السياب.. منه يبدأ تاريخ الشعر الحديث
نيسان ـ نشر في 2024-12-02 الساعة 09:03
x
نيسان ـ زمن طويل مرّ على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب، وهي مسافة زمنية إذا كانت تفصلنا بعيداً عن حياته، فإنها تضعنا في صميم الواقع، الشاعر الذي كان ولايزال يرى فيه عدد من النقّاد اليوم شاعراً يمتدّ بظلّه الطويل على الواقع الشعري العربي المعاصر، منها وقفة مع عدد من النقّاد والدارسين والمهتمين بفنّ السياب لنرى سر هذا الاهتمام الدائم والمتجدّد بشعره..
الأديب (جبرا إبراهيم جبرا) الذي يعدّ واحداً من الذين كشفوا عن وجوه التجديد عند السياب يقول: «إن هذا الاهتمام ببدر شاكر السياب تحصيل حاصل مادامت الأمة العربية تعنى بالشعر وتعدّه الجنس الإبداعي الأول، ولو لم يتم الاهتمام به لكان علينا أن نسأل عن السر والمغزى في هذا الإهمال، ولكان ذلك دلالة على عقوق الأمة بشاعر عظيم»، ويقول: «بالنسبة لي كنت أعلم منذ أول يوم أن السياب من أعظم الشعراء العرب الذين عاصروه، ومن أبعدهم رؤية وأبرعهم تجديداً، وأقدرهم على استخلاص الرموز والأساطير، وأرى أن السياب الذي مضى على موته المبكر زمن بعيد يزداد وضوحاً كلّما مرّت السينين، دع عنك النقّاد والدارسين، إن الشعر العربي لكي نفهم ما عرفه من تطوّر بالضبط في النصف الثاني من هذا القرن لابدّ من تناوله على قسمين: ما قبل السياب، وما بعد السياب».
لقد تمكّن السياب من أن يقلب بنموذج قصيدته ذائقة عصره، وسياسة الموروث العربي الشعرية، وأن يختط للقصيدة منهجاً جديداً، إضافة إلى حداثته كان إنجازه عميقاً، فلم يكتفِ بمسّ البنية الخارجية، بل ذهب إلى النخاع، إلى ما تحت جلد القصيدة ليغنيها بالرموز الأسطورية، ثم راح إلى القاموس ليفتحه من محدوديته وينطلق به عبر البيئة وتجلياتها، كان إحساسه باللون وبالصوت والحركة عميقاً، فنقل ذلك كله إلى قصيدته:
ألم يسمع النخيل يشرب المطر؟
والحصى يصل في القرار؟
إن جماليات لغتنا العربية تجد تجلّياتها وتمظهراتها في شعره، ولا يمنعه ذلك من أن يبحث عن شعرية المفردة خارج القاموس، وهكذا نجد أن آلية الشعر تلزم الشاعر باعتباره ظاهرة معرفية كونية يقوم على ندرة الإنتاج وهو نادر وقليل، فالسياب هو صوت متميز فنياً، أدهش شعره أو نال شعره شحنة شعرية طاغية عبر تعاقب الزمن، بمعنى آخر أن السياب لم يكن مستجيباً لظرف معين، ولم يكن متسجيباً لظرف سياسي معين، وإلا لانتهى النقد عنه في الستينيات، فقد أثبت أنه خارج الزمن، وعلى الرغم من وجود قصائد ضعيفة وأخرى متوسطة في مجموع قصائده البالغة 210 قصائد، فإن السياب أحدث خلخلة في بنيات الشعر العربي ولا يوجد عند السياب ما يتوسط له في شعره غير شعره، ولنا في مقولة (رسول حمزاتوف) الذي أوضح فيها شخصية السياب الإبداعية في الشعر الحديث: «السياب هو الشاعر الذي اخترق الطريق الأوسع للتجديد، فكان عنوان الحداثة الشعرية، لقد كانت قصيدة السياب تمتاز بالفعالية الشعرية، أعني بفعالية العلاقة التي تنتجها هذه القصيدة مع عصرنا الشعري وهي قائمة على ما ندعوه بـ(علاقة غنية) تقوم داخل القصيدة وتنهض بها القصيدة، فقصيدة السياب تضع المعنى أمامها، ولذلك فهي تنتج مستقبلها.. والسياب شاعر تمثل سعيه الشعري أكثر ما تمثل في محاولته إدراك علاقته بذاته وبفعل ذلك جاءت صورة الإنسان في عمق رؤياه الشعرية».
الأديب (جبرا إبراهيم جبرا) الذي يعدّ واحداً من الذين كشفوا عن وجوه التجديد عند السياب يقول: «إن هذا الاهتمام ببدر شاكر السياب تحصيل حاصل مادامت الأمة العربية تعنى بالشعر وتعدّه الجنس الإبداعي الأول، ولو لم يتم الاهتمام به لكان علينا أن نسأل عن السر والمغزى في هذا الإهمال، ولكان ذلك دلالة على عقوق الأمة بشاعر عظيم»، ويقول: «بالنسبة لي كنت أعلم منذ أول يوم أن السياب من أعظم الشعراء العرب الذين عاصروه، ومن أبعدهم رؤية وأبرعهم تجديداً، وأقدرهم على استخلاص الرموز والأساطير، وأرى أن السياب الذي مضى على موته المبكر زمن بعيد يزداد وضوحاً كلّما مرّت السينين، دع عنك النقّاد والدارسين، إن الشعر العربي لكي نفهم ما عرفه من تطوّر بالضبط في النصف الثاني من هذا القرن لابدّ من تناوله على قسمين: ما قبل السياب، وما بعد السياب».
لقد تمكّن السياب من أن يقلب بنموذج قصيدته ذائقة عصره، وسياسة الموروث العربي الشعرية، وأن يختط للقصيدة منهجاً جديداً، إضافة إلى حداثته كان إنجازه عميقاً، فلم يكتفِ بمسّ البنية الخارجية، بل ذهب إلى النخاع، إلى ما تحت جلد القصيدة ليغنيها بالرموز الأسطورية، ثم راح إلى القاموس ليفتحه من محدوديته وينطلق به عبر البيئة وتجلياتها، كان إحساسه باللون وبالصوت والحركة عميقاً، فنقل ذلك كله إلى قصيدته:
ألم يسمع النخيل يشرب المطر؟
والحصى يصل في القرار؟
إن جماليات لغتنا العربية تجد تجلّياتها وتمظهراتها في شعره، ولا يمنعه ذلك من أن يبحث عن شعرية المفردة خارج القاموس، وهكذا نجد أن آلية الشعر تلزم الشاعر باعتباره ظاهرة معرفية كونية يقوم على ندرة الإنتاج وهو نادر وقليل، فالسياب هو صوت متميز فنياً، أدهش شعره أو نال شعره شحنة شعرية طاغية عبر تعاقب الزمن، بمعنى آخر أن السياب لم يكن مستجيباً لظرف معين، ولم يكن متسجيباً لظرف سياسي معين، وإلا لانتهى النقد عنه في الستينيات، فقد أثبت أنه خارج الزمن، وعلى الرغم من وجود قصائد ضعيفة وأخرى متوسطة في مجموع قصائده البالغة 210 قصائد، فإن السياب أحدث خلخلة في بنيات الشعر العربي ولا يوجد عند السياب ما يتوسط له في شعره غير شعره، ولنا في مقولة (رسول حمزاتوف) الذي أوضح فيها شخصية السياب الإبداعية في الشعر الحديث: «السياب هو الشاعر الذي اخترق الطريق الأوسع للتجديد، فكان عنوان الحداثة الشعرية، لقد كانت قصيدة السياب تمتاز بالفعالية الشعرية، أعني بفعالية العلاقة التي تنتجها هذه القصيدة مع عصرنا الشعري وهي قائمة على ما ندعوه بـ(علاقة غنية) تقوم داخل القصيدة وتنهض بها القصيدة، فقصيدة السياب تضع المعنى أمامها، ولذلك فهي تنتج مستقبلها.. والسياب شاعر تمثل سعيه الشعري أكثر ما تمثل في محاولته إدراك علاقته بذاته وبفعل ذلك جاءت صورة الإنسان في عمق رؤياه الشعرية».