اتصل بنا
 

باحث إسرائيلي شارك في الحرب على غزة: بدلاً من الدولة صرنا غابة

نيسان ـ نشر في 2025-01-30 الساعة 10:54

x
نيسان ـ يكشف كتاب عبري جديد عن بشاعات وفظائع ماكنة الحرب الإسرائيلية داخل قطاع غزة، استنادًا ليوميات ميدانية، تعكس شهوة الانتقام الحيوانية، وكيف أن منظومة الدولة انهارت، وحلّ محلها حكم الغاب، والكل يأخذ القانون بيده، متوقفاً عند استهداف المدنيين والقتل الجماعي عمدًا خلال أطول حرب إسرائيلية.
في كتابه “مثلما تأكل على حد السيف”، يصف الباحث الإسرائيلي أساف حزاني، كضابط احتياط في غزة، جيشًا “تخلى عن قيمه الأساسية وانضباطه، وأصبح مجموعة من الميليشيات التي تعمل وفقًا لعقيدتها”.
يستهل حزاني الكتاب بالإشارة إلى شهادة هي ليست الأشد وطأة عن عملية تحقيق مع أسرى فلسطينيين، فيقول: “ساعة غروب مبكرة داخل مسجد مهدوم بعد تفجير إسرائيلي. الأرضية مليئة بالركام والنوافذ والأبواب تحولت لأشلاء. رجال غزيون موثقون بأيديهم إلى الخلف، ويجلسون أرضًا ينتظرون دورهم للتحقيق معهم، ومقابلهم جندي إسرائيلي مع بندقية رشاشة موجهة لهم، وهو يمزق صفحات القرآن. تقدمت منه وسألته عن السبب، فأجاب الجندي وفي عينيه نظرة حزن: ‘أنتقم منهم'”.
يوثق جنود أنفسهم وهم يهينون وينهبون ممتلكات مواطنين غزيين، بما في ذلك مقاطع فيديو مقززة لجنود يتلهّون بملابس داخلية للنساء الفلسطينيات
وفي مقدمة الكتاب يقول حزاني: “في اليوم الذي سقطت فيه السماء، عندما ذبحت “حماس” الإسرائيليين، كنا في حالة صدمة. لقد أدركنا أنه لا يمكننا الوثوق بالدولة ومؤسساتها. بعد عام ونصف، حل محل الصدمة شيء مقلق أكثر؛ التسليم بالأمر الواقع. لا، لم نستعد ثقتنا بالدولة والجيش، على العكس. الإدراك بأنه لا يمكن الوثوق بهما لم يعد صادمًا. لقد سلّمنا بالأمر، وذوّتناه، وقمنا بتطوير أنماط عمل جديدة: كل مجموعة، عائلة، وفرد يحدد القواعد لنفسه، والجميع يقومون بأخذ القانون بأيديهم”.
كما يقول حزاني، في مقدمة الكتاب، إن إحدى اللحظات الأوضح كانت تلك التي أشارت لانهيار المنظومة، عندما خرج جنرالات متقاعدون (يسرائيل زيف ونوعم تيبون ويئير غولان) للقتال في 7 أكتوبر صباحًا، بقرار شخصي. أصبحوا أبطالًا وطنيين، وبحق. ولكن معهم، وُلدت رسالة أصبحت مدمرة أيضًا: الدولة لن تنقذ الموقف، لذلك هناك مجال لانتظام تلقائي لمجموعات أو أفراد يحلّون محلّ الدولة. في الأيام التالية، عندما حلت منظمة “إخوة في السلاح” محل الدولة في تزويد العتاد والمساعدة للجنود، تم تعزيز هذه الرسالة: “ماتت الدولة، تحيا المنظمات المستقلة”.
وضمن الأمثلة الواردة في الكتاب عن حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، يقول حزاني إن الأمثلة تبدأ بأمور غريبة عجيبة لأول وهلة: قائد فرقة يتجول مع حراس شخصيين حوله، مثل المشاهير، أو رؤساء منظمة الجريمة، والتي تثير السؤال لدى الضباط في الفرقة عمّا إذا كان يثق بهم. أو ضباط كبار في الاحتياط “يحرسون” أبناءهم البالغين الذين يقاتلون في وحدات أخرى، يتتبّعونهم عبر أنظمة التحكم والمراقبة. هناك ضباط كبار يستقبلون أصدقاء في غرفة العمليات أو في السيارة العسكرية لترفيههم من العزلة. أو أخوان بدرجة عقيد يرتّبان المنظومة بحيث يخدمان في نفس الجبهة “كل واحد وجيشه”.
ملامح الجريمة
ويستعرض عيّنات من جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين داخل قطاع غزة: “في الميدان، الانضباط ينهار. يعلن كولونيل على الملأ: “إذا شعرتُ بأي تهديد أقوم بإطلاق النار، لا أسأل أحدًا”، مع تجاهل تام لخطر تبادل النيران. وهناك ضباط يصوّرون أنفسهم بهواتفهم الخاصة بالرغم من الحظر الصريح والخطر الأمني، ويوثق جنود أنفسهم وهم يهينون وينهبون ممتلكات مواطنين غزيين، بما في ذلك مقاطع فيديو مقززة لجنود يتلهّون بملابس داخلية للنساء الفلسطينيات”.
يشار إلى أن الصحفية المعلقة الإسرائيلية في صحيفة “هآرتس”، يوعناه غونين، سبق أن تطرّقت لذلك بالقول إن هذه الظاهرة أصبحت أشبه بـ “طقس انتقال” في أوساط الجنود الإسرائيليين في الحرب الحالية.
يوضح الكتاب أن الامتثال الأساسي للأوامر اهتزّ أيضًا، حيث يرفض جنود فرقة الاحتياط التحرّر من الخدمة، لأنه برأيهم لم تتحقق أهداف الحرب.
ويشير إلى أن جنودًا إسرائيليين يشعلون الحرائق في الميدان دون ضرورة عملياتية، وأحيانًا من خلال المسّ بقدرات قواتنا، كل ذلك بدافع الرغبة في الانتقام، أو مجرد التدمير.

ويعتبر أن الجيش انهار في السابع من أكتوبر تحت ضربة “حماس”، واندلعت الحرب عندما كان في حضيض مهني، ولذا فَقَدَ ذخرًا من ذخائره: ثقة الجمهور. لافتًا إلى أن ما ساعده في العودة لأداء وظيفته هو تجنّد العمق المدني للدولة: منظومة الاحتياط والمتطوعون. استند هذا التجنّد لقاسم مشترك واسع من الصدمة، لإحساس بالطوارئ، وشهوة الانتقام التي انعكست بعدة أشكال، أما القاسم المشترك الأدنى فكان اعتماد معيار الميليشيا بدءًا من ظواهر ترتبط بالمشهدية، وانتهاءً بقضايا مهنية وعملياتية وأخلاقية.
وعن دور رجال الدين اليهود في هذه الحرب البربرية، يقول حزاني إن الحاخامات العسكريين كانوا مدججين بطبول حرب خطابها توراتيّ تاريخيّ، وشعارها: “لاحق عدوك، ونل منهم، ولا تعد قبل ذلك”، فشاركوا في تحول “السيوف الحديدية” إلى حرب دامية، وصراع توراتيّ، تم إحياؤها في حقول فلسطين، حرب بعيدة عن كل ما رويناه لأنفسنا حول تفاصيلها وملامحها وملامحنا قبل السابع من أكتوبر.
ويقول حزاني إن الوظيفة التي تم تجنيده من أجلها ولدت لقاء بين مهنته العسكرية وبين تأهيله الأكاديمي، وإنه كجندي شارك في الحرب، شاهدها كعالم اجتماع، والعكس صحيح؛ كعالم اجتماع شارك في الحرب وشاهدها كضابط.
وباء العنف
وضمن خلاصاته الأخرى، يؤكد حزاني أن هذه الظاهرة تتجاوز حدود الجيش، وتعود كيدًا مرتدًا على الإسرائيليين، ممن تفاقم التعامل العنيف بين بعضهم البعض، هم أيضًا: “نعلم جميعًا ما يحصل في الطرقات. أيضًا السهولة التي تُسحب فيها السكاكين في الشارع. في ملاعب كرة القدم، أيضًا، مرآة نمطية، ولكن صادقة للمجتمع الإسرائيلي. انهار النظام العام عندما ألقى مشجعو فريق مكابي حيفا الألعاب النارية على الملعب خمس مرات، متجاهلين تعليمات القاضي والشرطة. وعندما اقتحم المدرب باراك باخر أرض الملعب ليواجه لاعب الفريق الخصم، وعندما اندفع مشجع آخر للاعتداء على لاعب آخر، كان من الواضح أن اللعبة ستتوقف، لكن ذلك لم يوقف أي شيء. العنف المتزايد ونفاد الصبر هما مرآة لوضعنا الآخذ في التدهور. بالضبط كما هو الحال في الجيش، هنا أيضًا، لا يوجد من يستطيع – أو معني- فرض وتطبيق أبسط القواعد”.
قائد فرقة يتجول مع حراس شخصيين مثل المشاهير، أو رؤساء منظمة الجريمة، ضباط كبار “يحرسون” أبناءهم الذين يقاتلون في وحدات أخرى، يتتبّعونهم عبر أنظمة التحكم. وآخرون يستقبلون أصدقاء في غرفة العمليات أو في السيارة العسكرية لترفيههم
عفوًا خسرنا
ويتساءل حزاني: هل من الممكن “استعادة الثقة في مؤسسات الدولة”؟
وعن ذلك يقول بصراحة: ربما عندما لا تسعى الحكومة نفسها إلى المسّ بمؤسسات الدولة بهوس وزير القضاء ياريف ليفين، القريب من الجنون. ربما عندما لا تنقل الحكومة رسالة مفادها أنه بإمكان أي شخص أن يكون المشرّع والمنفذ والقاضي لنفسه. باختصار، بدلاً من الدولة لدينا غابة. بدلاً من الثقافة، قوانين الغاب. بدلاً من العيش، البقاء على قيد الحياة.
يشار إلى أن شهادات إسرائيلية مروّعة سبق أن صدرت على يد جهات غير رسمية، من أبرزها لمؤرخ معترف به دوليًا أكّدَ، قبل شهرين، أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، بعد أن جمع تقريرًا منهجيًا ضخمًا يوثق قائمة طويلة من جرائم الحرب.
في سياق متصل، يؤكّد عضو الكنيست السابق، الكاتب الصحفي روبيك روزنتال، في مقال بعنوان “عفوًا خسرنا”، إن إسرائيل لم تحقق أهداف الحرب وإن الإسرائيليين كافتهم، بمن فيهم نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، يدركون ذلك في قرارة أنفسهم.
ويؤكد روزنتال ما تحاول أوساط إسرائيلية رسمية وغير رسمية تحاشيه بقوله: “لا توجد صورة انتصار ولا ثمرة انتصار، رغم التدمير والتهجير في غزة. ربما نعوض ذاتنا بالتمتع بثمار الخسارة.. ثمار الوعي.. الوعي المرّ بأن الحروب ليست الطريق للحياة، بل بالانتقال للحل السياسي واحترام القانون الدولي والعودة لاتفاقات أبراهام”.

نيسان ـ نشر في 2025-01-30 الساعة 10:54

الكلمات الأكثر بحثاً