اتصل بنا
 

غزة وطنا وليس عقارا للبيع والإستثمار

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2025-02-11 الساعة 11:05

نيسان ـ منذ اليوم الأول لتوليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ، شرع دونالد ترمب ، بتوقيع أوامره التنفيذية الصاعقة ، والإدلاء بتصريحات أشبه ما تكون ببراكين تثور على حين غرة ، وتنتشر حممها في كل اتجاه ، تصهر كل ما يأتي في طريقها .
ويرى( بين روس )الكاتب الأمريكي في مقالة له في صحيفة"ذا نيويورك تايمز"أن "هذا ليس دونالد ترامب الذي انتخبته أمريكا"، وهو بذلك يجانب الصواب ، فهذا هو فعلا ترامب الذي انتخبته امريكا ،التي تعرفه تماما ، وخبرته حين اقتحم داعموه مبنى الكابيتول الأمريكي لقلب الانتخابات الرئاسية التي فاز بها خصمه اللدود جو بايدن .
نعم ،هذا هو ترمب الذي ورث عن عائلته ذات الأصول الألمانية والاسكتلندية ، ما اشتهرت به من اعمال في مجالات الترفيه والعقارات ، وتتبدى هذه الجينات بوضوح في سكناته وحركاته الاستعراضية الممجوجة ،التي تثير الغثيان والرغبة في الاقياء .
ينسى ترامب أو يتناسى ، أو ربما لا يدرك ، أنه أصبح للمرة الثانية ، رئيسا لأكبر دولة في العالم ، حين يرتد مصارعا ، يتحرك على الحلبة كثور هائج يخور وسط جمهور حمقى ،، غير آبه بالدم المتناثر على وجهه ، ويطلب مزيدا من العنف ، تعطشا لرؤية الدم ، للتنفيس والترفيه المتماهي تماما مع طبيعة الإمبريالية الجديدة بصورتها الاكثر بشاعة وتوحشا !
وتارة أخرى ، يرتد ترمب تاجرا عقاريا ، يبيع ويشتري ، في إطار صفقات معيار نجاحها وفشلها ، مقدار الربح والخسارة ، ولا مكان فيها للمبادئ والقيم والأخلاق ، وحتى القانون يتهاوى بمطرقة الدولار ، وفي حضرته وسطوته تباح كل المحرمات وتنتهك كل المحظورات !.
وفي سياق هو الأقرب والاشد تعبيرا عن جينات مصارع الترفيه وتاجر العقارات ، يطرح ترمب في صحوه ومنامه ، مشروعا وهميا لإعادة إعمار غزة ، وإقامة "الرفيرا " ، وإن على أشلاء أهلها المعمدين بطهر دماء الشهداء !!.
وترامب التاجر ، لا يرى في غزة الا عقارا قابلا للبيع والشراء ، ومن على متن طائرته الرئاسية السابحة في فضاء الاحلام والأوهام فوق الغيوم متوجها لحضور مباراة لكرة القدم الأمريكية ، دقه الحماس، وسخن قبل دخول الملعب ، وأعلن للصحفيين قبل هبوط طائرته على مدرج المطار أنه " ملتزم بشراء وامتلاك غزة" !!.
وترمب الممثل الرديء ، الذي دفع المال ليظهر في أدوار ثانوية بمشاهد عابرة ، يأتي اليوم ليلعب دور الرجل الطيب الذي يرى في قطاع غزة مجرد "موقع مُهدم " لا يصلح لعيش البشر ،وانه المنقذ لأهله والضامن لهم ليعيشوا في "سلام ووئام وأنهم لن يتعرضوا للقتل".
على من ينطلي التمثيل ، والعالم أجمع شاهد بالصوت والصورة القنابل والصواريخ الأمريكية تتساقط على رؤوس أهل غزة ، واشلاء الأمهات والاجنة ما زالت تحت الركام ، هي الشاهد الحاضر على الجريمة !!.
"كولومبوس " العهد الجديد ، مكتشف صحراء غزة غير المأهولة بالناس ومالكها بوضع اليد ، لا يتوانى أن يطرح القطاع للبيع في المزاد العلني ، لإعادة إعمار قطاع غزة ،الذي قد يمنح جزءا منه لدول في " الشرق الأوسط " تحت "إشراف" المقاول الرئيسي ، وهو بالتأكيد دونالد ترمب دون منازع .
وحين ينسى ،أو يتناسى دونالد ترمب التاريخ والحقائق والحقوق ، فأنه من الجدير تذكيره بأن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين المحتلة ، وأنه يعيش على أرضه شعب من لحم ودم ، متشبث بأرضه ، صمد ( 15 ) شهرا مقاوما صابرا تحت القصف ، لم تهزمه آلاف الأطنان من القنابل، وارتقاء الآلاف من الشهداء ومثلهم الجرحى والمصابين ، شعب تحمل البرد والعطش والجوع والحرمان من العلاج وأبسط حقوق الإنسان ، وحرم عدوه المتغطرس من سماع كلمة " اخ " في أوج الالم والقهر والمعاناة .
متى يفهم ترمب أن غزة وطن ،ارض وانسان ، وليست عقارا يخليه من أهله , ويبيعه متى ولمن يشاء ، الم يشاهد سيل البشر العائدين الى بيوتهم المدمرة المسوية بالأرض ، يقبلونها ويعلنون على رؤوس الأشهاد أن خيمة ممزقة فوق الركام أو تحته ، تلوح باركانها الرياح ، وتخترقها الأمطار وتغرقها ، أحب إليهم من قصر منيف حتى وإن في الريفيرا الفرنسية !! .

نيسان ـ نشر في 2025-02-11 الساعة 11:05


رأي: حاتم الأزرعي كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً