النسور لم يستجب للشارع .. ربما .. لكنه نجح في اطفاء الأزمة
نيسان ـ نشر في 2015-12-08 الساعة 09:52
محمد قبيلات... أظهرت الأيام القليلة الماضية أن تطورا طرأ على الأداء السياسي العام المحلي، ما يُضفي مسحة إيجابية على المشهد السياسي الأردني بشكل عام، رغم الميل العام بالرغبة في إظهار صورة ضاربة في السوداوية. ربما ولكن.
تراجُع رئيس الوزراء عن قرارات حكومته برفع أسعار الغاز وترخيص السيارات، خلال اجتماعه بفريق العمل الدائم بمجلس النواب، شكّل حالة متقدمة من التعاطي السياسي الإيجابي بين مكونات المجتمع المؤسساتية، وهذا ربما ما يميز هذه الحكومة وأظهر قدرتها على المرونة باتخاذ القرارات، واستعدادها للمراجعة وتقديم التنازلات، رغم احتفاظها -بشكل متشدد- بنظرتها لآلية إصلاح المالية العامة للدولة.
سبق للحكومة أن تراجعت أمام ضغوط الشارع والنواب في موضوع تسعير الكهرباء، كان في الحقيقة نصف تراجع تم في اللحظة العاصفة، تبعه إصرار على تنفيذ تلك الرؤية بطرق مختلفة، لكن ما ميز معركتها الأخيرة أنها جرت ضمن أجواء أكثر توترا، وصلت معها الحملات الى درجة كادت أن تعصف بالحكومة وتدفعها للاستقالة أو تسقطها.
لكن الدكتور عبد الله النسور أثبت أن لديه القدرة ويجيد السير على الحواف الخطرة، إنه يشعرك بموافقته التامة على منحك ما تريد، ثم لا يعطيك شيئا، وتكون سعيدا.
نحن مع الرجل وضده. كيف لا نكون ضده وقد عمد الى ما سبق واتهم الآخرين به حيال الولاية العامة للحكومة، فجعلها مجرد حكومة تسيير أعمال طويلة العمر. هذا صحيح وصحيح أيضا انه ليس من السهل تلبية حاجات موازنة جلها رواتب وتثقلها متطلبات "إنفاقية" مستعجلة، وأقساط ديون كبيرة نسبيا، ناهيك عن فواتير مؤجلة لمشاريع التنمية وتعزيز وصيانة البنية التحتية، وكل هذه تشكل عوامل ضغط على الموازنة والحكومة؛ تتطلب معالجات جذرية وهيكلية للاقتصاد، ربما احتاجت للعمل على مدى سنوات من أجل حلّها.
التطور الإيجابي الحاصل في الأداء نتج عن التداول بقرار الحكومة بين أركان الدولة التنفيذية والتشريعية، وضمن أجواء شعبية متوترة، رافضة اقتراب الحكومة من أي تعديل على أسعار السلع الأساسية، فانعكس هذا التوتر على شكل النقاش وأخذه الى مساحة "صحة أو خطأ" قرارات الرفع، وليس لمساحة "الاستقطابات التاريخية" بغض النظر عن الموضوع المطروح، التي "تتفرزن" على أسس "رسمي وشعبي".
لقد كانت تقف جميع مؤسسات الدولة والإعلام الى جانب القرارات الحكومية بغض النظر عن صحتها أو خطئها، بينما تقف بالمقابل الجهات المتضررة من القرارات ومعها الأطراف السياسية الراغبة باستثمار الحالة سياسيا.
في التجربة الأخيرة كان الأمر مغايرا تماما. ما رأيناه هو حياد الجهات التي طالما كانت تصطف بتشدد الى جانب طرف من أطراف الصراع السياسي، وانحيازها لمناقشة مواضيع الخلاف على مسطرة "الصح والخطأ" فقط بانحياز الى المصالح كقاعدة ذهبية للصراع السياسي.
كما أن كتّابا دأبوا على انتقاد الرئيس رأيناهم يدافعون عن قرارات الحكومة. بينما راح كتّاب وصحف موسومون تاريخيا بالعيش داخل العباءات الرسمية الى جهة نقد القرارات الحكومية، بل والسعي لإسقاطها بكل ما أوتوا من قوة.
صحيح أنه قد تكون هناك رغبة لدى مرجعيات بأن يطول عمر الحكومة الى حين إجراء الانتخابات النيابية، لكن هذه الرغبة ما كانت لتصمد لو أن الحكومة وصلت الى طريق مسدود، وصحيح أننا وصلنا بالأمور الى حواف الصدام بين الحكومة والشارع، لكن شأفة الأزمة قد نزعت بدهاء في اللحظة المناسبة، وهذه هي لعبة السياسة ودورها الأساسي، سواء كان النسور استجاب للمطلب أم التف عليه ولم يقدم سوى شكل الاستجابة دون الجوهر.
لمتابعة الكاتب على التويتر
@qubilatmohammad