“مركز رشاد الشوا” الثقافي.. شاهد على عداء الاحتلال للحضارة الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2024-12-16 الساعة 12:19
x
نيسان ـ أن تسفر الحروب عن تدمير قدرات عسكرية لأحد الطرفين، أو الحصول على معلومات استخباراتية، أو الاستيلاء على مقدّرات اقتصادية، ربما يكون ذلك كله مفهومًا (أو حتى مبرَّرًا) لمن يقوم ذلك، لكن أن تصبح الثقافة وصروحها ورموزها هدفًا عسكريًّا يتم سحقه وتدميره، فهذا مما لا يمكن فهمه أو تبريره إلا في سياق إجرامي سادي يستهدف فيه الطرفُ المعتدي المُكوّنات الإنسانية والحضارية للمُعتَدَى عليه، وهو ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة في إحدى الصور الوحشية التي يرتكبها منذ ما يزيد عن 14 شهرًا.
“مركز رشاد الشوا” الثقافي، يمثل أحد الشواهد على ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة في حربه على قطاع غزة؛ حيث تحوّل المركز من رمز ثقافي يستقبل المئات يوميًّا ضمن أنشطته الفكرية والثقافية والفنية، وإقامة المعارض، والتواصل مع العالم من خلال المناقشات والندوات التي تتناول كافة القضايا المحلية والعالمية، إلى بناية مُدمَّرة ومكان مُوحشٍ لا يرتاده إلا العابرون من النازحين ليأووا إليه بعضًا من الوقت، هروبًا من المحرقة النازية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على كافة أنحاء القطاع.
في أعقاب يوم العبور إلى غلاف غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، بدأ العدوان الإسرائيلي باستهداف كافة مدن ومناطق قطاع غزة، لا سيما محافظات الشمال، وانتشر الموت في كل مكان، ليجد سكان غزة أنفسهم مضطرين للنزوح من مكان لآخر، لا ينشدون أكثر من مجرد النجاة من آلات الموت الإسرائيلية، ثم مرّت أسابيع على بدء ذلك العدوان لتبدأ هدنة مؤقتة بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال، استمرت لبضعة أيام، وفي أثنائها عاود أهل حي الرمال في مدينة غزة إلى أماكن سكناهم، ليُفاجأوا بأن “مركز رشاد الشوا” قد صار أثرًا بعد عين، بعد أن قصفه الاحتلال.
مثّل هذا المشهد صدمة كبرى للأهالي الذين اعتادوا على وجود هذا الصرح الثقافي العظيم بينهم، ففيه كانت الأهازيج والمسابقات ودندنة القُرّاء في المكتبة التي كانت تضم أكثر من مائة ألف كتاب في مختلف العلوم والمعارف والفنون، وهو كذلك فخرٌ لسكان غزة؛ حيث كان قِبلة الوافدين من كافة أنحاء الدنيا، ومنارةً ثقافية ونافذة فكرية تعبر عن الحضارة الفلسطينية بتنوع أطيافها وانفتاحها على العالم، هذا بالإضافة إلى ما يمثله هذا المركز من ذكريات عزيزة عليهم، تحوّلت بهمجية الاحتلال إلى كومة من التراب.
وأصدرت بلدية غزة في حينه بيان إدانة لتدمير الاحتلال مركز رشاد الشوا، مؤكدة أن استهداف الاحتلال للمركز يندرج ضمن عدوانه الهمجي على قطاع غزة وقتله آلاف المدنيين وتدميره لمعالم المدينة الرئيسة، ومحو الذاكرة الحضارية للشعب الفلسطيني.
ودعت البلدية منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) للتدخل وإدانة جرائم الاحتلال بحق المراكز الثقافية والمكتبات ومعالم المدينة التاريخية والأثرية.
وكان مركز رشاد الشوا الثقافي الأوّل من نوعه الذي يُبنى في فلسطين، وسُميّ على اسم رشاد الشوا، الذي عمل رئيسًا لبلدية غزة ما بين عامي 1972 و1975م، وفكّر في بناء هذا المركز ليكون واجهة حضارية فلسطينية.
وبدأت فكرة تأسيس المركز وتصميم الخرائط المعمارية والهندسية عام 1978، وكان المركز جاهزاً عام 1985، فيما بدأ عمل المطبعة عام 1986، أما الانطلاقة العملية للمركز لاستقبال الفعاليات والأنشطة فقد بدأت مع حلول عام 1990، وبلغ ذروة نشاطه مع قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة عام 1994، عبر إحياء الفعاليات الوطنية.
وكان للمركز تصميم مميز؛ إذ تكوّن من طابقين بسقف مثلث، وقد ترشّح عام 1992 للحصول على جائزة الآغا خان للإبداع في الهندسة المعمارية، وقبل تدميره، اهتم القائمون عليه برعايته وترميمه دوريًّا، للحفاظ على هيئته المعمارية المميزة.
وشهد المبنى فعاليات مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية منها: استضافته لجلسات المجلسين الوطني والتشريعي، وزيارات لرؤساء دول منهم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 1998م في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات وشخصيات عالمية ودولية عديدة.
عمل المركز قبل تدميره على إنهاء العزلة الثقافية والحضارية التي عانى منها الفلسطينيون جراء الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولاته شطب الهوية الفلسطينية وسرقة تراثها، وحتى قبل تدميره، واجه المركز عُزلة عن العالم، بفعل تواصل الحِصار الإسرائيلي، والوضع الاقتصادي الذي انعكس على مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية في غزة.
وكما كل مظاهر الحياة في قطاع غزة، لم يعد شيء باقيًا على حاله، فلا البنايات ساكنة، ولا المعالم مرسومة، ولا الأهل مجتمعون، ولا المؤسسات تعمل، ولا الثقافة تؤدي دورها في التوعية والتنوير؛ بل أصبح كل ذلك شاهدًا على مآسي المذابح وافتراق الأهل والأصدقاء، ورحلات النزوح التي لا تتوقف، حتى صار مركز رشاد الشوا أحد هذه البنايات التي يأوي إليها الباحثون عما تبقى لهم من مكونات البقاء، يضعون على جدرانها بعضًا من الكياس يحتمون بها، ويشعلون مواقد النار ليستدفئوا بها من قسوة برد الشتاء.
واستهدف الاحتلال في عدوانه المستمر على قطاع غزة مراكز الثقافة والعلوم والجامعات وكل المنافذ المعبرة عن هوية وحضارة الشعب الفلسطيني، في محاولة منه لطمس المعالم الثقافية لتلك الأرض، وإحلال الدمار الشامل مكانها، ليترسخ في الذاكرة العامة همجية الاحتلال وتُمحى منه هوية أصحاب الحق والأرض والمقدسات.
ولم يكن مركز رشاد الشوا هو الضحية المعمارية والثقافية الوحيدة للعدوان الإسرائيلي على غزة، فقد شملت آلة التدمير عدة جامعات ومراكز ثقافية، من بينها “قصر السقا”، الذي يقع في حي الشجاعية بمدينة غزة، والذي بُني في نهاية الفترة العثمانية في عهد السلطان محمد الرابع.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كتب الأستاذ المشارك في دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة بيرزيت أباهر السقا: “بيت السقا، أو كما يسمّيه الناس قصر السقا، بناه ابن عم جدي المرحوم أحمد السقا، من كبار تجار المدينة. أسواره مرصّعة بالأحجار الرملية والأسقف الرخامية الرومانية، عمره 350 عامًا، وخصصته العائلة ليتحول إلى مركز ثقافي بعدما رمّمته الجامعة الإسلامية، وتم قصفه ضمن القصف الاستعماري الوحشي. تقوم سلطات الاستعمار بإبادة التاريخ الحضري والمعماري للمدينة، بالتوازي مع الإبادة الجماعية”.
ولفت مركز المعمار الشعبي الفلسطيني “رواق” ومقره مدينة البيرة في الضفة الغربية (وكان قد شارك في ترميم بيت السقا مع مركز إيوان التابع للجامعة الإسلامية في غزة) في منشور حديث إلى أن البيت قُصف بشكل كامل في التاسع من نوفمبر، حسب آسر السقا أحد أفراد العائلة المالكة للمبنى التاريخي الذي يقع في حي الشجاعية في مدينة غزة.
“مركز رشاد الشوا” الثقافي، يمثل أحد الشواهد على ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة في حربه على قطاع غزة؛ حيث تحوّل المركز من رمز ثقافي يستقبل المئات يوميًّا ضمن أنشطته الفكرية والثقافية والفنية، وإقامة المعارض، والتواصل مع العالم من خلال المناقشات والندوات التي تتناول كافة القضايا المحلية والعالمية، إلى بناية مُدمَّرة ومكان مُوحشٍ لا يرتاده إلا العابرون من النازحين ليأووا إليه بعضًا من الوقت، هروبًا من المحرقة النازية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على كافة أنحاء القطاع.
في أعقاب يوم العبور إلى غلاف غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، بدأ العدوان الإسرائيلي باستهداف كافة مدن ومناطق قطاع غزة، لا سيما محافظات الشمال، وانتشر الموت في كل مكان، ليجد سكان غزة أنفسهم مضطرين للنزوح من مكان لآخر، لا ينشدون أكثر من مجرد النجاة من آلات الموت الإسرائيلية، ثم مرّت أسابيع على بدء ذلك العدوان لتبدأ هدنة مؤقتة بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال، استمرت لبضعة أيام، وفي أثنائها عاود أهل حي الرمال في مدينة غزة إلى أماكن سكناهم، ليُفاجأوا بأن “مركز رشاد الشوا” قد صار أثرًا بعد عين، بعد أن قصفه الاحتلال.
مثّل هذا المشهد صدمة كبرى للأهالي الذين اعتادوا على وجود هذا الصرح الثقافي العظيم بينهم، ففيه كانت الأهازيج والمسابقات ودندنة القُرّاء في المكتبة التي كانت تضم أكثر من مائة ألف كتاب في مختلف العلوم والمعارف والفنون، وهو كذلك فخرٌ لسكان غزة؛ حيث كان قِبلة الوافدين من كافة أنحاء الدنيا، ومنارةً ثقافية ونافذة فكرية تعبر عن الحضارة الفلسطينية بتنوع أطيافها وانفتاحها على العالم، هذا بالإضافة إلى ما يمثله هذا المركز من ذكريات عزيزة عليهم، تحوّلت بهمجية الاحتلال إلى كومة من التراب.
وأصدرت بلدية غزة في حينه بيان إدانة لتدمير الاحتلال مركز رشاد الشوا، مؤكدة أن استهداف الاحتلال للمركز يندرج ضمن عدوانه الهمجي على قطاع غزة وقتله آلاف المدنيين وتدميره لمعالم المدينة الرئيسة، ومحو الذاكرة الحضارية للشعب الفلسطيني.
ودعت البلدية منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) للتدخل وإدانة جرائم الاحتلال بحق المراكز الثقافية والمكتبات ومعالم المدينة التاريخية والأثرية.
وكان مركز رشاد الشوا الثقافي الأوّل من نوعه الذي يُبنى في فلسطين، وسُميّ على اسم رشاد الشوا، الذي عمل رئيسًا لبلدية غزة ما بين عامي 1972 و1975م، وفكّر في بناء هذا المركز ليكون واجهة حضارية فلسطينية.
وبدأت فكرة تأسيس المركز وتصميم الخرائط المعمارية والهندسية عام 1978، وكان المركز جاهزاً عام 1985، فيما بدأ عمل المطبعة عام 1986، أما الانطلاقة العملية للمركز لاستقبال الفعاليات والأنشطة فقد بدأت مع حلول عام 1990، وبلغ ذروة نشاطه مع قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة عام 1994، عبر إحياء الفعاليات الوطنية.
وكان للمركز تصميم مميز؛ إذ تكوّن من طابقين بسقف مثلث، وقد ترشّح عام 1992 للحصول على جائزة الآغا خان للإبداع في الهندسة المعمارية، وقبل تدميره، اهتم القائمون عليه برعايته وترميمه دوريًّا، للحفاظ على هيئته المعمارية المميزة.
وشهد المبنى فعاليات مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية منها: استضافته لجلسات المجلسين الوطني والتشريعي، وزيارات لرؤساء دول منهم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 1998م في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات وشخصيات عالمية ودولية عديدة.
عمل المركز قبل تدميره على إنهاء العزلة الثقافية والحضارية التي عانى منها الفلسطينيون جراء الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولاته شطب الهوية الفلسطينية وسرقة تراثها، وحتى قبل تدميره، واجه المركز عُزلة عن العالم، بفعل تواصل الحِصار الإسرائيلي، والوضع الاقتصادي الذي انعكس على مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية في غزة.
وكما كل مظاهر الحياة في قطاع غزة، لم يعد شيء باقيًا على حاله، فلا البنايات ساكنة، ولا المعالم مرسومة، ولا الأهل مجتمعون، ولا المؤسسات تعمل، ولا الثقافة تؤدي دورها في التوعية والتنوير؛ بل أصبح كل ذلك شاهدًا على مآسي المذابح وافتراق الأهل والأصدقاء، ورحلات النزوح التي لا تتوقف، حتى صار مركز رشاد الشوا أحد هذه البنايات التي يأوي إليها الباحثون عما تبقى لهم من مكونات البقاء، يضعون على جدرانها بعضًا من الكياس يحتمون بها، ويشعلون مواقد النار ليستدفئوا بها من قسوة برد الشتاء.
واستهدف الاحتلال في عدوانه المستمر على قطاع غزة مراكز الثقافة والعلوم والجامعات وكل المنافذ المعبرة عن هوية وحضارة الشعب الفلسطيني، في محاولة منه لطمس المعالم الثقافية لتلك الأرض، وإحلال الدمار الشامل مكانها، ليترسخ في الذاكرة العامة همجية الاحتلال وتُمحى منه هوية أصحاب الحق والأرض والمقدسات.
ولم يكن مركز رشاد الشوا هو الضحية المعمارية والثقافية الوحيدة للعدوان الإسرائيلي على غزة، فقد شملت آلة التدمير عدة جامعات ومراكز ثقافية، من بينها “قصر السقا”، الذي يقع في حي الشجاعية بمدينة غزة، والذي بُني في نهاية الفترة العثمانية في عهد السلطان محمد الرابع.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كتب الأستاذ المشارك في دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة بيرزيت أباهر السقا: “بيت السقا، أو كما يسمّيه الناس قصر السقا، بناه ابن عم جدي المرحوم أحمد السقا، من كبار تجار المدينة. أسواره مرصّعة بالأحجار الرملية والأسقف الرخامية الرومانية، عمره 350 عامًا، وخصصته العائلة ليتحول إلى مركز ثقافي بعدما رمّمته الجامعة الإسلامية، وتم قصفه ضمن القصف الاستعماري الوحشي. تقوم سلطات الاستعمار بإبادة التاريخ الحضري والمعماري للمدينة، بالتوازي مع الإبادة الجماعية”.
ولفت مركز المعمار الشعبي الفلسطيني “رواق” ومقره مدينة البيرة في الضفة الغربية (وكان قد شارك في ترميم بيت السقا مع مركز إيوان التابع للجامعة الإسلامية في غزة) في منشور حديث إلى أن البيت قُصف بشكل كامل في التاسع من نوفمبر، حسب آسر السقا أحد أفراد العائلة المالكة للمبنى التاريخي الذي يقع في حي الشجاعية في مدينة غزة.