اتصل بنا
 

القبلة التي هزّت نتن ياهو

نيسان ـ نشر في 2025-03-06 الساعة 10:07

نيسان ـ القبلة وحيُ القلوب، حين تعجز الكلمات عن البوح – جبران خليل جبران.
في التاريخ قُبَل شهيرة، لعل أشهرها قبلة يهوذا الإسخريوطي للسيد المسيح، التي دلّ بها الجنود الرومان عليه فألقوا القبض عليه. وهناك أيضًا «قبلة الأخوّة الاشتراكية» عام 1979، حين قبّل بريجنيف، زعيم الاتحاد السوفييتي، رئيس ألمانيا الشرقية هونيكر من الفم، لتصبح هذه القبلة رمزًا للعلاقات الشيوعية. ثم جاءت قبلة الأميرة ديانا لطفل مصاب بالإيدز عام 1987، التي كسرت الحواجز وأثارت تعاطف العالم. واليوم، تنضمّ قبلة الأسير الصهيوني عُمر شِيم لمقاتل من حماس إلى قائمة أشهر القُبَل في التاريخ، بعدما شاهدها العالم في بثٍّ حيٍّ ومباشر.
لعبت حماس بمهارة عالية على البعدين النفسي والإعلامي خلال احتفال تسليم الأسرى الصهاينة، مما أربك الكيان الصهيوني وقوَّض مزاعمه بتحقيق نصرٍ مطلق في هذه الحرب والقضاء على حماس. وكانت اللقطة الأكثر لفتًا للانتباه، عندما قبّل الأسير الصهيوني عمر شيم طوف رأس أحد مقاتلي حماس، خلال تسليم الدفعة السابعة في مخيم النصيرات في 19 يناير.
صورة هذا الأسير وهو يقبّل رأس مقاتل حماس مباشرة على الهواء أثارت ضجة في المجتمع الصهيوني، إذ تحدّت تصريحات الساسة الصهاينة الذين يزعمون أنهم يقاتلون «وحوشًا بشرية»، وأشعلت موجة غضب على جميع المستويات. جاء ردّ الساسة الصهاينة بسخافة سطحية، مدّعين أن حماس تجبر الأسرى، تحت الضغط والتهديد، على تقبيل رؤوس مقاتليها، وسارعت وسائل الإعلام وقادة الدول الغربية إلى ترديد هذه الكذبة.
تابعت وسائل الإعلام الحدث باهتمام، فخلال البث المباشر لحفل التسليم، أصيبت مقدّمة برنامج في قناة «كان» بصدمة واضحة عندما شاهدت مشهد تقبيل الرأس، وتلعثمت قبل أن تزعم كذبًا أن الجندي أُجبر على القيام بذلك. من جهتها، كتبت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن عمر أقدم على فعلته تلك بعد أن همس له أحد مقاتلي حماس.
أما عائلة الأسير، فاتخذت موقفًا محايدًا، خوفًا من المضايقات والتهديدات التي تعرّض لها الأسرى المحررون الذين تحدثوا بإيجابية عن حماس، ثم أُجبر بعضهم على تغيير أقوالهم. وفي الوقت ذاته، لم ترغب العائلة في الكذب أو ترويج الرواية الرسمية، ففضّلت الحديث عن شخصية ابنها، واصفة إياه بأنه شخص إيجابي، ويتوافق مع الجميع، بما في ذلك حماس!
نجحت حماس في تنظيم مشاهد التسليم بعناية شديدة، مما كشف أكاذيب نتن ياهو وهدد مستقبله السياسي. وكان ذلك أحد الأسباب التي أدّت إلى تأخير تسليم الأسرى الفلسطينيين، ثم إلغاء الاتفاق برمته. وجاءت المشاهد الإنسانية التي قدّمها مقاتلو حماس لتدحض أيضًا رواية وسائل الإعلام، التي تصوّر الفلسطينيين على أنهم وحوش، وتسعى دائمًا إلى بث مشاعر الانتقام والغضب تجاههم.
وأظهرت مراسم التسليم التي نظّمتها حماس حقيقة المعاملة الأخلاقية والإنسانية التي يتلقاها الأسرى الصهاينة، في مقابل السادية التي يمارسها الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين. كما أسقطت مراسم التسليم نظرية استخدام القوة لتحرير الأسرى، التي يروج لها نتن ياهو، مدّعيًا أن القوة هي السبيل الوحيد لإعادتهم. فقد صرّح قبل أيام بأنهم استعادوا 147 أسيرًا حيًا منذ السابع من أكتوبر، بالإضافة إلى 45 قتيلًا، بينما لا يزال 63 أسيرًا في عهدة حماس. لكن الحقيقة أن الاحتلال، على مدى ستة عشر أسبوعًا من الحرب، لم يستعد سوى خمسة أسرى عبر العمليات العسكرية، بينما تم الإفراج عن البقية من خلال الاتفاقات.
ولولا الدعم الأمريكي، لما تمكن الاحتلال من تحرير أسير واحد. ففي يونيو الماضي، وبغطاء أمريكي ودعم لوجستي واستخباراتي، تم تحرير أربعة أسرى من مخيم النصيرات، وكان ثمن ذلك استشهاد 224 فلسطينيًا، معظمهم من الأطفال. وفي أغسطس الماضي، ظهر الأسير فرحان القاضي، زاعمًا أنه هرب من أحد الأنفاق، وفي الشهر نفسه، تم انتشال جثث ستة أسرى لقوا حتفهم جراء القصف الصهيوني.
بسبب تلك القبلة، يعيش نتن ياهو أزمة حقيقية، فقد خلطت الأوراق بالكامل، وقد تكون أحد أسباب انهيار الهدنة. لكن الرسالة الأهم هي أن حماس باقية في غزة، سواء نُزع سلاحها أم لم تحكمها، ورسائلها الرمزية وصلت بوضوح.

نيسان ـ نشر في 2025-03-06 الساعة 10:07


رأي: اسماعيل الشريف

الكلمات الأكثر بحثاً