اتصل بنا
 

قراءة نقدية للمجموعة القصصية 'على قيد اللجوء' للقاص أحمد أبو حليوة

نيسان ـ الدستور ـ نشر في 2025-01-07 الساعة 11:40

x
نيسان ـ الناقد علي القيسي
مجموعة قصصية تضم خمسين قصة قصيرة وقصيرة جداً، تحت عنوان على قيد اللجوء للقاص أحمد أبو حليوة.
العنوان يشي بمعانٍ لا تخفى على أحد... اللجوء كلمة صغيرة في حجمها وكبيرة في بعدها الإنساني السلبي، وثمة ما يخطر على بال الإنسان... الأوجاع والمعاناة والأحزان والتشرد والموت، واللجوء القسري كارثة، فهو خلع للإنسان من وطنه ورميه خارج الحدود، نتيجة العدوان والظلم والقوة التي تفرض عليه المغادرة خوفاً على حياته وأطفاله.
الغلاف العتبة المهمة جداً في القراءة والتأويل والتحليل للدارس والناقد، وصورة الغلاف تشي بالليل والظلام والدخان الأسود، والرجل والطفل في الصورة التي تعبّر عن عمق المأساة والخروج من بين الركام والحرائق والدخان والفرار من الجحيم.
القاص أحمد أبو حليوة قاص محترف ومبدع وموهوب بل ومتعدّد المواهب، فقصصه نابضة بالإحساس والألم، وبالمشاعر الإنسانية العفوية، يكتب قصصه من الواقع المعاش، حيث الحياة تضج بالألم الإنساني، والتوجع الوجداني.
والظلم في جوانب كثيرة منها المباشر وغير المباشر، فالقصّص تنبض من روح واحدة وهي روح الإنسان بشكل عام، فكلّ إنسان له قصة وحكاية مع الواقع والمجتمع ومع ذاته كثيراً.
والقصص على قيد اللجوء، تعجّ بالمواقف المتنوعة والمختلفة، وتحمل الكثير من الدلالات الظاهرة والمستترة، فثمة قصة ميسان مثلاً، هذه الفتاة الفقيرة لكنّها صاحبة شخصية قوية، تكسر نظام الأسرة النمطي المحافظ، وتخرج الى العمل في الشركة، وتقابل المسؤولين، مستغلة وفاة والدها القوي الشخصية، وضعف شخصية أمها وصغر عمر أخيها الوحيد، والأدهى من ذلك تبدل ملابسها المحتشمة بملابس أخرى مناسبة للعصرنة والموضة، فمن ناحية نفسية لهذه القصة، تعكس الصراع النفسي بين الجيل القديم والجديد، وخروج الفتاة من عباءة العادات والتقاليد.
وقصة الحاجة فاطمة، قصة امرأة فلسطينية قوية الشخصية تعتمد على نفسها، وتتمتع بالحرية التي تتيح لها أن تقول رأيها دون تردد، في مجتمع تقليدي محافظ، وهذا يدلّل على أنّ كلّ مجتمع فيه استثناء، والمتميّز مسموع الكلمة مثل الحاجة فاطمة التي لم تتزوج وكانت حياتها خدمة الناس وأهلها وأسرتها من إخوة وأخوات وجيران ومناضلين، وعامة الناس، فهي تحلّ المشاكل العائلية والزوجية والخلافات المختلفة في مجتمعها، وتقوم بالعلاج بالطب العربي الشعبي للمرضى من كيّ وتجبير للكسور ووصف للأعشاب، وهذا العمل يعزّز من شخصيتها ومكانتها في مجتمعها، حتى أنّها كانت تدعم الفدائيين في المخيمات من أجل فلسطين، فهي تهتمّ بالمقاومة ومن يقاوم دون الالتفات إلى جنسيته وعرقه ودينه وفكره الأيديولوجي، طالما هو يحارب الصهاينة الأعداء، وهذا يدلّل على مكانة المرأة الفلسطينية وأهميتها في مقاومة الاحتلال ودعم المقاتلين وتسهيل مهماتهم في عبورهم النهر إلى الضفة الغربية وعودتهم شرقاً.
اللغة في هذه القصص لغة سردية فنية دالة، والعبارات تعبّر عن جوهر الحدث والصراع في لغة مكثفة وعميقة كما في القصص القصيرة جداً الغنية بالمعاني الذهنية والتخيلية، وبكلمات قليلة ومعاني كبيرة، تحدث المفاجأة والصدمة لدى المتلقي، وهي بحاجة إلى تركيز عند قراءتها، ومنها ما ينتهي بالدهشة ومنها بالغموض الذي يترك التحليل للمتلقي ومدى ثقافته.
القاص أحمد أبو حليوة في كلّ قصصه، يبحث عن الإنسان ومعاناته والتحديات التي تواجهه، ينطلق من الذات الفردية، وصراعها مع نفسها، إلى المجتمع ككلّ، أحياناً يتقمّص الحالة الإنسانية المحيطة ويسقطها على نفسه، وهو الذي عاش المعاناة والحرمان واليتم والتهميش في حياته وطفولته الصعبة.
وعند قراءته لبعض قصصه تجده يتفاعل معها في حركات جسدية معبرة، وكأنّه يعيش هذه القصة حقيقة بتعابير وجه المتماهية مع الحدث والصراع والألم، ويأخذ الملامح المسرحية لتمثيل الدور الدرامي.
في الختام كان بودي الإطالة والتحليل أكثر للقصص كلّها، ولكنّني أكتفي بهذا القدر حتى لا يمّل المتلقي من هذه القراءة، فخير الكلام ما قلّ ودل.

نيسان ـ الدستور ـ نشر في 2025-01-07 الساعة 11:40

الكلمات الأكثر بحثاً