كيف نقل النازيون أساليب التعذيب إلى سجون النظام السوري؟
نيسان ـ نشر في 2025-03-08 الساعة 14:09
x
نيسان ـ
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والانهيار الحتمي للنظام النازي، بدأ ضابط وجاسوس نازي ألماني بنشر مذكراته تحت الاسم المستعار هانس مالر. يصف مالر في مقال نشر في مجلة شهرية "الطريق" التي أصدرها نازيون ألمان في الأرجنتين محطات هروبه في خريف عام 1947 من ألمانيا خوفا من الملاحقة بتهم ارتكاب جرائم حرب.
يقول إنه عبر خلسة إلى الجارة النمسا ومنها إلى (جنوب تيرول) بشمال إيطاليا ثم إلى جنوى على الشواطئ الإيطالية للبحر المتوسط قبل عبور المحيط ووصوله إلى محطته النهائية في بوينس آيرس بالأرجنتين.
في (جنوب تيرول) لم يمكث هانس مالر إلا بضعة أسابيع. فالغرض من هذه الاستراحة القصيرة كان الحصول على أوراق ثبوتية مزورة تساعده على مواصلة ما عرف في الأوساط المخابراتية الأميركية حينها بـ"خطوط الجرذان".
ويعود سبب اختيار المخابرات الأميركية لمصطلح "خطوط الجرذان" من أجل وصف الطرق التي استخدمها ضباط ومجرمو حرب نازيون من بلدان أوروبية عديدة على رأسها ألمانيا للهروب من ملاحقة الحلفاء لحقيقة يعرفها أهل البحر أفضل من غيرهم وهي أن الجرذان تكون أول من يقفز من على متن سفينة توشك على الغرق.
أدولف إيخمان رئيس جهاز غستابو الذي فر إلى الأرجنتين ثم سلم إلى إسرائيل التي أعدمته عام 1961(غيتي)
العدد الإجمالي للنازيين الذين فروا بعد الحرب العالمية الثانية من أوروبا إلى وجهات مختلفة يقدر ببضعة آلاف بينهم عتاة النازيين مثل مهندس الهولوكوست ورئيس جهاز البوليس السري (غِستابو) آدولف آيخمان و"ملاك الموت" الطبيب الضابط جوزيف مِنغِله والقائد العسكري لمعسكري الاعتقال (ترِبلينكا) و(سوبيبور) فرانس باول شتانغل و"جزار ليون"، كلاوس باربي ومن وجهة نظر الجانب الأهم في هذا التحقيق نائب آيخمان ويده اليمنى ألويس برونر الذي اختار دمشق بدلا من بوينس آيريس ومهندس ما يعرف بغرف الغاز المتنقلة فالتر راوف الذي أسس في سوريا ما يعرف ب "البعثة العسكرية الألمانية" وقبل كل شيء، فرانس رادِماخَر "النازي المفتاح" على حد وصف أفضل العارفين بماضي النازيين في منطقة الشرق الأوسط، الروائي السوري إبراهيم الجبين.
ألويس برونر
الجبين يقول في حديث مع الجزيرة نت إن جميع السرديات المعروفة حول برونر ودوره "لا تتطرق لجميع مفردات القصة. وبدون هذه التفاصيل، تبقى قصة هذا النازي منقوصة".
فما الذي يجعل هذه القصة ناقصة؟
الجبين يقول إن برونر "لم يذهب إلى دمشق صدفة. فهو لم يختار دمشق محبة ببلاد الشام أو أهلها بل لأن أشخاصا آخرين سبقوه إلى دمشق وعواصم أخرى في الشرق الأوسط وأسسوا قاعدة تفاهم مع الدولة العربية الناشئة آنذاك".
صورة غير مؤرخة للضابط النازي ألويس برونر الذي انتقل للعيش في سوريا(الفرنسية)
بداية القصة ـ بحسب الجبين ـ كانت في القاهرة وليس في دمشق وتحديدا عندما بدأ الأمير محمد علي المكلف بالجهاز الأمني في مصر باستقبال طلائع الضباط النازيين والتعاقد معهم من أجل تأسيس جهاز المخابرات، نظرا لحاجة مصر ودول عربية أخرى استقلت حديثا لبناء مؤسسات الدولة ومن ضمن هذه المؤسسات الجهاز الأمني لدرجة أن هذه الدول تنافست على هؤلاء الخبراء.
يضيف الجبين أن "المفتاح" في قصة جميع النازيين الذين طوروا آلة القمع في منطقة الشرق الأوسط كان أحد مهندسي الهولوكوست في وزارة الخارجية الألمانية النازية فرانس رادِماخَر الذي تكتفي الأدبيات الألمانية في تعريفه على أنه "دبلوماسي نازي" حكم عليه بعد رجوعه من سوريا إلى ألمانيا في عام 1966 بالسجن لمدة خمسة أعوام ولكنه لم يقض منها يوما واحدا خلف القضبان.
وحسب الجبين فإن فرانس رادِماخَر الذي تنقل بين القاهرة وتونس ودمشق هو الذي دعا برونر وأقنعه بالقدوم إلى دمشق، حيث احتاج برونر في بداية حياته في العاصمة السورية لتغيير اسمه إلى د. جورج فيشر وللاختباء وراء مهنة طب الأعشاب، وذلك كله في مكتب صغير بدمشق يحمل اسم "الشرق" وتقاسمه مع فرانس رادِماخَر الذي كان عميلا متعدد الأطراف وعمل قبل كل شيء لصالح لمخابرات الأميركية (سي آي إيه) والألمانية
ولكن بداية مشوار برونر ورادِماخَر كانت فعليا مع ضابط المخابرات السورية الشهير عبد الحميد السراج الذي بدأ ببناء مؤسسة أمنية "تمزج بين الاتجاه العنفي لأجهزة المخابرات والعقلية النازية".
الكرسي الألماني
ويقول الجبين إن أكبر دليل على نقل هؤلاء "الجراذين" خبراتهم إلى سوريا وغيرها من دول المنطقة هو أن تركيبة وبناء السجون السورية التي تشبه إلى حد كبير تركيبة نظيرتها النازية لدرجة أنه يمكن القول إن سجن صيدنايا مثلا هو نسخة طبق الأصل لأي سجن نازي، حيث توجد على سبيل المثال محرقة تم كشفها من خلال أقمار صناعة أميركية قبل سقوط النظام.
ويجزم الروائي بأن من نقل تركيبة وبناء السجون النازية إلى سوريا هم هؤلاء الضباط، قائلا "أكثر من ذلك اسأل أي سجين سياسي سوري عن أكثر أساليب التعذيب التي تعرض لها سيقول لك فورا "الكرسي الألماني".
من نقل الكرسي الألماني إلى سوريا؟
"بالطبع ألويس برونر هو الذي نقل الكرسي الألماني إلى سوريا"-يؤكد الجبين- ويربط بين هذا الكرسي والذهنية النازية المرتبطة بثقافة تعذيب الساحرات من خلال ما يعرف بـ"كرسي تعذيب ومعاقبة الساحرات" (Hexenstuhl) الذي يعد من أيقونات وسائل التعذيب النازية.
الجبين يرصد في عام 1961 تحولا مهما وهو إلقاء القبض على آدولف آيخمان في الأرجنتين. ففي هذا العام ألقت المخابرات الإسرائيلية القبض على آيخمان ومثلت "مسرحيتها" المعروفة بإعدامه، مما حفزها على محاولة إلقاء القبض على نازيين آخرين أهمهم مساعد آيخمان ألويس برونر ولهذا -يضيف الجبين- أرسلت إلياهو بن شاؤول كوهين (إيلي كوهين) إلى دمشق حيث سخر معظم وقته بين عامي 1961 و1965 للبحث تحديدا عن برونر.
ويبني الجبين على برقيات مخابرات ورسائل تؤكد أن إيلي كوهين تمكن من الوصول إلى برونر، وذلك من خلال النازي الذي أقنع برونر بالقدوم إلى سوريا وهو فرانس رادِماخَر.
إيلي كوهين اهتم في دمشق بالبحث عن برونر (مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي)
رادِماخَر وافق بعد لقاء كوهين -حسب الجبين- على "بيع" أو "تسليم" برونر للمخبر الإسرائيلي إيلي كوهين وما يثبت ذلك هي البرقية التي تحمل اسم (88) وحولها كوهين لإسرائيل قائلا فيها إنه عثر على ألويس برونر، ولكن الإسرائيليين غيروا الخطة لأن هذا النازي لم يعد مهما بالنسبة لهم.
ويضيف أن الإسرائيليين اكتشفوا أن هناك شيئا أهم وهي الخطة الرامية إلى استغلال كوهين صاحب العلاقات المتشعبة في سوريا من أجل "تأسيس نظام موال لإسرائيل" في دمشق قائلا "هذه الخطة كانت تنافس3 مشاريع أخرى واحد فرنسي والثاني تركي والثالث أميركي وكلها خطط معلنة وتهدف إلى إقامة نظام موال لها في دمشق".
برونر عرف بأن رادِماخَر باعه للإسرائيليين ولكنه في هذا الوقت كان قد وصل إلى ذروة مشواره الإجرامي في سوريا.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والانهيار الحتمي للنظام النازي، بدأ ضابط وجاسوس نازي ألماني بنشر مذكراته تحت الاسم المستعار هانس مالر. يصف مالر في مقال نشر في مجلة شهرية "الطريق" التي أصدرها نازيون ألمان في الأرجنتين محطات هروبه في خريف عام 1947 من ألمانيا خوفا من الملاحقة بتهم ارتكاب جرائم حرب.
يقول إنه عبر خلسة إلى الجارة النمسا ومنها إلى (جنوب تيرول) بشمال إيطاليا ثم إلى جنوى على الشواطئ الإيطالية للبحر المتوسط قبل عبور المحيط ووصوله إلى محطته النهائية في بوينس آيرس بالأرجنتين.
في (جنوب تيرول) لم يمكث هانس مالر إلا بضعة أسابيع. فالغرض من هذه الاستراحة القصيرة كان الحصول على أوراق ثبوتية مزورة تساعده على مواصلة ما عرف في الأوساط المخابراتية الأميركية حينها بـ"خطوط الجرذان".
ويعود سبب اختيار المخابرات الأميركية لمصطلح "خطوط الجرذان" من أجل وصف الطرق التي استخدمها ضباط ومجرمو حرب نازيون من بلدان أوروبية عديدة على رأسها ألمانيا للهروب من ملاحقة الحلفاء لحقيقة يعرفها أهل البحر أفضل من غيرهم وهي أن الجرذان تكون أول من يقفز من على متن سفينة توشك على الغرق.

العدد الإجمالي للنازيين الذين فروا بعد الحرب العالمية الثانية من أوروبا إلى وجهات مختلفة يقدر ببضعة آلاف بينهم عتاة النازيين مثل مهندس الهولوكوست ورئيس جهاز البوليس السري (غِستابو) آدولف آيخمان و"ملاك الموت" الطبيب الضابط جوزيف مِنغِله والقائد العسكري لمعسكري الاعتقال (ترِبلينكا) و(سوبيبور) فرانس باول شتانغل و"جزار ليون"، كلاوس باربي ومن وجهة نظر الجانب الأهم في هذا التحقيق نائب آيخمان ويده اليمنى ألويس برونر الذي اختار دمشق بدلا من بوينس آيريس ومهندس ما يعرف بغرف الغاز المتنقلة فالتر راوف الذي أسس في سوريا ما يعرف ب "البعثة العسكرية الألمانية" وقبل كل شيء، فرانس رادِماخَر "النازي المفتاح" على حد وصف أفضل العارفين بماضي النازيين في منطقة الشرق الأوسط، الروائي السوري إبراهيم الجبين.
ألويس برونر
الجبين يقول في حديث مع الجزيرة نت إن جميع السرديات المعروفة حول برونر ودوره "لا تتطرق لجميع مفردات القصة. وبدون هذه التفاصيل، تبقى قصة هذا النازي منقوصة".
فما الذي يجعل هذه القصة ناقصة؟
الجبين يقول إن برونر "لم يذهب إلى دمشق صدفة. فهو لم يختار دمشق محبة ببلاد الشام أو أهلها بل لأن أشخاصا آخرين سبقوه إلى دمشق وعواصم أخرى في الشرق الأوسط وأسسوا قاعدة تفاهم مع الدولة العربية الناشئة آنذاك".

بداية القصة ـ بحسب الجبين ـ كانت في القاهرة وليس في دمشق وتحديدا عندما بدأ الأمير محمد علي المكلف بالجهاز الأمني في مصر باستقبال طلائع الضباط النازيين والتعاقد معهم من أجل تأسيس جهاز المخابرات، نظرا لحاجة مصر ودول عربية أخرى استقلت حديثا لبناء مؤسسات الدولة ومن ضمن هذه المؤسسات الجهاز الأمني لدرجة أن هذه الدول تنافست على هؤلاء الخبراء.
يضيف الجبين أن "المفتاح" في قصة جميع النازيين الذين طوروا آلة القمع في منطقة الشرق الأوسط كان أحد مهندسي الهولوكوست في وزارة الخارجية الألمانية النازية فرانس رادِماخَر الذي تكتفي الأدبيات الألمانية في تعريفه على أنه "دبلوماسي نازي" حكم عليه بعد رجوعه من سوريا إلى ألمانيا في عام 1966 بالسجن لمدة خمسة أعوام ولكنه لم يقض منها يوما واحدا خلف القضبان.
وحسب الجبين فإن فرانس رادِماخَر الذي تنقل بين القاهرة وتونس ودمشق هو الذي دعا برونر وأقنعه بالقدوم إلى دمشق، حيث احتاج برونر في بداية حياته في العاصمة السورية لتغيير اسمه إلى د. جورج فيشر وللاختباء وراء مهنة طب الأعشاب، وذلك كله في مكتب صغير بدمشق يحمل اسم "الشرق" وتقاسمه مع فرانس رادِماخَر الذي كان عميلا متعدد الأطراف وعمل قبل كل شيء لصالح لمخابرات الأميركية (سي آي إيه) والألمانية
ولكن بداية مشوار برونر ورادِماخَر كانت فعليا مع ضابط المخابرات السورية الشهير عبد الحميد السراج الذي بدأ ببناء مؤسسة أمنية "تمزج بين الاتجاه العنفي لأجهزة المخابرات والعقلية النازية".
الكرسي الألماني
ويقول الجبين إن أكبر دليل على نقل هؤلاء "الجراذين" خبراتهم إلى سوريا وغيرها من دول المنطقة هو أن تركيبة وبناء السجون السورية التي تشبه إلى حد كبير تركيبة نظيرتها النازية لدرجة أنه يمكن القول إن سجن صيدنايا مثلا هو نسخة طبق الأصل لأي سجن نازي، حيث توجد على سبيل المثال محرقة تم كشفها من خلال أقمار صناعة أميركية قبل سقوط النظام.
ويجزم الروائي بأن من نقل تركيبة وبناء السجون النازية إلى سوريا هم هؤلاء الضباط، قائلا "أكثر من ذلك اسأل أي سجين سياسي سوري عن أكثر أساليب التعذيب التي تعرض لها سيقول لك فورا "الكرسي الألماني".
من نقل الكرسي الألماني إلى سوريا؟
"بالطبع ألويس برونر هو الذي نقل الكرسي الألماني إلى سوريا"-يؤكد الجبين- ويربط بين هذا الكرسي والذهنية النازية المرتبطة بثقافة تعذيب الساحرات من خلال ما يعرف بـ"كرسي تعذيب ومعاقبة الساحرات" (Hexenstuhl) الذي يعد من أيقونات وسائل التعذيب النازية.
الجبين يرصد في عام 1961 تحولا مهما وهو إلقاء القبض على آدولف آيخمان في الأرجنتين. ففي هذا العام ألقت المخابرات الإسرائيلية القبض على آيخمان ومثلت "مسرحيتها" المعروفة بإعدامه، مما حفزها على محاولة إلقاء القبض على نازيين آخرين أهمهم مساعد آيخمان ألويس برونر ولهذا -يضيف الجبين- أرسلت إلياهو بن شاؤول كوهين (إيلي كوهين) إلى دمشق حيث سخر معظم وقته بين عامي 1961 و1965 للبحث تحديدا عن برونر.
ويبني الجبين على برقيات مخابرات ورسائل تؤكد أن إيلي كوهين تمكن من الوصول إلى برونر، وذلك من خلال النازي الذي أقنع برونر بالقدوم إلى سوريا وهو فرانس رادِماخَر.

رادِماخَر وافق بعد لقاء كوهين -حسب الجبين- على "بيع" أو "تسليم" برونر للمخبر الإسرائيلي إيلي كوهين وما يثبت ذلك هي البرقية التي تحمل اسم (88) وحولها كوهين لإسرائيل قائلا فيها إنه عثر على ألويس برونر، ولكن الإسرائيليين غيروا الخطة لأن هذا النازي لم يعد مهما بالنسبة لهم.
ويضيف أن الإسرائيليين اكتشفوا أن هناك شيئا أهم وهي الخطة الرامية إلى استغلال كوهين صاحب العلاقات المتشعبة في سوريا من أجل "تأسيس نظام موال لإسرائيل" في دمشق قائلا "هذه الخطة كانت تنافس3 مشاريع أخرى واحد فرنسي والثاني تركي والثالث أميركي وكلها خطط معلنة وتهدف إلى إقامة نظام موال لها في دمشق".
برونر عرف بأن رادِماخَر باعه للإسرائيليين ولكنه في هذا الوقت كان قد وصل إلى ذروة مشواره الإجرامي في سوريا.