اتصل بنا
 

هل تعود حماس للحضن الإيراني؟

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

نيسان ـ نشر في 2015-12-06 الساعة 11:36

نيسان ـ

العلاقات بين حركة حماس وإيران بدأت تأخذ مسارات جديدة: حماس والعودة إلى الحضن الإيراني ، حماس والوعود العربية غير الصادقة ، مشعل يوسط حزب الله للعودة لطهران ...مقالات وتحليلات أتحفنا بها الاعلام الإيراني ، وجلها يُؤدي إلى نتيجة واحدة ، وهو عودة حماس تائبة مستغفرة عن الخطيئة التي ارتكبتها بتجميد العلاقات مع طهران لصالح دول الاعتدال العربي[1].

فبعد الهجمة الإيرانية الرسمية وغير الرسمية غير المسبوقة ، التي انهالت شتماً وتحقيراً بحماس وقياداتها ، بعد أن وضعت مختلف المقاربات للتأثير على الحركة ، بل ولتصفيتها ، عادت طهران وأبواقها إلى رشدها هذه المرة لتلتمس العذر لحركة حماس ، وذلك بعد دخول السلطة الفلسطينية على الخط وإعلانها عن بدء خطوات تقاربية مع الحكومة الإيرانية بعد سنوات من الجفاء؛ في الوقت الذي أعلن فيه قياديون من فتح، أن وفداً رفيعاً من الحركة سيزور إيران "قريبا" من اجل ترتيب زيارة قريبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى هناك[2].

التقارب السياسي المفاجئ والغريب بين السلطة الفلسطينية وإيران يمكن تفسيره بعد زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل للمملكة العربية السعودية في منتصف شهر تموز / يوليو الماضي والتقائه بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وقيادات سعودية أمنية وسياسية ، وذلك في أجواء تقاربيه لم تحدث بين حماس والسعودية منذ عدة سنوات. ومع "الانفتاح" المحدود للسعودية على حماس، بدت إيران أكثر المستائين والمتذمرين من هذه الزيارة ونتائجها ، إذ اجتهدت وسائل الإعلام الإيرانية ، خاصة المقرّبة من الحرس الثوري الإيراني، على مدار الثلاث أشهر الماضية، ببث سلسلة من الأخبار والتقارير والتحليلات التي تهاجم حماس و تتوعدها، والرهان على الجناح العسكري لاعادة الأمور إلى نصابها[3] فيما ردت حماس على هذه التقارير، مؤكدة أن سياستها الخارجية لم تتغير، وأنها حريصة للتواصل مع طهران حفاظاً على القضية الفلسطينة التي تتعرض اليوم لأشرس مشروع يستهدف تصفيتها سياسياً ، جغرافياً ، ديمواغرافياً ...

اعتبرت طهران أن التقارب الذي جرى بين حركة حماس والمحور السني وعلى رأسه المملكة العربية السعودية - بعد التحول السياسي الذي جرى نتيجة تسلم الملك سلمان بن عبدالعزيزوتقارب تركيا وقطر- وابتعادها عن إيران هو "سوء تقدير سياسي سوف تدفع حماس ثمنه عاجلاً وليس أجلاً " ، واعتباره انحيازاً غير محسوب العواقب للمصلحة الحزبية والشخصية الضيقة لقادة حماس على حساب مصلحة القضية الفلسطينية ودعم نضالها، واعتبار الخطوات التي قامت بها حماس للتقارب مع العدو "السني" اللدود " السعوديه " تنكراً للدعم الإيراني غير المحدود لحركة حماس على مدى عقود من الزمن في الوقت الذي تخلت فيها دول ما أصطلحت طهران على تسميته بدول الاعتلال العربي " الاعتدال العربي" عن حركة حماس [4].

التقييم الإيراني الأولي لابتعاد حماس عن عباءة الولي الفقيه يكشف كنه التفكير الإيراني العميق وطبيعته ، وهوأمر طبيعي ومتوقع، حيث يفهم من التصرفات والسلوك الإيراني من أن علاقتها بحماس مجرد علاقة اقتضتها المصلحة ، وربطت خلافاتها بقادة الحركة في محاولة لتشويه صورتها ، ُمتهمة حركة حماس في نهاية المطاف باستنادها إلى فكر وهابي تكفيري ، وكيل الاتهامات لها بأنها تتبع تنظيم الإخوان المسلمين، المسئولة عن الخراب في مصر وسوريه واليمن[5]، على الرغم من ادعاء الثورة الإيرانية – سابقاً- بأن الخمينية هي التي ألهمت حماس فكر "المقاومة "الذي تبنته الحركة ، الأمر الذي كان سبباً في دفع الثورة الإيرانية لتكون حليفاً لتقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي واللوجستي ، الذي شكل دون غيره العمود الفقري لحماس[6].

هذا بمجمله يوضح حقيقة نظرة طهران لحماس ، وعكست مدى التأثير السياسي الخاص بفكرها الشيعي ، وفضح إنطباعاتها الحقيقية حول الحركات والتنظيمات السياسية السنية، من خلال اتهام بعض قادة حركة الاسلام السياسي ؛ لا سيما حماس بفكرها الوهابي التكفيري .

لا شك بأن دولة ولي الفقيه قد نسيت أن دعمها الأساسي لحماس كان من منطلق تأليف القلوب للتشيع السياسي والمذهبي ، وتوظيف حركات ما أصطلح عليه بحركات الممانعة لتصفية حسابات إيران مع الخصوم ، وخوض حروب الوكالة ، تجسيداً لسياسة إيران التي نجحت في تحقيق ما أصطلح على تسميته بتخادم الملفات ، حرصاً على دولة ولي الفقيه وأهدافها ومصالحها القومية والبراغماتية الضيقة .

الآن ما الذي استجد وتغير؟

ترى طهران أن حماس تريد بتقاربها مع إيران تحقيق الدعم لإنهاء أو التخفيف من حصار غزة، والتصالح مع عباس ، واعادة العلاقة مع مصر بعد الاطاحة بالرئيس مرسي ، فضلاً عن أن حماس تواجه أزمة تمويل خانقة، وتحتاج للسلاح والذخيرة ،خصوصاً بعد الخذلان العربي ، وفشل زيارة مشعل للسعودية وقطر وتركيا في تحقيق ما سعت له قيادة حركة حماس[7].

ترى طهران كذلك أن دول الاعتدال العربية مارست -بلا شك- ضغوطا ً ممنهجة على حماس من أجل الابتعاد عن إيران، لذلك فإن التقارب مع السعودية وقطر وتركيا يمثل بديلاً عنها . وفي نفس الوقت تعتقد إيران أن هذه الدول تسعى من خلال استقطاب حماس لها تعزيز جبهة عزل إيران وتكوين حلف سني قوي يقف بمواجهتها، إلا أن هذه الدول في نهاية المطاف – حسب الرؤية الإيرانية - ستفشل فشلاً ذريعاً ، و لن تجرؤ على تقديم البديل للحركة سوى المساعدات المالية المشروطة بالبناء واعادة الاعمار ودفع الرواتب ، وانعاش القطاعات المختلفة ،إضافة للضغط على حماس لتوقيع هدنة دائمة مع إسرائيل ، والقبول بمبدأ الانفصال عن الضفة الغربية[8].

بناء على ما سبق أدركت دولة الولي الفقيه أن عليها أن تستغل فكرة مفادها أن حماس باتت تقف على حد السيف ، وأنها أمام معضلة خطيرة ؛ لأنها إن أرادت أن تلتزم بمبدأ المقاومة لإسرائيل فلن يدوم تحالفها مع محور الاعتدال بقيادة المملكة العربية السعودية بصورة ثابته ودائمة . لأن هذه الدول لن تجازف بتقديم السلاح لحماس كما فعلت إيران،وبعد أن اتضح لحماس عدم صدق ادعاءات انقرة وقطر والسعودية، طلب قادة حماس بالرجاء وساطة حزب الله في لبنان للتقارب مع إيران .

الشروط الإيرانية لاعادة العلاقات مع حركة حماس

1-إعادة الدعم الإيراني للحركة مرهون ومشروط أساساً بزيارة السيد خالد مشعل واستدراجه لطهران للتفاهم معه ، وربما دس السم له لتصفيته ، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن طهران ترى أن مشعل يُمثل عقبة حقيقة، حاولت و ستحاول طهران التخلص منه بأي وسيلة إستناداً على ما حاكته دولة ولي الفقيه من مقاربات للتخلص منه ، أو تشجيع محاولات الاطاحة به، والتي تناولناها بشيء من التفصيل في مقالات سابقة .

2- أدركت طهران تمامًا أن هنالك بوادر تغيير سياسي تلوح بالأفق ، حيث تُمثل عناصر أساسية ومحورية ومهمة لاخضاع حماس وتركيعها أكثر من أي وقت مضى، وكيف تُفشل طهران سياسة حركة حماس للامساك بالعصا من المنتصف من خلال الاحتفاظ بسياسة المقاومة المرفوضة عربياً والمقبولة إيرانياً ، وبين الضغوط الهائلة عليها من داخل حركة حماس نفسها ، حيث هنالك صراعات بين أجنحتها المختلفة، وذلك من خلال ضغط الجناح العسكري على بعض قيادات التيار السياسي الذي يتزعمه خالد مشعل "المنقسم أصلاً عن الجناح السياسي حسب الزعم والفهم الإيراني"، والذي يميل لرفض سياسات مشعل للتقارب مع دول الاعتدال العربي التي لن تجدي نفعاً ، والتي ستجلب الويلات لحماس وللشعب الفلسطيني في النهاية.

3- تحاول إيران إشاعة فكرة مفادها : أن ما ستقوم به حركة حماس في النهاية هو الاندماج مع محور الممانعة والتماس إعادة العلاقات مع طهران لتعود إلى سابق عهدها ، لكنها ستكون وفق الشروط الإيرانية هذه المرة ، بعد فقدان مشعل للرهان على بعض مواقف الرجعية العربية وتركيا، ظناً منها بأن هذه الاطراف صادقة في ادعاءاتها لمحاربة اسرائيل، إلا أن الحركة وحسب الفهم الإيراني سرعان ما اكتشفت أن الدول التي عولت عليها هي في الحقيقة من أكبر الدول المؤيدة لإسرائيل .

4- تؤكد طهران أن عودة المصالحة مع حماس مرهون بموقف "حماس" من بشار الأسد، والاقتراب من محور طهران ودمشق و"حزب الله"، ولن تسمح لحماس بالرهان على السعودية و قطر وتركيا على حساب مصالح إيران مرة أخرى .

5- بقاء مختلف الخيارات قائمة لدى إيران للتعامل مستقبلاً مع حماس : تشجيع الانقسام بين الجناح السياسي والعسكري لحماس ، دعم انقلاب أبيض للاطاحة بالقيادة السياسية ، تصفية رئيس المكتب السياسي السيد خالد مشعل ، الاعتراف بحماس الداخل ، دعم الجهاد الاسلامي وحركة الصابرين ، دعم انشاء حزب الله فرع غزه ، التعاون مع السلطة الفلسطينية لاضعاف حماس .. كلها خيارات إيرانية لاضعاف حماس في حال خروجها عن خط طهران .

في الختام نقول متى تعود حماس للحضن العربي ؟، ومتى سيتمكن العرب من مساعدتها لسحب البساط من يد إيران الساعية للاستثمار في تخريب المنطقة وزعزعة أمنها واستقرارها ،بعد أن رفضت حماس وبقوة الانسياق وراء المشروع الإيراني التدميري ، على إثر الجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد في سوريا يومياً ، والتي حاولت طهران من خلاله مساومة حماس بين الولاء للنظام الإيراني وبين الانتماء لعالمها السُني،فاختارت الفلك العربي السني ، وأدى ذلك بالنهاية إلى أن تدفع حماس كلفاً سياسية واقتصادية وعسكرية باهظة ، ستنعكس أثارها بشكل كبير على القضية الفلسطينية برمتها .

كذلك متى سيسعى العرب بشكل جاد لتعزيز الجهود لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني وتوفير مقومات البقاء له، بهدف دعم صمود هذا الشعب الأعزل الذي يقارع بالحجر والسكين أعتى قوة إرهابية في المنطقة، ومتى تقتنع الحكومات العربية من حقيقة مفادها أن دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال يُمثل خط الدفاع الأول عنها في وجه المشروع الصهيوني التوسعي ، وكيف يخدم ذلك مصالح الدول العربية بشكل استراتيجي على المدى الطويل؟ .

النتيجة التي يجب أن نتيقنها : أن نبقى دوماً إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته ، وإلا سندفع ثمن ذلك غالياً .

المراجع

[1] (صحيفة جمهورى اسلامى 8/11/ 2015 .روزنامه قدس 21/11/ 2015)

[2] (صحيفة كيهان ، 3/10/2015)

[3] (تابناك ، 2/10/2015 ، 15/10/2016)

[4] (اعتماد ، 21/10/ 2015. سياست روز ، 24/10/ 2015)

[5] (جمهورى اسلامى ، 4/7/2015 . سياست روز 16/8/2015)

[6] ( تابناك ، 20/5/ 2014 )

[7] ( روزنامه قدس . 12/ 4/ 2015)

[8] ( روزنامه جام جم 6/4/ 2015. روزنامه كيهان 12/ 5/2015)

نيسان ـ نشر في 2015-12-06 الساعة 11:36

الكلمات الأكثر بحثاً