اتصل بنا
 

دعهم يتحررون أولاً..

نيسان ـ نشر في 2024-12-09 الساعة 16:07

نيسان ـ الغالب على المتابعين العرب وخاصة في بلاد الشام، التوجس من دولة الاحتلال، ومن الدور التركي والاميركي.. وهو توجس مفهوم، ومن يغفل عن شر أميركا وإسرائيل من المهتمين والعاملين للتحرر فهو ساذج سياسياً، وشخص يفتقر الى النظر السياسي، لأنه يتعامل ويتفاعل مع ما يحدث أمامه ولا يتعدى الأمر حواسه الى الفكر ليعرف وراء ما يراه ويحس به، لأن الغالب على الواقع السياسي الدولي أنه يتآمر على الشعوب العربية ولا يسلّم أمرهم إلا لمن خضع له وأخضع شعبه له إلا إذا كان يخفي عنهم أهدافه حتى يقوى عوده ويمتلك القوة ويتحرر.
لذلك لا يستطيع شعب أن يغير نظام الحكم في أي بلد عربي يخضع للسيطرة الاستعمارية، وقريب من دولة الاحتلال إلا بتفاهمات دولية، قد يفرضها القوي ويقر بها الأضعف، أو تتلاقى مصالح الطرفين فيتفقون على من يقبل بالشروط الدولية التي يفرضها الكبار، لكن الذي يريد أن يحقق هدفه في هذا الواقع الصعب لا بد له من مراحل ويقدم تنازلات ويظهر حسن النية حتى يصعد درجة على سلم التحرر، لانه إذا تجمد على موقف وهدف كبير يريد تحقيقه مرة واحدة، سيبقى متحجراً في مكانه عقوداً طويلة وهو تحت الهيمنة والذل والفقر والتخلف الحضاري والمادي.
فالأنظمة الحاكمة مدعومة من الدول المهيمنة، ولا يوجد طريق للخلاص إلا من "بوابة الموقف" الدولي، الذي لا يعطيك حقوقك الا إذا خدعته وبينت له أنك تستطيع الانسجام مع الوضع الدولي الراهن، في وقت، تبدو خيارات الشعوب التي تبحث عن الحرية محدودة بل مرهونة بداية بالموقف الدولي، وكل من حاول نيل حقوق شعبه لا بد له من دخول من تلك البوابة، ولا يعاب على ذلك، فالنضال الحقيقي هو الانفلات في لحظة "مخطط لها" من براثن القوى المهيمنة ليصل بشعبه الى بر الأمان.
ما حدث في سوريا هو مرحلة ستفضي الى ما بعدها -إن كان قادتها مخلصون-، ويعون حقيقة الوضع الدولي، وعليهم الانتباه جيداً من المثبطين الذين يطلبون التغيير في قفزة واحدة تفضي حتماً الى وادٍ سحيق يقع بين ضفتين شاهقتين العبودية المذلة والتحرر الحقيقي، لذلك القفز في هذه الحالة لا يجدي، ولا بد من الالتفاف والتسلق الحَذِر الواعي لكل المنزلقات في الطريق.
أما الحماقات التي ترتكبها دولة الاحتلال، فهي بسبب مخاوفها والتي تتعلق بفصائل المقاومة المهددة لوجودها، والأكثر رعباً لها متعلق بموقف شعوب المنطقة منها، وإن كان هذا ما يخيفها، فإن مخاوفها لن تنتهي حتى تنتهي هي، لأن تنامي الحرية في العالم العربي لن يتوقف، وإذا استطاعت أن تندس في وسط العالم العربي منذ بداية القرن الماضي الى أوسطه في ظروف مضطربة وشعوب غائبة عن المشهد نتيجة نقص المعلومات، والثقة العمياء بالأنظمة المصنوعة في الغرب، فإنها لن تستطيع الآن مع ثورة المعلومات وانكشاف الواقع السياسي في المنطقة للكبير والصغير وللمتنبه والغافل، وهي ستسقط لأن تدبيرها وتخطيطها لاستمرار إذلال شعوب المنطقة أصبح يعطي نتائج عكسية، يجعلها تواجه الشعوب وجهاً لوجه الى أن تصل الى مرحلة، لن يستطيع رعاتها حمايتها..
الشعب السوري فرح لتخلصه من نظام مجرم لم يجلب له وللعالم العربي إلا الشر والقهر والفقر، وفرح معهم كل شعوب العالم الحر الذين شاهدوا فظائعه بالشعب السوري، وهذه خطوة كبيرة يُبنى عليها إذا تأني الثوار وبنوا دولة مؤسسات -وإن كانت برعاية أحد أطراف الصراع الدولي ـ، لكن ما يخشى منه هو الطرف الآخر من الصراع الدولي الذي قد يحاول استخدام أدواته لإفشال الثورة وإدخال البلاد في فوضى، ويرهن البلاد للمرتزقة والمغامرين ولمن يخرج الواقع من حساباته السياسية ويريد دولة بمواصفاته في ضربة واحدة..

نيسان ـ نشر في 2024-12-09 الساعة 16:07


رأي: صابر العبادي

الكلمات الأكثر بحثاً