عشرون عاما من الغزل:
مريم عرجون
كاتبة جزائرية
نيسان ـ نشر في 2025-01-21 الساعة 14:21
نيسان ـ طَلقُ اليَدَين راتق للفواتق، جاء ذات شتاء يتعطر بالمسك والعنبر مهيأ للقاء، وأنفاسه الواجفة تحت نَزْعَة موج مضمور في طيّ الجوانح، أَقْبَلَ ذا مساء في هذا العالم الضريرْ، وفي زحمة المدينة يهوى حين هوت التـي تسكنه، ثم أقام أين يقف حنينه المتوقد، تبرج لها منطلقا إلى مهاوي الغَرَام، ليعيش فصولها كلها في ليله واحدة دون أن يفسد سكينة الليل، جاء يسامرها، و يستدرجها إلى معطفه في لذاتِ العُتْمَةِ، حاصرها، و بَعْثَرَ أطرافها عليه، ملتحفاً بالعُري، وبالبرد وهو يفتش عن كلمات تتفجّر في جسد يتهاوى لحد التلاشي و غارقا في الشعور، أما هي كانت واقفة تحت معطفه البارد الذي يهفو لجسد ملتهب بالحَيَاء كي يدفئه، انسابت بين طيات روحه دون حراك، كطيف جرجرها عطره عنوةً إليه، فغدت ناسكة في معبد عينيه، تشطره وتفتّت خلاياه ليضيق المكان، وتضيق الكلمات، وتوغِلُ في قلبه العالق، و في الحروف، والعيون، واللقاء، ثم تفترش عطره، وتنام في ظله حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ تحتضنُ روحها بروحه، و تغَيّر مسرى الدم في الجسد الجارفَ، متسكعة في دورته الدموية، تدور، وتدور ، وتدور عليه تصلي طويلا، ولكنها لم تجد ما تغير مسراه، فخارجه مفقود، وداخله موقود، والجنون فيه مولود من نار حامية، حمراء سامية، توقد بردها من لهيب أضلعها الدامية، فينصُتُ حيناً لوقع نبضها المدندن الذي كان دبيبٌ تعلقَ في كُلِّ طيفْ، وسكن كل الأشياء حتى همسها العالق في أطراف السمع يخترق الضلع، والمعطف، والعتمة الممتحنة لجاذبية الأرواح، ثم ينحرف زارعا في خدها قبلة ليل دافئة مثل اللظى موجعة، دامية، لاذعة لا تستحي، فقد كانت بالنسبة له شفاعة للحبّ، وآية يقين للعاشقين، حملت تحتها شرارة موغلة توقد في عيناه، و تسوق إلى انزلاقات لذة الضياع والشوق لقلبه اللاهث الذي أرهقه الظمأ، فمال على ثغر الصمت ليرتوي، ولكنه تناثر، وترنح ألف سكوت ناهبة حولها تدور، حتى أصبحا في الترنح سيّان، وحالها كحاله ترنحت لتقبيل سيفا ذو الفقار تعسفا، ولكنها آلت حالتها كجندي قتيل انسلّتت منه الأشواق، فتاهت في أضلعه المترنحة التي تتثاءب كالجحيم، ورغم الترنح يمشي إليها و إلى خاتمته اللاهبة التي كانت على شواطئها الهمجيّة، لا يخشى، ولا يكترث أن يستشهد على همجية قاتلته بنار بندقية تبدع في فقه الحرائق، شامخة، ثابتة، تشعل في باطنه اللهب، حتى آل إلى تنّين أحيا نفسه من الرماد المنقرض، واستحضر كل عَظَمَته وخبثه كبركان، و هي لا زلت تحت معطفه عمياء ذاهبة للمطلق، بل خفاش في وضح النهار، تزحف في الجسد و تلهو بأضلعه الذائبة، تتلوى، وتئن كقَوْم في مَعْرَكَة عبثيّة تصارع تحت معطفه لهدنةً بين صراعين، اما هو كان يقطف من زهور خديها الحمراء راحته، و مضجعه، و تاريخه، وقدره، ومواكب المطر المنساب في كل ناصية، و نسفع بينَ دارها ودراه، وبين الصدرِ والصدرِ عيونا تحارب الحرب، و شفاهاً ترتشف، وتحترق ثم تصمت على النار والحطب، فعجبا لهذا الصمت العميق لمهرجانات الحروب، فبه ندرك ما الذي يجعل سُكُون الحب محافل، ومروج نار، لعشاق انعتقا عن اليومي العادي، ينفضا الغبار، والمراسيم، والعقود، والوصايا، وهما يشعلان الجمود، ويغادر كلهما، كلهما مبتسم في هيام.
طويلة ليالي الشتاء وهي تعبث بنا كموسم الحب المجنون، فنكهة الحب تخدّر الأعصاب، وتمحو فصول المواعيد التي تركض عارية، باحثة عنك طويلاً في ردهات الحلم و لا تجدك، هلا أدرت وجهك صوبي، يا خفيف المعطف، لأشم من ذلك الأنف المتنفس شَذا الرجولة، وتتنهد رئتاي عطر الياسمين في وجودك الذي يُعَد امتيازا أفاخر به، فضلاً عن افتتاني بالمكر الذي يفوح من أركان الرجولة المعتصمة، فأنا ما كنتُ ولن اكون مُعْتَصِماً بوجودك لأن وجودك قد جدّد وجودي يا ناعم الأنفاس، فأدر وجهك صوبي، لأرسو بدفة مُهْجَتي على أرضك اللاهثة وراء عصارة المروّض السَرْمَدِي، والذقن المْرتجف تحت ملامسات لسان مدموغ بالجرأة، الذي كان يتنزه في جيد محروق من نار القبل، و لا كابح يمنعه ليكتب ديوانَ حب ما كَفَّ عنك و ما نهىَ عشرون عاما من الغزل، أدر وجهك صوبي، بعثر كلماتي، وارتدي فؤادي، و قصائدي، وشعري، وتُه في السيرِ قصدي، واطفأ النار المستجيرة فوق جلدي، و اللظى في عيوني، واطوي الهوى المسعور ثم قيد فوق خدي مفاوز رُشدي، افتح عينيك وأنظر إليّ، وأنا فوق مجامر أحداقك أرفرف كالطير السجين الذي أشعلته، وفجرته، ودثرته، و شتته في دروب الليل الذي علمني أن في ثغرك المنثور لهفة الإحساس، و نشوة النصر، فيا حزين عيون، و يا غريب العيون إنك تسكن وتولد في الذاكرة، وفي عواصف المساء، والصدف، و نحن أهل الصدف نلتقي، نحب، نبتعد ثم نهجر بلا مبرر في أغلب الأحيان، إذن انْهَمل عليّ دونما إنذار كي أعظم الصدفة، ولا تكن شحيح لقاء، لأن اللحظات التي استعرت مثل الشهب قد أسدل الليل عليها معطفه، فأسدل أنت معطفك و مَدّ ذراعيك، وامنحني تلك اللحظة المسعورة يا نفسي، لأعبئ عمري من شذا رجولتك، فكل شيء أمام عينيك يصير طيّعاً قابلاً للتشكل، ومستعدا للخطر والسفر، لأنك قلبي و ذهني، و لأنككليوكلكمني.
طويلة ليالي الشتاء وهي تعبث بنا كموسم الحب المجنون، فنكهة الحب تخدّر الأعصاب، وتمحو فصول المواعيد التي تركض عارية، باحثة عنك طويلاً في ردهات الحلم و لا تجدك، هلا أدرت وجهك صوبي، يا خفيف المعطف، لأشم من ذلك الأنف المتنفس شَذا الرجولة، وتتنهد رئتاي عطر الياسمين في وجودك الذي يُعَد امتيازا أفاخر به، فضلاً عن افتتاني بالمكر الذي يفوح من أركان الرجولة المعتصمة، فأنا ما كنتُ ولن اكون مُعْتَصِماً بوجودك لأن وجودك قد جدّد وجودي يا ناعم الأنفاس، فأدر وجهك صوبي، لأرسو بدفة مُهْجَتي على أرضك اللاهثة وراء عصارة المروّض السَرْمَدِي، والذقن المْرتجف تحت ملامسات لسان مدموغ بالجرأة، الذي كان يتنزه في جيد محروق من نار القبل، و لا كابح يمنعه ليكتب ديوانَ حب ما كَفَّ عنك و ما نهىَ عشرون عاما من الغزل، أدر وجهك صوبي، بعثر كلماتي، وارتدي فؤادي، و قصائدي، وشعري، وتُه في السيرِ قصدي، واطفأ النار المستجيرة فوق جلدي، و اللظى في عيوني، واطوي الهوى المسعور ثم قيد فوق خدي مفاوز رُشدي، افتح عينيك وأنظر إليّ، وأنا فوق مجامر أحداقك أرفرف كالطير السجين الذي أشعلته، وفجرته، ودثرته، و شتته في دروب الليل الذي علمني أن في ثغرك المنثور لهفة الإحساس، و نشوة النصر، فيا حزين عيون، و يا غريب العيون إنك تسكن وتولد في الذاكرة، وفي عواصف المساء، والصدف، و نحن أهل الصدف نلتقي، نحب، نبتعد ثم نهجر بلا مبرر في أغلب الأحيان، إذن انْهَمل عليّ دونما إنذار كي أعظم الصدفة، ولا تكن شحيح لقاء، لأن اللحظات التي استعرت مثل الشهب قد أسدل الليل عليها معطفه، فأسدل أنت معطفك و مَدّ ذراعيك، وامنحني تلك اللحظة المسعورة يا نفسي، لأعبئ عمري من شذا رجولتك، فكل شيء أمام عينيك يصير طيّعاً قابلاً للتشكل، ومستعدا للخطر والسفر، لأنك قلبي و ذهني، و لأنككليوكلكمني.
نيسان ـ نشر في 2025-01-21 الساعة 14:21
رأي: مريم عرجون كاتبة جزائرية