لؤي أحمد يكتب عن السجين الأردني بسجن صدنايا السوري: وابيضّت عيونُ أبيه وأمه
نيسان ـ نشر في 2024-12-10 الساعة 12:30
نيسان ـ كنتُ في سنٍّ صغيرة عندما سمعتُ باسم (بشير البطاينة) يُذكر في بيتنا الإربدي (في منطقة البارحة) للمرة الأولى، ورغم أن الرجل من أخوالي وابن عم زوج خالتي ويسكن في حيِّنا، إلا أنني لم أصادفه في طفولتي إلا مرتين أو ثلاثا، كان يمشي مكسورا مشتتا، تُحس أنه يهيم على وجهه في الطرقات وحيدا شريدا رغم أنه موسرٌ وابن عشيرة متكاتفة وكبيرة، كلما جاءت خالتي (أم محمد) لتزورنا سألتها أمي عن (بشير) فيأتي الجواب:
- بشير فقد عقلَه بفقد أسامة.
- بشير باعَ بيته وأراضيه ليدفع رشوةٍ لبعثيين سوريين وعدوه أن يعيدوا له أسامة.
- البطاينة أرسلوا وفدا للقاء الملك حسين للوساطة عند حافظ الأسد كي يكشف عن مصير أسامة.
- عليان بني هاني( أردني في البعث السوري) وعَدَ بشير أن يتحدث مع مسؤولين كبار في الحزب للعثور على أسامة.
- بشير انطفأت عيناه من البكاء على أسامة.
وأخيرا:
- شاخ بشير قبل أن يعرف لأسامة طريقا...
كبرتُ، وعرفت من أخوالي قصة (أسامة بشير البطاينة) الفتى الذي اعتقله حافظ الأسد عام ١٩٨٦ وهو في الرابعة عشرة من عمره، أخفاه عن الدنيا، وأعطاه رقما من دون اسم؛ كي لا تصل إليه يدٌ أو يعرف أهله في الأردن إن كان حيا أو ميتا.
أي ذنبٍ اقترفه ذلك الفتى اليافع؟ أي جريرةٍ ارتكبَها وهو الذي لم يكن حينها يعرفُ من الدنيا شيئا عن القائد الخالد وحركته التصحيحية ومخابراته الجوية وسجونه وسراديبه وجلاوزته؟.
لم يأتِ البشيرُ بخبرٍ عن أسامة، وابيضّت عيونُ أبيه وأمه، وظل في الجبُ ثمانية وثلاثين عاما قبل أن تلتقطه السيّارة، وقبل أن يوصلوه إلى الحدود الأردنية مع سورية جسدا متهالكا من عظام نخرتها الرطوبة وسنين العذاب، جسدا ضئيلا لا تسترُ تجاعيدُه من لحمه شيئا، جسدا هرما عمرهُ اثنان وخمسون عاما.
ثمانية وثلاثون عاما مرّت قبل أن يخرج أسامة من مقبرة للأحياء في دمشق اسمها: (سجن صيدنايا)، خرجَ فاقدا ذاكرته وأسنانه وشعرَه وصحته وآدميته وكرامته الإنسانية، ثمانية وثلاثون عاما وهو في قبر مشيد من قبور الأسدين (حافظ وبشار)، ١٤ عاما منها في عهد الدجال الكاذب (أبو سليمان)، و٢٤ عاما في عهد الألثغ الهارب (أبو حافظ).
لا يتذكر أسامة شيئا، ولا يعرف ما الذي حل بأبيه وأمه بعد تغييبه، جملة واحدة فقط تخرج من فمه، جملة نصفها الأول مفهوم، والآخر عصيٌّ على الفهم:
- أنا من (إربد)، وسُجنت في زمن جمال عبد الناصر.
أيها التاريخ:
(عن أيِّ ماضٍ سوفُ نكتبُ في غدٍ؟)
إن كان هؤلاء هم الذين سيعيدون لنا فلسطين فأنا بصفتي الشخصية متنازل عن حصتي فيها، والسلام..
- بشير فقد عقلَه بفقد أسامة.
- بشير باعَ بيته وأراضيه ليدفع رشوةٍ لبعثيين سوريين وعدوه أن يعيدوا له أسامة.
- البطاينة أرسلوا وفدا للقاء الملك حسين للوساطة عند حافظ الأسد كي يكشف عن مصير أسامة.
- عليان بني هاني( أردني في البعث السوري) وعَدَ بشير أن يتحدث مع مسؤولين كبار في الحزب للعثور على أسامة.
- بشير انطفأت عيناه من البكاء على أسامة.
وأخيرا:
- شاخ بشير قبل أن يعرف لأسامة طريقا...
كبرتُ، وعرفت من أخوالي قصة (أسامة بشير البطاينة) الفتى الذي اعتقله حافظ الأسد عام ١٩٨٦ وهو في الرابعة عشرة من عمره، أخفاه عن الدنيا، وأعطاه رقما من دون اسم؛ كي لا تصل إليه يدٌ أو يعرف أهله في الأردن إن كان حيا أو ميتا.
أي ذنبٍ اقترفه ذلك الفتى اليافع؟ أي جريرةٍ ارتكبَها وهو الذي لم يكن حينها يعرفُ من الدنيا شيئا عن القائد الخالد وحركته التصحيحية ومخابراته الجوية وسجونه وسراديبه وجلاوزته؟.
لم يأتِ البشيرُ بخبرٍ عن أسامة، وابيضّت عيونُ أبيه وأمه، وظل في الجبُ ثمانية وثلاثين عاما قبل أن تلتقطه السيّارة، وقبل أن يوصلوه إلى الحدود الأردنية مع سورية جسدا متهالكا من عظام نخرتها الرطوبة وسنين العذاب، جسدا ضئيلا لا تسترُ تجاعيدُه من لحمه شيئا، جسدا هرما عمرهُ اثنان وخمسون عاما.
ثمانية وثلاثون عاما مرّت قبل أن يخرج أسامة من مقبرة للأحياء في دمشق اسمها: (سجن صيدنايا)، خرجَ فاقدا ذاكرته وأسنانه وشعرَه وصحته وآدميته وكرامته الإنسانية، ثمانية وثلاثون عاما وهو في قبر مشيد من قبور الأسدين (حافظ وبشار)، ١٤ عاما منها في عهد الدجال الكاذب (أبو سليمان)، و٢٤ عاما في عهد الألثغ الهارب (أبو حافظ).
لا يتذكر أسامة شيئا، ولا يعرف ما الذي حل بأبيه وأمه بعد تغييبه، جملة واحدة فقط تخرج من فمه، جملة نصفها الأول مفهوم، والآخر عصيٌّ على الفهم:
- أنا من (إربد)، وسُجنت في زمن جمال عبد الناصر.
أيها التاريخ:
(عن أيِّ ماضٍ سوفُ نكتبُ في غدٍ؟)
إن كان هؤلاء هم الذين سيعيدون لنا فلسطين فأنا بصفتي الشخصية متنازل عن حصتي فيها، والسلام..


