اتصل بنا
 

مشهد من فلسطين

نيسان ـ نشر في 2025-02-18 الساعة 09:09

نيسان ـ حين يبكي الأسير والمستقبِل معا
«مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» - حديث نبوي.
قدّمت حركة حماس هدايا تذكارية للأسيرات الإسرائيليات الثلاث اللاتي أُفرج عنهن في إطار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. شملت الهدايا خريطة للقطاع، وصورًا للأسيرات خلال فترة احتجازهن، وشهادات تقدير. وقد ظهرن بحالة صحية ونفسية طبيعية، وودعن آسيرهن بكثير من الود والابتسامات، فعيون النساء لا تكذب. في المقابل، بدا الأسرى الفلسطينيون المفرج عنهم في حالة جسدية ونفسية متدهورة، وعلامات التجويع والتعذيب بادية على وجوههم وأجسادهم.
قبل الإفراج عنهم، أُجبر الأسرى الفلسطينيون على مشاهدة مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق، يُوثّق الدمار الهائل الذي خلّفته آلة الحرب الصهيوأمريكية، وهو الدمار الذي وصفه الرئيس ترامب بـ»محو الحضارة». كما أُجبروا على ارتداء قمصان كُتبت عليها عبارات عنصرية وتوراتية، في محاولة للتعمّق في إذلالهم والنيل من كرامتهم.
ذكرت صحيفة إسرائيل هايوم الصهيونية أن أحد الأسرى فقد وعيه بعد مشاهدة حجم الدمار المهول الذي حلَّ بغزة. بينما وصف موقع «والا «الصهيوني هذا الفيديو بأنه وسيلة «رادعة» للمعتقلين الفلسطينيين المفرج عنهم. في المقابل، رأت وسائل إعلام أخرى أن هذه الطريقة كانت وسيلة صادمة لإبلاغ النساء والرجال والأطفال الأسرى، الذين لم يكونوا على دراية بما يجري خارج السجون، بأن حريتهم جاءت بثمن فادح.
وعبر منصات الإعلام الصهيونية، حاول الكيان استعادة ثقة مستوطنيه حول العالم، فخاطبهم بلهجة غطرسة قائلاً: «لا تقلقوا يا شعب الله المختار، فإن معاناة الفلسطينيين ستستمر. ربما غادر بعض العماليق سجوننا، لكن ثقوا بأننا دمّرنا حياتهم!»
لكن المفاجأة الكبرى كانت في المشهد الذي رسمه الفلسطينيون، حيث عمّت الاحتفالات العارمة واستُقبل الأسرى المحررون بالفرح والحفاوة في مختلف المناطق داخل فلسطين المحتلة. لم نسمع تصريحًا واحدًا يعبّر عن الندم أو يشير إلى أن ثمن تحريرهم كان باهظًا، رغم أن مقابل كل أسير خرج، دفع عشرات الآلاف حياتهم، ودُمّرت أحياء بأكملها، وتغيّرت مصائر أُسرٍ إلى الأبد.
وفي المقابل، تحدث الأسير المحرر محمد زايد قائلاً: «كنا نعلم أن غزة تعرضت لدمار كبير، لكننا لم ندرك أنه بهذا الحجم.» لم يستطع حبس دموعه، فأضاف: «أعلم أن شعبنا يحبنا ويودّنا، لكن ليس بالقدر الذي شاهدناه. لقد رفعتم رؤوسنا عاليًا. يستحق الشعب الفلسطيني الحرية، والحياة، والكرامة، ويستحق كل لحظة من العشرين عامًا التي قضيتها في السجون. كل ما قدمته لا شيء أمام عظمة هذا الشعب.»
يا لها من لوحة مهيبة، حين يرفض الأسير الحرية إن كان ثمنها دم شهيد، وحين تستقبله الحشود بالزغاريد والدموع، رغم أنها دفعت ثمن حريته إبادةً جماعية. وكأن الفرح في فلسطين دائمًا ممزوج بالفقد، وكأن الحرية لا تأتي إلا مغسولةً بالدم.
وفي الجانب الآخر، يشهد المجتمع الصهيوني انقسامًا حادًا حول قضية الإفراج عن أسراه. تعمّ المظاهرات شوارع فلسطين المحتلة للمطالبة بإطلاق سراحهم، بينما يبقى الساسة غير مبالين بمصيرهم. في المقابل، هناك تيار متشدّد يعارض أي صفقة تبادل، ويهاجم عائلات الأسرى، ويرفض وقف الحرب أو تقديم أي تنازلات، وكأن دماء الفلسطينيين هي الثمن الوحيد الذي يرتضونه.
بعد أكثر من مئة عام من الإبادة الجماعية، يبدو أن هذا العدو الخبيث لم يدرك بعد مَن هو شعب الجبّارين. بأيديهم العارية، بصمودهم الأسطوري، رغم القتل والتجويع، تمسكوا بأرضهم ولم ينكسروا. وحين التقى الأسير بالمستقبِل، بكى الاثنان معًا الأول وكأن لسان حاله يقول: «كان يجب أن تتركونا نموت في سجوننا»، والثاني يبكي من أجل عودة من تبقى من الأسرى، بأي ثمن.

نيسان ـ نشر في 2025-02-18 الساعة 09:09


رأي: اسماعيل الشريف

الكلمات الأكثر بحثاً