اتصل بنا
 

هل على المستثمرين الآن تصور عالم ما بعد الدولار؟

نيسان ـ نشر في 2025-03-06 الساعة 13:41

x
نيسان ـ بدأ المستثمرون بتصور نظام مالي عالمي جديد لا تهيمن عليه الولايات المتحدة، ما يتيح لأوروبا فرصة ذهبية لا ينبغي لها تفويتها. ويأتي هذا التفكير الجريء رغم الضوضاء التي تحيط بالأسواق.
ففي الآونة الأخيرة، سافر منصور محيي الدين، كبير خبراء الاقتصاد لدى مصرف سنغافورة، إلى عملاء في دبي ولندن، وتفاجأ بعدم سؤال أي منهم عن المسائل قصيرة الأجل، مثل أسهم التكنولوجيا أو تغير أسعار الفائدة. بدلاً من ذلك، قال محيي الدين: «سألني الناس عما يحدث، فقد انتهى عصر التجارة والأسواق الحرة والعولمة، ولا أحد يعلم ما الذي سيحل محلها».
إنهم يشيرون بالطبع إلى الإدارة الأمريكية الجديدة. ففي غضون شهر واحد من استعادة مقعده في البيت الأبيض، كان الرئيس الأمريكي قد هز كثيراً أسس التحالف عبر الأطلسي بالكامل تقريباً، وتجاوز الضوابط والتوازنات والمؤسسات الرئيسية التي تقوم عليها الاستثنائية الأمريكية الحقيقية.
وعلق محيي الدين على ذلك قائلاً: «هناك تغيير هائل يحدث الآن، وإذا استمر على هذا المنوال، فإن أصحاب رؤوس الأموال سيتساءلون: هل يجب حقاً الاستمرار في ضخ الأموال إلى الولايات المتحدة؟».
وينطبق هذا على مختلف فئات الأصول. فعلى صعيد الأسهم، يظهر بوضوح تفضيل الأسهم الأوروبية وتفوقها غير المعهود على نظيراتها الأمريكية. لكن أسواق الأسهم المتقلبة ليست سوى ما يظهر على السطح. والمهم وسط كل هذا هو الاستخدام الدولي للدولار، وأسواق السندات المقومة بالعملة الخضراء، باعتبارها حجر الأساس الخالي من الأخطار والذي ترتكن إليه السوق المالية العالمية.
وبدأ هذا بالفعل بالظهور. فيوم الثلاثاء، على سبيل المثال، لم يشهد الدولار ارتفاعاً كالمعتاد رغم الصدمة التي شكلتها التعريفات الجمركية الجديدة المفروضة على كندا والمكسيك. ويرى «دويتشه بنك» أن هذا يبرز جزئياً «الخسارة المحتملة لمكانة الدولار باعتباره ملاذاً آمناً».
وأوضح جورج سارافيلوس، محلل العملات لدى المصرف: «لا نأتي على ذكر هذا باستخفاف، ولكن وتيرة ومقدار هذه التغيرات العالمية سريعة للغاية إلى الحد الذي يتطلب الاعتراف بهذا كاحتمالية». فما كان مستحيلاً ذات يوم صار اليوم ممكناً.
وكان خبراء الاقتصاد القريبون من ترامب واضحين في نظرتهم إلى مكانة الدولار كعملة الاحتياط العالمي الأبرز باعتبارها نعمة ونقمة في الوقت نفسه، أو أنها «مرهقة»، حسب ما قال المستشار ستيفن ميران.
ورغم أن هذا كان أمراً غير مطروح على الطاولة قبل بضعة أسابيع، فإنه يظل من الممكن أن تسعى الولايات المتحدة لخفض الدولار في خضم سعيها لدعم التصنيع المحلي. لكن يمكن أيضاً لأمريكا أن تفقد عن غير قصد امتيازها المبالغ فيه. وسيكون ذلك بدفعها عمالقة أسواق السندات، مثل المصارف المركزية الأجنبية ومديري احتياطات رسميين آخرين من الكبار إلى أحضان دول أخرى.
ويشكل الدولار أكثر من 57% من الاحتياطات الرسمية العالمية، بحسب بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي، وهو ما يزيد كثيراً على حصة الولايات المتحدة من الاقتصاد العالمي. أما اليورو، فيشغل 20% من الاحتياطات الرسمية العالمية، وتشكّل بقية العملات فتات النسبة المتبقية.
ودفع المتفائلون بحجة طيلة أعوام مفادها أن حصة اليورو من الاحتياطات الرسمية العالمية يجب أن تكون أكبر، لكنهم كانوا يقاومون الواقع. وتجدر الإشارة هنا إلى تجزّؤ أسواق السندات في أوروبا إلى دول أعضاء كل واحدة فيها على حدة وتقع ألمانيا في مركزها.
صحيح أن ثمة تماسكاً نقدياً في القارة، لكن يغيب هذا التماسك عن الجوانب المالية أو الاستراتيجية. ولا توجد سوق وطنية تتسم بالحجم الكبير والأمان والسيولة في الوقت ذاته بما يكفي لكي تلبي احتياجات مديري الاحتياطات. أما الصفقات الكبيرة فتترك ندوباً، ولا يجد المتعاملون الكبار في حالات الطوارئ إلا سوق السندات الحكومية البريطانية ملاذاً لهم.
وقد واجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في أن يوفر بديلاً، وهنا تأتي اللحظة التاريخية. تفوق الحاجة الماسة إلى الإنفاق الدفاعي بكل بساطة قدرة أسواق السندات الوطنية المفردة. ويعد «مجرد الاقتراض» هو الحل الواضح، غير أن الحديث أسهل من التنفيذ الصعب. وقد تكون نتيجة ذلك استمرار اندفاع أوروبا إلى مركز النظام المالي العالمي.
ولقد كانت جائحة فيروس كورونا بمنزلة لمحة عن كيف يمكن لحشد الموارد أن يكون لو كان على نطاق واسع. وفي هذه الحالة، قوبلت السندات التي طرحها الاتحاد الأوروبي نفسه، وليس الدول الأعضاء المفردة، بطلب هائل.
ولا يتيح إلحاح الوضع الحالي مجالاً إلا للمضي قدماً وبسرعة. وفي هذا الصدد، قال محللو وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني في مذكرة صدرت بالشهر الماضي: «سيكون العمل الجماعي هو الحل، وحتى إن لم ينشأ الإجماع على ذلك بعد».
وإذا تمكّن الاتحاد الأوروبي من اغتنام هذه اللحظة، فمن شأنه الوصول إلى مجموعة كبيرة من المشترين المستعدين والحريصين على تقليص انكشافهم على الولايات المتحدة. وأضاف محيي الدين: «سيكون بإمكان الكثير من مديري الاحتياطات إجراء هذا التغيير بسرعة شديدة في هذه الحالة»، واستطرد: «سيكون هناك طلب هائل».
ولا تحتاج هيمنة الولايات المتحدة على أسواق الدين العالمية لأن تنتهي بصورة مفاجئة، حيث سيكون لزاماً على المستثمرين الكبار من بطيئي الحركة أن يراكموا أصولاً أخرى بدلاً من تخليهم غير الضروري عن حيازاتهم من سندات الخزانة الأمريكية.
لكن، وبمرور الوقت، سيفضي كل هذا إلى النتيجة ذاتها. وتجدر الإشارة إلى ندرة حدوث هذه التغييرات التي تطرأ على النظام، ولكنها تحدث مع ذلك. ولعلنا نتذكر هنا أن الجنيه الإسترليني كان عملة الاحتياط العالمي ذات مرة.

نيسان ـ نشر في 2025-03-06 الساعة 13:41

الكلمات الأكثر بحثاً