جولات ميدانية مثمره ..أم سرح روح ؟!!

نيسان ـ يكاد لا يختلف اثنان على أهمية وضرورة قيام كبار المسؤولين الحكوميين بجولات ميدانية الى مواقع العمل ، للدعم والإسناد ، وتعزيز الايجابيات وتلافي السلبيات ، وتلمس الاحتياجات المادية والمعنوية وتلبيتها ، وغيرها من الأهداف للنهوض بالمؤسسات وتطويرها والارتقاء بالخدمات وتحسينها ورفع مستوى جودتها .
وفي سياق الحديث عن الجولات الميدانية ، أجرى مركز راصد دراسة حول أداء حكومة الدكتور جعفر حسان بعد مرور 100 يوم على تشكيلها، تطرق فيها إلى أن رئيس الوزراء قام ب ( ١٦ ) زيارة شملت(٨)محافظات، إضافة للبادية الشمالية والوسطى ، وزار (٤٧) مرفقًا، منها مدارس، مستشفيات ومراكز صحية .
وتباينت وجهات النظر والمواقف حيال هذه الزيارات ، فهناك من نظر إليها بعين الاعجاب والرضا ، فيما دعا آخرون إلى التريث قبل إصدار الاحكام ،ايجابا أو سلبا ،حول الجولات ، بانتظار النتائج التي تتمخض عنها ، فيما ذهب آخرون إلى التندر والتقليل من قيمتها ، بالقول إن من بركات جولات الرئيس رفع الأسعار الجنوني !!.
وجدلا ،يفترض أن تحقق الجولات الميدانية نتائج تنعكس إيجابا على المؤسسة والناس ، وبخلاف ذلك ، فإن الجولات الميدانية ، تحدث أثرا سلبيا بالغا ، إذ تفقد المؤسسة ثقتها بالمسؤول ، ولا تعود تكترث بجولاته ، ويتم التعامل معها بإستخفاف ، ويفقد المسؤول هيبته ،ولا يتبقى له أدنى مهابة ، ومن الأجدى أن يتمترس خلف مكتبه إذا لم يكن لديه ما يقدمه في الجولة ، التي تتحول إلى وسيلة احباط ويأس من إمكانية الإصلاح والتطوير والتحديث ، وتخلق حالة من التمادي في الأداء السلبي .
وفي سياق الحديث حول الجولات الميدانية تأخذني الذاكرة إلى سنوات خلت ، حين كان أحد وزراء الصحة يهاتفني عقب قيامه بجولة ميدانية تشمل مستشفيات ومراكز صحية ، لتغطية الجولة إعلاميا ، وكان يكتفي بذكر المواقع التي زارها ، وحين كنت اسأله : ماذا تمخض عن الجولة من قرارات أو إجراءات ؟؟ كان يحتد وينزعج ، ويقول : " يا اخي كل جولة لازم نحكي شو بدنا نساوي "،وكان الجواب حاسما قاطعا "نعم معاليك " وإلا ما قيمة الخبر وفائدته، وما فائدة الزيارة ؟!.
والشيء بالشيء يذكر ، وزير آخر ، كان يحرص حين يهاتفني بعد كل جولة ، على ذكر المواقع التي يزورها بالترتيب حسب التسلسل الزمني ، طبعا من أجل " المصداقية " ، وذات جولة أبلغني سائق الوزير ، أن الأخير أورد ضمن المراكز التي زارها مركزا كان مغلقا ، واكتفى الوزير بالمرور من أمامه ، وعده ضمن المواقع التي زارها ، وسلامة فهمكم .
جيد ، أن تشكل الجولات الميدانية ، نهجا جادا وحقيقيا لرئيس الحكومة ووزرائه ، وليس من المهم عدد الجولات ، وإنما أثرها والنتائج التي تتمخض عنها ، ومدى انعكاسها إيجابا على مسيرة التطور والتحديث .
والذاكرة تغص بصور لجولات ميدانية ،هي في الحقيقة على هامش عزائم وولائم ، وإن كانت هناك جولات قيمة ومثمره ومفيدة ،إلا أنها محدودة جدا ، وكل ما أتمناه أن تكون جولات الرئيس ذات قيمة ،وليست شكلية شعبوية استعراضية ، أمام شاشات التلفزة ، حتى لا ينطبق عليها مقولة "سرح روح " ، بمعنى أن الجولة وعدمها سيان .