللحظة من قبل الصهاينة، سنجد أنهم في الأصل من هناك... من عسقلان، مثل مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، ورئيس مكتب حركة حماس إسماعيل هنية، وعالم الذرة والجبر حنفى فرحات، ورئيس مجلس التشريعي سابقاً أحمد بحر.
لقد خرّبت حروبُ تحرير البلاد من أيدي الصليبيين عدّة مدنٍ على ساحل المتوسط، مثل: أرسوف، وقيسارية، وعتليت، ولم تقم لهذه المدن من حينه قائمة، إلا أنّ عسقلان المدينة الوحيدة التي جرى تخريبها وبقيت تستنبت سيرتَها وسريرتها على شكل قرى ظلت تُعرف وتُعرف بالمدينة المخرّبة الأمّ، منها مجدل عسقلان، وجورة عسقلان، وكذلك حمامة عسقلان، تماماً مثلما يجري اجتثاث شجرة مُسنة من جذورها، لِتُعاوِد بعثَ نفسها على شكل فروعٍ منها في موقع اقتلاعها، وهكذا كانت عسقلان. بينما عتليت وقيسارية وأرسوف مدنٌ دَرَسَت دون أن تترك درساً واحداً لنا عنها.
أعلى الرأس
للتذكير، كانت عسقلان مدينةً فلسطينيّةً ساحليّةً تحطّ على حدّ البحرِ مباشرةً، وتبعدُ عن غزّة المدينة إلى الشمال الغربيّ منها مسافةً تُقدّر بـ21 كيلومتراً. وهي واحدة من بين المدن الخمس التي بناها الفلسطينيون القدماء، غزّة وعسقلان وأسدود وعاقر وجات. وعُرِفت عسقلان في حينه باسمها الذي استحوذ عليه الصهاينة حديثاً بعد احتلالهم المدينة وإحلالهم فيها "أشقلون أو أشكلون". وجرى تعريب اسمها إلى "عسقلان" مع الفتح العربيّ الإسلاميّ لها سنة 19هـ/640م على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
مقام الشيخ عوض الصغير في قرية الجورة المُهجّرة على شاطئ مدينة عسقلان. (المصدر: الجرمق)
وقد اختلفت المصادر والمراجع العربيّة في معنى اسمها، إذ يعني اسم "عسقلان" بحسب صاحب لسان العرب "أعلى الرأس"، ومن هنا القول المأثور: "للشام غرّتان غزّة وعسقلان"، بينما يقول رأيٌ آخر: إنّ عسقلان اسمٌ مشتقٌّ من العسقيل ويعني الحجارة الضخمة. وفي كتابه "الموجز في تاريخ عسقلان" أشار عارف العارف إلى حجارة عسقلان وحكاية نقلها وبيعها في أسواق مدينة غزّة لاستخدامها في بناء معمار المدينة بعد خراب عسقلان، إذ ظلّت الأخيرة مدينةً مردومةً حتى مطلع القرن العشرين، يستعينُ الحَجَّارةُ والبناؤون بحجارتِها للكسب والاتجار بها. فيما يذكرُ الدبّاغ صاحب موسوعة "بلادنا فلسطين" أنّ مرد اسم عسقلان إلى اشتقاقه الكنعانيّ الذي يعني "المهاجرة".
كانت عسقلان مدينةً مستقلةً عن غزّة، لا بل كانت تفوق هذه الأخيرة حضوراً وشهرة، إذ كانت أكثر مدن ساحل فلسطين الجنوبيّ جرأةً على البحر، بينما كانت غزّة أبعد عن البحر مما صارت عليه حديثاً. وهذا مما مَنَحَ عسقلان ثِقلاً عسكريّاً وأمنيّاً وإداريّاً على مدار تاريخها منذ فتحها العربيّ الإسلاميّ إلى أن أضحت المدينة رباطاً ضدَّ الصليبيين، ثمَّ حصناً لهم، إلى أن جرى تخريبها بعد تخليصها من أيديهم في زمن صلاح الدين الأيوبي. كانت عسقلان، آخر مدينةٍ فلسطينيّة على ساحل المتوسط سقطت بأيدي الصليبيين، وذلك بعد خمسين عاماً على سقوط بيت المقدس، أي في سنة 1153م.
الوادي الذي تلوّن بلون الدم
لم تعرف مدينةٌ فلسطينيّةٌ إرثاً عسكريّاً وجهاديّاً مثلما عرفت وعُرِف عن عسقلان، فالسيرة الشعبيّة التي انتجتها المدينة قبل خرابها، وتناقلها أبناءُ القرى المولودة من رحمِها، المجدل وحمامة والجورة إلى ما بعد نكبة هذه القرى عام 1948، على شكل حكايا، ظلّت تستوطن فضاءَ المدينة المردومة ومخيالَ أهلها، تُحلينا إلى ذلك الدور الذي لعِبَته عسقلان كمدينة رباطٍ ودار محارس كما قيل فيها، إذ كان جُلّ سكانها مرابطين فيها ومهاجرين إليها من أبناء القبائل العربيّة التي قدمت من أصقاعٍ عربيّة شتّى، أوّلها الحجاز.
إنّ مقامات الأولياء في عسقلان، هي مقاماتٌ لأضرحةِ مجاهدين غازين كُتِبَت لهم الشهادة في الحروب على المدينة ضدّ الصليبيين. كان مقام الشيخ عوض الذي لم تطله يد خراب المدينة قبل خرابها وبعدها، بمثابة رباطاً بحريّاً في الجهة الشماليّة من المدينة على حافة البحر، والشيخ عوض مجاهدٌ شارك في الحروب الصلاحيّة لتحرير المدينة، استشهد ودُفِن في موقع استشهاده وغدا ضريحُه مقاماً، وقد ورِثَت قريةُ الجورة لاحقاً المقام وذاكرتَه الرباطيّة معاً، وظلّ الشيخ عوض بمثابة حامي قرى عسقلان وغفيرها من البحر وغزاته على مدار التاريخ الحديث.
وفي حكايةٍ ظلّ يتناقلها كلٌّ من أهالي مجدل وجورة عسقلان عن مقام الشيخ محمد الواقع في وادي عسقلان شرق جنوب المدينة التاريخيّة، هو ذات الواد الذي عُرف بوادي النمل. يُقال إنّ الشيخ محمد هو فلاح من أهالي مدينة عسقلان كان يفلح أرضه حين نودي حيّ على الجهاد ضدّ الصليبيين أيام صلاح الدين. ويذكر بحسب رواية خليل المسحال في مقابلةٍ معه عن قريته الجورة بأنّ الشيخ محمد لبّى نداء الحرب بعد أن ترك محراثَه في الأرض حاملاً معه مَذراة قمحه التي قاتل بها ومعه اثنان من إخوته، وقد استشهدوا جميعاً. دُفِن الشيخ محمد في واد النمل وإلى جانبه أخواه، ليغدو ضريحهم أشبه بفكرة "نصب الجندي المجهول" لدى الأمم والدول في التاريخ الحديث.
احتفالات أحد مواسم وادي النمل في مجدل عسقلان قبل النكبة
إنّ وادي عسقلان المعروف بوادي النمل، عُرِفَ بعد حروب تحرير عسقلان باسم "وادي الدم"، بعد أن صار الوادي مجازاً مجرى لذلك الدم المسفوح في عسقلان قبل خرابها، وحتى تسمية وادي النمل يقول خليل المسحال مستحضراً مخيال أهالي قريته الشعبيّ عن تسمية الوادي، بأنه لكثرة ما استوطن النمل في ذلك الوادي الذي ملئته الحروب بجثث الغزاة وجثامين المرابطين، وبأنّ النمل صار أحمراً بلون الدمّ.
في وادي النمل أو الدمّ مقبرةٌ تاريخيّةٌ تعود إلى عسقلان المدينة. ولم تعرف فلسطين مقبرةً للمرابطين والمجاهدين مثلما كانت مقبرة "قريش" فيها، فهي أشبه بالمقبرة العسكريّة في التاريخ الحديث. ولما خربت عسقلان ظلّت مقبرة قريش فيها شاهداً بشواهد قبورها على ذاكرة المدينة ورباطها حتى التاريخ الحديث، وظلّت مدفناً لجثامين أبناء قبائل ريف غزّة وديار بئر السبع ممن أوصوا ذويهم بدفنهم فيها.
عسقلان تُبعث في غزّة
ليست حجارة عسقلان المردومة فقط من حُملت إلى عمائر وبيوت غزّة كما ذكر عارف العارف في كتابيه عن المدينتين، إنما أيضاً أهالي قرى عسقلان؛ المجدل والجورة وحمامة وكذلك جولس، لجأوا عام النكبة إلى غزًة بعد طردهم من قراهم على أيدي الصهاينة. تحوّلت غزّة إلى أكبر ملاذٍ لنازحي ريفها المُشكّل من عشرات القرى التي كانت تحيط بها من شرقها وشمالها بما فيها القرى العسقلانية، وبالتالي غدت غزّة آخر معقلٍ للأمة يتصدّى للمشروع الصهيوني إلى يوم حربه عليها هذا.
من يتتبع السيرة النضاليّة لغزّة وريفها على مدار القرن العشرين، سيجد أنّ الثقل النضاليّ ضدّ الاستعمار البريطاني قبل النكبة كانت نقطة ارتكازه قرى عسقلان؛ المجدل والجورة وحمامة، وذلك بشكلٍ أكثر حضوراً والتحاماً من بقية قرى ريف غزّة. وبعد النكبة كان معظم من قادوا ونظّموا فعل التمرد والنضال ضدّ الصهاينة على مدار أكثر من سبعين عاماً من أبناء قرى عسقلان، ولا نبالغ لو قلنا إننا لو تناولنا أسماء مؤسسي الفصائل الثوريّة الفلسطينية في قطاع غزّة، والملاحقين منهم إلى هذه اللحظة من قبل الصهاينة، سنجد أنهم في الأصل من هناك... من عسقلان، مثل مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، ورئيس مكتب حركة حماس إسماعيل هنية، وعالم الذرة والجبر حنفى فرحات، ورئيس مجلس التشريعي سابقاً أحمد بحر.