اتصل بنا
 

بين حضرموت والسويداء

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2024-12-25 الساعة 23:36

نيسان ـ .. بين حضرموت وسويداء بني معروف، شِقّةٌ مكانيةٌ أذابها صوتُ الراحل فهد بلان، منذ زمن، متغنياِ ببنات المكلّا اليمانية وقدودِهنَّ المياسةِ!
في المكانين الحضرمي والجبلي، كأنّما تحتشدُ كلُّ روحِ العربِ، إذ كيف لشاميٍّ من جبل العرب، أن يطويَ كلَّ هذه المسافات ليتغزّلَ بقدِّ جميلةٍ حضرميةٍ، ولعلها كانت أكثر حضورا بصوت فهد بلان وهو يردد بلا كلل، مساحة الشغف الذي يعيشه وهو يصور كل هذا الجمال اليماني؟!
يجوب بلان، بقصيدة حسين المحضار، في تضاريس الهوى اليماني، إذ يختار ارض الحضارم، ليبث هواه وتغزله العميق وأناته الروحية.
العربي يعرف ويوقن تماما، أنه فرد من كل، ولن تتأتي له الدنيا، الا بهذا الكل، الذي يشبع نوازعه الروحية والنفسية، التي صيغت في عملية تاريخية، لم تتوقف، على الرغم مما يبدو تقسيما قسريا ارتضته الكيانات السياسية القائمة..
والفن بما هو مكمن وانعكاس لجوانيات الامة والفرد، فإنه في حالة الشعر المغنى يختزل توق الروح التي تجد فضاءها أكبر من جغرافيا الكيان السياسي، مهما كبرت مساحته وابتعد بالمسافات عن مشارق الأرض العربية ومغاربها. فالراحل فهد بلان في تغزله الموشى برذاذ العشق، يبلغ مداه الأقصى، حين يهبط في أرض حضرموت؛ وإذ به يعيد سيرة الأعشى وهو يردد مفاخرا بقومه الذين تمتد مضاربهم وديارهم من اقصى جنوب شرق الجزيرة العربية حتى جنوب العراق وحتى أواسطه، فيقول إن أهله حلوا من بطن الغميس في أعماق صحراء العرب الجنوبية حتى بادولي في جنوب بلاد الرافدين.
بادت أقوام واقوام مدى التاريخ، لأسباب تباينت في مفاعيلها العميقه على البناء الروحي لكلها الإنساني، إذ تقهر الخصوصية وتتضمحل رويدا رويدا تحت وطأة وثقل ما تتعرض له من مفتتات ومبددات للبناء النفسي الكلي، بيد أن هذا لم يلحظ له كثير من التأثير على الوحدة النفسية للعرب، على الرغم من ما يمكن أن يوصف في لحظة توتر وقلق بأنه خروج عربي نهائي من التاريخ.
ليست هناك قطعيات حازمة ترتكز لاسس علمية ومنطقية في أشد السجالات تطرفا، تسند بشكل مطلق مقولة أن الأمة خرجت من التاريخ..
ليس هذا تفاؤلا، بل هو إعمال للعقل، وهو منطق قابل للجدل العقلاني، الذي يقود إلى خلاصات موضوعية، بدورها تُفضي إلى أسئلة القلق..
وعلى ما قال الراحل سيد مكاوي، "فإنك إن تعطي فهد، اللحن شجرة عارية، فستسمعه منه، مزهرا بأشهى الثمار..".
هكذا، هو القاع العربي، الذين سيبقى عربيا، مهما كانت الظروف والأحوال.

نيسان ـ نشر في 2024-12-25 الساعة 23:36


رأي: سليمان قبيلات كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً