اتصل بنا
 

المهندس جميل الخطيب يفتح النار على تحالف الإخوان مع قائمة 'نمو'

نيسان ـ نشر في 2025-02-08 الساعة 20:53

المهندس جميل الخطيب يفتح النار على
نيسان ـ كتب المهندس جميل الخطيب حول الجديد في انتخابات نقابة المهندسين :
أصعب ما يواجه من يريد الكتابة عن أحوال نقابة المهندسين الأردنيين، المعلومات المحدودة التي لا تفي الغرض، فيحتاج الموضوع للتحليل لعدم توفر البيانات والحقائق، ومن جانب آخر، كثافة المعلومات وتنوعها ما يتسبب بحرج للكاتب، فيحتار كيف يبدأ وأي موضوع يضع في رأس قائمة البحث!؟ أما التحليل فلا حاجة إليه، لأن الحقائق ثاقبة وقريبة لمعرفة المعنيين بالأمر، وذلك بحكم المآلات والنتائج الكارثية التي أصبحت شاهدًا بينًا، لا يستطيع أحد تبريرها إلا إذا ابتعد عن الجدية وأصبحت المصالح الضيقة أداة تحديد الاتجاهات.
ظلت انتخابات نقابة المهندسين الشاغل الرئيس لقطاعات واسعة من المعنيين بها مباشرة، سواء من المشتركين أو العاملين في فلك السياسة من القوى المختلفة، التي كانت تحدد شكل تحالفاتها بناءً على مواقفها السياسية الآنية، أو الطويلة المدى، منحرفة بذلك بعيدا عن جوهر الأسباب التي دفعتها للتحالفات التي انخرطت فيها سابقًا، وفي وسط هذا الصراع كانت للأسف تتحرك فئة محدودة تصدرت مشهد الانتخابات منذ عام 2003، وهي من طرف القائمة الخضراء النقيضة للقائمة البيضاء بعد حل (مجلس الإخوان (القائمة البيضاء) الذي قرر إجراء تلك الانتخابات بمخالفة صريحة لقانون وأنظمة النقابة، التي استجابت بعدها قوى اليسار والقوميين لمشيئة الإخوان بمبرر تحالف قوى التنسيق الحزبي في مواجهة وهمية مع سياسات الدولة، بعيدا عن الاهتمام بدور هذه المؤسسة الوظيفي، الذي ترتبط به مصالح المهندسين الذين كان يقدر عددهم أكثر من خمسين ألف عضو في ذلك الوقت.
هذه الفئة مارست عملية الانتخابات لغاية العملية ذاتها، من دون ان تستوعب جوهر أزمة النقابة، ولم يكن يشغلها أي شأن من شوون النقابة الحقيقية، ما دفع قِسمًا كبيرًا من قياداتها للانحراف، في السنوات اللاحقة، بحثا عن امتيازات ضيقة يمن عليهم بها أصحاب النفوذ في مجلس نقابة المهندسين المشكل من قائمة الإخوان وحليفهم الشكلي الذي حظي بامتيازات أكبر من حجمه بعشرات المرات، ثم خاضت انتخابات شكلية عدة مرات، لا تنطوي على أي مضمون، سوى بعض الشعارات الوهمية التي ليست لها قيمة مضافة تفضي إلى إصلاح ما حل بالنقابة من خلل على المستويات كلها، وللأسف حتى حين أدرك بعض المهندسين حجم الكارثة، وشكلوا التيار النقابي (نمو) الذي حقق الفوز عام 2018 بتحالف ودعم من آلاف المهندسين الطامحين للتغيير.
لكن، مع الأسف، بقيت الحال كما هي، بل تكرست الفردية في الإدارة، وساد انعدام الشفافية، والمزيد من الابتعاد عن الديمقراطية التي شكلت الهُويّة والعنوان للنقابة، التي تعتبر أكبر إطار جامع للمنتسبين من المهنيين في الدولة.
وبالعودة إلى الوراء قليلًا، إستناد الى تقرير مجلس الإدارة المعين من الدولة، بعد حل مجلس نقابة القائمة البيضاء عام 2002، الذي أشار بشكل دقيق ومدروس إلى ما تعانيه النقابة في ظل إدارة القائمة البيضاء للنقابة على مدى حقبة التسعينيات وحتى عام 2002، سنجد أنه وإلى نهاية عام 2024، لم تتغير الحال على كافة الأصعدة المهنية والمالية والإدارية،
لقد أشار التقرير إلى ان معظم القرارات المتعلقة بالعمل المهني، مخالفة للقوانين وللتعليمات الفنية، حيث جعلت حياة وأموال المواطنين غير آمنة، بل في خطر كبير.
أما على الصعيد المالي، فتحدث التقرير عن عدم توفر أنظمة أو تعليمات للوازم والمشتريات، وعن عدم وجود تشريعات تبين كيفية إجراء التدقيق المالي والمحاسبي الداخلي على صناديق النقابة، وإطلاق يد الهيئات القيادية والإدارية في النقابة لفرض رسوم وغرامات على المهندسين والمواطنين من دون سند قانوني، بديلا للمخالفات المهنية.
ولقد وضع التقرير ملحوظات مهمة على الصعيد الإداري، من حيث فائض الموظفين، وعدم وجود تشريعات واضحة تحدد صلاحيات أمين عام النقابة.
وهنا يبقى السوال الأهم؛ بعد انقضاء أكثر من عقدين، ما الذي تغيّر ؟ وكيف أصبحت النقابة؟ وهل استجاب القائمون على المجالس لهذه الملحوظات؟ أم أن الذي تم فقط تكريس منهجية أخرى لا تتوفر بها الحدود الدنيا من مراعاة مصالح المهندسين والهيئات العامة.
ربما تقتضي الحاجة إلى إطلالة قصيرة على ما آلت إليه النقابة وصناديقها المختلفة، برغم التحذيرات المتتالية من بعض الزملاء، خاصة القائمين على صفحة اللجنة التحضيرية لإنقاذ صندوق التقاعد، ولا بد من الإشارة إلى أن تلك الصفحة لعبت دورًا بارزًا في تهيئة الهيئة العامة لتقبل التغيير الذي حصل عام 2018 ، لكن للأسف أصبحت النتائج كارثية أكثر مما سبق، لأن من تصدر الوضع ، هم نفس الفئة التي أشرنا إليها سابقا الذين لم يعوا مضمون الأزمة، وربما بقيت في نطاق مصالحها بحكم طبيعة عملها وعلاقاتها (أي نختلف على المراكز ونتفق على المصالح) وهي تعبر عن تناقضات شكلية لا جوهرية، وهو ما تكلل أخيرا باتفاق المصالح بين الجهتين المسؤولتين عن تردي الوضع حاليا في النقابة.
لقد أدى غياب الرقابة والمحاسبة وعدم خضوع نفقات النقابة في الصنايق المختلفة إلى إشراف الجهات الحكومية المتخصصة، أي ديوان المحاسبة، إلى تسرب الأموال من صندوق التقاعد التي جُمعت من المهندسين خلال عشرات السنين، بحيث أصبح عاجزا عن الوفاء بالتزاماته تُجاه المهندسين المتقاعدين، وألقى بعبء شديد على القاعدة الواسعة من جمهور المهندسين، غير القادرين على تسديد أقساطهم، وبات الكل يدرك أنها ضرائب غير مستردة، فرضت من خلال نظام لم يعطى حقه من الدراسة، كانت الغاية ترحيل مشكلة من دون الانتباه إلى تعمقها وتضخم حجمها.
لقد أصبح وضع الصندوق اسوأ من أن يتوقعه أحد من المهندسين، يكفي أن نعلم أنه منذ العجز الشامل للصندوق الذي بدأ عام 2016 وحتى نهاية 2023 بلغ أكثر من ثمانين مليون دينار (80,147,000) في حين أن قيمة الموجودات الإسمية تبلغ (137,539,000) دينار وهذه تشمل ممتلكات عقارية، أراضٍ لاستثمارات قصيرة وطويلة الأجل ومبانٍ بقيمة مئة وستة ملايين (106,251,000) وهذا الرقم، لو افترضنا صحته، يعتبر القيمة الأقرب إلى حقيقة الموجودات، لأن الباقي ذمم القروض والموجودات غير ملموسة، لا أحد يعلم كيف يمكن استردادها. مع العلم أن القيمة الحقيقية للممتلكات الاستثمارية قد تكون أقل من ذلك، لأن الكثير منها تم تقييمه بعد أكثر من خمسة عشر عاما، بأقل من ثلث التكلفة المسجلة قيمة دفترية، حيث لوحظ في أكثر من موقع تزييف الأرقام المتعلقة بالقيمة السوقية وهي سياسة ظلت ثابتة ورثتها المجالس اللاحقة التابعة لنمو من المجالس السابقة للقائمة البيضاء، ولدينا الكثير من الأمثلة التي تؤكد ذلك، فكيف نفسر بقاء (29) قطعة أرض تم شراؤها بين عامي (2002 و 2007)، بقيمة إجمالية تقترب من (41) مليون دينار، من دون اتخاذ أي إجراء عليها، وأغلبها غير ملائم للتقسيم والفرز بسبب وجود خطوط كهرباء ضغط عالٍ، أو أودية عميقة، أو منحدرات شديدة، وإلى ذلك كيف يمكن تفسير اختفاء أراض من كشوف تقارير صندوق التقاعد عبر سنوات مختلفة.
إن المتابع للجداول لدى صندوق التقاعد، يكتشف اختلاف البيانات والأرقام المتعلقة بمواد محددة، حسب موقع ورودها، في الكشوفات، حيث قد تصل الفروقات، أحيانا، لحدود المئة مليون دينار، لموضوع مثل تكلفة المبيعات للاستثمارات العقارية برغم تركزها في بيع الأراضي قصيرة الأجل،
لكن الأخطر هو أن الأرقام ليست دقيقة ومُضللة كما أشرنا سابقا، برغم أن المجالس السابقة جميعها ادعت أرقاما حول القيمة السوقية للأصول، بإعادة تقويمها، بعيدا عن قيمتها الحقيقية، بالرغبة في عدم الكشف عن حقيقة وحجم الأزمة التي يعاني منها الصندوق.
لم يكن من الممكن توقع هذا المستوى من الاستهتار واللامبالاة، في التعامل مع الهيئة العامة، من دون حدود دنيا لاحترامها، أو حتى احترام او حتى هيبة النقابة وما تمثله.
اللافت أيضا، تراجع قيمة الأرباح السنوية للاستثمارات العقارية، من ستة ملايين ونصف المليون دينار في أعوام مثلت ذروة مبيعات الأراضي بين عامي 2011 و 2017 ، إلى أربعة ملايين ومئة ألف دينار بين أعوام 2018 ونهاية عام 2023 . برغم أن نسبة الاستثمارات العقارية أصبحت تشكل أكثر من 80% من قيمة الاستثمارات الإجمالية للنقابة.
إن الأرقام الواردة تؤدي إلى الإحباط واليأس، إذا استمرت السياسة نفسها في إدارة الأموال، خصوصا إذا عرفنا أن قيمة الأصول الحقيقية، بعيدا عن تزوير الأرقام، هي أقل فعلا من قيمة العجز المتراكم حتى نهاية العام الماضي.
وأننا نتوصل إلى لحظة الحقيقة المرة عندما نوازن بين العائد من الاستثمار وحجم الالتزامات التقاعدية، اي بمعدل ربح إجمالي في أحسن الأحوال يساوي (6) ستة ملايين دينار بينما قيمة الرواتب التقاعدية أصبحت تتجاوز (57) سبعة وخمسين مليون دينار سنويا. إن هذا الفارق لا يمكن تعويضه بالطرق التقليدية.
لكن ما زالت عشرات الوسائل موجودة لإنقاذ الصندوق، بالاعتماد على الابتكار والاستفادة من القوة المعنوية للنقابة، حتى يتم تغطية الالتزامات التقاعدية كافة بعيدا عن الأقساط المستحقة على المهندسين التي يجب عدم المساس بها، وتوجيه هذه المبالغ لاستثمارها لمصلحة المنتسبين الجدد للنقابة .
لكن هل يستطيع، أو يرغب، من تسبب بهذا الوضع، أن يضع الحلول لما اقترفه بحق الصناديق والهيئة العامة؟؟؟
نحن ندرك أن ليس لديه أي حل، لأن تركيزه لا ينصب إلّا على إدارة النقابة لمصالح مجموعته الضيقة، وهي أقل ما يمكن تسميتها فئة أو شريحة اجتماعية، لأن أعدادها أقل من أن تصنف كذلك. وأصبح المهندسون مدركين أن التحالف الذي نشأ بين قائمة الإخوان المسلمين و"نمو"، بما تمثله، هو تحالف بائس إذا نجح بإدارة النقابة من جديد، وسيفضي بالنقابة إلى دخولها في ثقب أسود، يصعب معه لاحقا وجود أي حل ،غير تفكك النقابة بما يترك هذا الفعل آثاره ليس على المهندسين فقط، بل على الدولة والمجتمع.
ومن غير المفهوم؛ تلك المذكرة التي وجهها حزب جبهة العمل الإسلامي إلى رئيس الوزراء، قبل أيام، لمطالبة الحكومة بالقيام بواجبها الوطني، بوقف ما وصفه ممارسات التدخل في انتخابات النقابات المهنية والتوجيهات السافرة من الجهات الأمنية، بالتدخل في الانتخابات وقيام الجهات الرسمية بتسديد الاشتراكات الجماعية عن بعض منتسبي النقابة، لغرض توجيههم لانتخاب لون معين، وأضافت المذكرة، هذا التصرف سيؤدي إلى تراجع دور النقابة المهني والوطني، وتراجع صناديقها، نتيجة عزوف منتسبيها عن التفاعل الإيجابي، لعدم قناعتهم بأن من يديرها يمثلهم تمثيلا حقيقيا.
الكل يقر أن ما ورد بالمذكرة صحيح بالمجمل، لكن من غير المفهوم، صدور المذكرة في وقت الشراكة بين القائمة البيضاء أي أن قائمة جبهة العمل هي المستفيد الأول لما ورد بالمذكرة من تدخل، لأن قائمتها هي من تقاسمت مع قائمة نمو التي يروج وكأنها المستفيد الوحيد من تسديد الاشتراكات لغايات التصويت لصالحها، مع علمنا أن هذه الممارسة كانت نمطا سائدا، طوال فترة قيادة القائمة البيضاء للنقابة سابقا. مع العلم والقناعة الكلية، لكل مهتم بالشأن النقابي، ان ما حصل هو هدية قدمت للإخوان المسلمين، لأن الكل يدرك معنى أن يكون نصف أعضاء الشُّعب الهندسية ومجلس النقابة من جهة واحدة متماسكة كالإخوان، بينما في مواجهتها مجموعة أغلبها من الطامحين لمراكز، غير مترابطين ولا يوجد اي قاسم مشترك بينهم.
والخطورة، مرة أخرى، في انتقال دفة قيادة النقابة إلى الجهة المسؤولة عما آلت اليه صناديق النقابة، وتحديدا صندوق التقاعد إلى وضع شبه إفلاس، وما سينتج عنه بالتأكيد العمل من جهتهم على تصفية صندوق التقاعد، وبالتالي لا يدرك غالبية المهندسين المشتركين بأنه لن يحصل أحدهم على شيء بحكم واقع وضع الصندوق الذي أشرنا إلى وضعه في مقدمة المقال.
وفي المحصلة، لا يمكن الخروج من هذه الأزمة، من دون مراجعة شاملة ودقيقة، وإدراك طبيعتها وحجمها وتحري أسبابها وأماكن الخلل وحجمه، ولن يتم ذلك من دون مشاركة واسعة في وضع الحل وابتكار أساليب وطرق جديدة بعيدة عن الأساليب التقليدية المباشرة .
إن النقابة تعاني من أزمة بنيوية، تشمل تركيب هياكلها وهيأتها وقانونها وأنظمتها، حيث تمت صياغة القانون عام 1972، ليتوافق مع ظروف وبيئة عمل تختلف كليا عن شروط ووسائل إدارة النقابة بعد أكثر من نصف قرن، حيث أصبح كل شيء مختلفا، وكذلك ظروف العمل وشروطه وازدياد أعداد المهندسين أكثر من مئتي ضعف. وظهور أنواع تخصصات جديدة نتجت بسبب تطور العلوم والتكنلوجيا وتغير حاجات الناس وانقلابها بشكل متسارع.
لقد كان مفهوم العمل الهندسي يقتصر على أنواع من التخصصات، وبناء عليه تمت صياغة نظام ممارسة المهنة، الذي اقتصر في مواده جميعها على خدمة تخصصات محددة، من دون الأخذ في الاعتبار أي نوع من الأعمال الهندسية الأخرى، او ما طرأ من نشوء أنواع جديدة من الأعمال الهندسية، وما يرتبط بها من تخصصات جديدة.
لقد اعتادت أعداد محددة من النقابيين العمل على تحديث وتعديل القانون والأنظمة، بما ينسجم مع مصالح فئة وشريحة محددة من المهندسين، وهم أصحاب المصالح، من دون أي اعتبار لمصالح الغالبية من المهندسين. وللأسف، مع كل تعديل يتم تكريس تحصين مصالحهم، بشكل بعيد عن المسؤولية المهنية والأخلاقية .
نحن أحوج ما نكون اليوم إلى صياغة قانون جديد، وأنظمة جديدة، لها غاية واحدة، هي تحقيق مصالح غالبية المهندسين.

نيسان ـ نشر في 2025-02-08 الساعة 20:53


رأي: م. جميل الخطيب

الكلمات الأكثر بحثاً