هل الأسواق المالية بصدد فقاعة 'الدوت كوم' الثانية؟
نيسان ـ نشر في 2025-03-10 الساعة 12:20
x
نيسان ـ قبل 25 عاماً بلغت موجة صعود الأسهم الأمريكية ذروتها، وبدأت في الانحدار الحاد، الذي محا 77 % من قيمة مؤشر ناسداك، انهار فيه أخيراً بعد عامين.
وفي أيامنا هذه تمثل فقاعة «الدوت كوم» اختصاراً للحماس المتهور للتكنولوجيا الجديدة والجشع الأعمى، فالعديد من المستثمرين يلقون بأموالهم على شركات إنترنت غير مربحة بشكل صارخ، لدرجة تصبح معها الأسواق محكوماً عليها بالفشل، لكن إذا نظرت إلى الوراء- على ما كان الناس يقولونه في مارس 2000 - فسوف يتضح لك أن تحديد نقطة التحول الدقيقة أصعب كثيراً مما قد تتصور.
ورغم أن الجهات التنظيمية كانت تحذر بالفعل من المشورات الاستثمارية المتحيزة، وخطط الأعمال الهشة فإن صحيفة «فاينانشال تايمز» في ذلك العصر كانت مليئة بالقصص عن «ناسداك الهائل»، الذي حقق «ارتفاعات مذهلة»، وحتى بعد 5 أسابيع من بدء هبوط المؤشر كان هناك حديث متفائل حول «استعادة الأسواق لتوازنها» و«تمديد فترة التعافي».
ويبدو أن هذا التاريخ له أهمية خاصة هذا الأسبوع، فعلى الرغم من أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 سجل رقماً قياسياً جديداً قبل أقل من ثلاثة أسابيع، إلا أن الأسواق العالمية في حالة من الاضطراب، بسبب التعريفات الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتبدو بعض المؤشرات الاقتصادية الرئيسية قاتمة للغاية، فثقة المستهلك الأمريكي في انخفاض، كما تراجعت أوامر التصنيع. وبحلول منتصف نهار الجمعة في الولايات المتحدة تخلى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 عن جميع مكاسبه، بعد الانتخابات الرئاسية.
وما يثير القلق بشكل خاص بالنسبة لأولئك الذين يرون أوجه تشابه مع ما حدث عام 2000 أن «أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى السبع الرائعة، التي دعمت السوق الأوسع العام الماضي أصبحت الآن في منطقة التصحيح، بعد انخفاض بنسبة 12 % عن أعلى مستوياتها التي بلغتها مجتمعة في ديسمبر، كما لم تكن أرباحها في الربع الرابع من 2024 سيئة بشكل خاص – فقد أعلنت شركة ألفابت، الشركة الأم لجوجل، عن زيادات مزدوجة الرقم في الإيرادات والأرباح، لكن في الوقت نفسه بدأ المستثمرون يطرحون المزيد من الأسئلة حول مليارات الدولارات، التي يتم إنفاقها على الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات ذات الصلة ومصادر الطاقة ومتى بالضبط ستترجم إلى زيادة في النمو.
وبالنسبة لبعض المستثمرين القدامى يبدو هذا مألوفاً بشكل مخيف لفقدان الثقة بشركات «الدوت كوم»، التي ترسخت بعد أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة في عام 1999. وبمجرد أن أصبح التمويل أكثر تكلفة نفدت أموال الشركات الناشئة الخاسرة مثل Pets.com و Webvan، كما بدأ مزودو الاتصالات والتكنولوجيا في المعاناة أيضاً، ما أدى في النهاية إلى تراجع السوق الأوسع، ودخلت الولايات المتحدة في حالة ركود في مارس 2001.
ومن المؤكد أن أوجه التشابه ليست دقيقة، ولم تكن كذلك أبداً، ففي حين كانت معظم شركات «الدوت كوم» من الشركات الوافدة الجديدة العابرة فإن«السبع الرائعة» تشمل بعضاً من أكثر المجموعات ربحية وإثارة للإعجاب في العالم، بما في ذلك «أبل» و«أمازون» و«مايكروسوفت»، بالإضافة إلى المورد الرئيسي لاقتصاد الذكاء الاصطناعي «إنفيديا».
كذلك فإن الشركات الناشئة المبهرة التي ينتمي إليها هذا الجيل أصبحت أكثر صعوبة في التعامل معها، لأنها تجنبت عمليات الطرح العام الأولي، وظلت في دفاتر شركات رأس المال الاستثماري وشركات الأسهم الخاصة لفترة أطول كثيراً، لكن لا يمكن أن يكون انكماش إجمالي أصول شركات الأسهم الخاصة للمرة الأولى منذ عقود من الزمان علامة جيدة.
وعندما تكون الأموال رخيصة، لا يهم كثيراً إذا كان رأس المال يُنثر هنا وهناك بشكل غير فعال، لكن أسعار الفائدة المرتفعة تجبر في نهاية المطاف حتى أغنى الشركات على تركيز جهودها، كما أنه من المرجح أن يؤدي عدم اليقين بشأن تعريفات ترامب إلى تثبيط الاستثمار المؤسسي، لذلك قد تكون العواقب على الاقتصاد الأوسع نطاقاً عميقة بدرجة كبيرة.
وحسبما يلفت جيم جرانت، الصحفي المالي والمتشائم الدائم، الذي تنبأ بانهيار فقاعة الإنترنت وفوضى الرهن العقاري الثانوي، التي أشعلت شرارة الأزمة المالية في عام 2008، فإن «بعض الأشياء تتغير»، لكن البشر، للأسف، لا يتغيرون، رغم أن كل العلامات لـ«فقاعة كلاسيكية» تلوح في الأفق، لكن جيم جرانت يحذر من أن «الأنماط مألوفة لكن التوقيت غير معروف ومدبر لتعذيب أول من تبنّى هذا النوع من الذكاء الاصطناعي»، وهو يدرك ذلك، فقد كانت توقعاته صحيحة، لكنها كانت متقدمة إلى حد بعيد عن الانهيارات الفعلية، بحيث فوت المستثمرون الذين اتبعوا نصيحته مكاسب كبيرة.
في هذا السياق يبدو أن تجربة «إنفيديا» هذا العام مفيدة، فقد أدى ظهور شركة «ديب سيك»، الشركة الصينية التي تقول إنها قادرة على تشغيل الذكاء الاصطناعي بقوة حوسبة أقل، إلى محو 600 مليار دولار من القيمة السوقية لشركة صناعة الرقائق في يناير، كما جرّ ذلك أسهم المرافق العامة وكذا أسهم شركات التكنولوجيا الأخرى إلى الهبوط، لكن سهم «إنفيديا» عاد واسترد معظم خسائره، بعد أن أقنع المستثمرون أنفسهم بأن الذكاء الاصطناعي الرخيص من شأنه أن يؤدي إلى التبني الأسرع، وما يرافق ذلك من مزيد من الإنفاق.
رغم ذلك يجب أن ننتبه إلى أن هذا التعافي لم يدم طويلاً أيضاً، فقد انخفضت أسهم «إنفيديا» بنحو 25 % من أعلى مستوياتها في 52 أسبوعاً.
وفي أيامنا هذه تمثل فقاعة «الدوت كوم» اختصاراً للحماس المتهور للتكنولوجيا الجديدة والجشع الأعمى، فالعديد من المستثمرين يلقون بأموالهم على شركات إنترنت غير مربحة بشكل صارخ، لدرجة تصبح معها الأسواق محكوماً عليها بالفشل، لكن إذا نظرت إلى الوراء- على ما كان الناس يقولونه في مارس 2000 - فسوف يتضح لك أن تحديد نقطة التحول الدقيقة أصعب كثيراً مما قد تتصور.
ورغم أن الجهات التنظيمية كانت تحذر بالفعل من المشورات الاستثمارية المتحيزة، وخطط الأعمال الهشة فإن صحيفة «فاينانشال تايمز» في ذلك العصر كانت مليئة بالقصص عن «ناسداك الهائل»، الذي حقق «ارتفاعات مذهلة»، وحتى بعد 5 أسابيع من بدء هبوط المؤشر كان هناك حديث متفائل حول «استعادة الأسواق لتوازنها» و«تمديد فترة التعافي».
ويبدو أن هذا التاريخ له أهمية خاصة هذا الأسبوع، فعلى الرغم من أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 سجل رقماً قياسياً جديداً قبل أقل من ثلاثة أسابيع، إلا أن الأسواق العالمية في حالة من الاضطراب، بسبب التعريفات الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتبدو بعض المؤشرات الاقتصادية الرئيسية قاتمة للغاية، فثقة المستهلك الأمريكي في انخفاض، كما تراجعت أوامر التصنيع. وبحلول منتصف نهار الجمعة في الولايات المتحدة تخلى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 عن جميع مكاسبه، بعد الانتخابات الرئاسية.
وما يثير القلق بشكل خاص بالنسبة لأولئك الذين يرون أوجه تشابه مع ما حدث عام 2000 أن «أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى السبع الرائعة، التي دعمت السوق الأوسع العام الماضي أصبحت الآن في منطقة التصحيح، بعد انخفاض بنسبة 12 % عن أعلى مستوياتها التي بلغتها مجتمعة في ديسمبر، كما لم تكن أرباحها في الربع الرابع من 2024 سيئة بشكل خاص – فقد أعلنت شركة ألفابت، الشركة الأم لجوجل، عن زيادات مزدوجة الرقم في الإيرادات والأرباح، لكن في الوقت نفسه بدأ المستثمرون يطرحون المزيد من الأسئلة حول مليارات الدولارات، التي يتم إنفاقها على الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات ذات الصلة ومصادر الطاقة ومتى بالضبط ستترجم إلى زيادة في النمو.
وبالنسبة لبعض المستثمرين القدامى يبدو هذا مألوفاً بشكل مخيف لفقدان الثقة بشركات «الدوت كوم»، التي ترسخت بعد أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة في عام 1999. وبمجرد أن أصبح التمويل أكثر تكلفة نفدت أموال الشركات الناشئة الخاسرة مثل Pets.com و Webvan، كما بدأ مزودو الاتصالات والتكنولوجيا في المعاناة أيضاً، ما أدى في النهاية إلى تراجع السوق الأوسع، ودخلت الولايات المتحدة في حالة ركود في مارس 2001.
ومن المؤكد أن أوجه التشابه ليست دقيقة، ولم تكن كذلك أبداً، ففي حين كانت معظم شركات «الدوت كوم» من الشركات الوافدة الجديدة العابرة فإن«السبع الرائعة» تشمل بعضاً من أكثر المجموعات ربحية وإثارة للإعجاب في العالم، بما في ذلك «أبل» و«أمازون» و«مايكروسوفت»، بالإضافة إلى المورد الرئيسي لاقتصاد الذكاء الاصطناعي «إنفيديا».
كذلك فإن الشركات الناشئة المبهرة التي ينتمي إليها هذا الجيل أصبحت أكثر صعوبة في التعامل معها، لأنها تجنبت عمليات الطرح العام الأولي، وظلت في دفاتر شركات رأس المال الاستثماري وشركات الأسهم الخاصة لفترة أطول كثيراً، لكن لا يمكن أن يكون انكماش إجمالي أصول شركات الأسهم الخاصة للمرة الأولى منذ عقود من الزمان علامة جيدة.
وعندما تكون الأموال رخيصة، لا يهم كثيراً إذا كان رأس المال يُنثر هنا وهناك بشكل غير فعال، لكن أسعار الفائدة المرتفعة تجبر في نهاية المطاف حتى أغنى الشركات على تركيز جهودها، كما أنه من المرجح أن يؤدي عدم اليقين بشأن تعريفات ترامب إلى تثبيط الاستثمار المؤسسي، لذلك قد تكون العواقب على الاقتصاد الأوسع نطاقاً عميقة بدرجة كبيرة.
وحسبما يلفت جيم جرانت، الصحفي المالي والمتشائم الدائم، الذي تنبأ بانهيار فقاعة الإنترنت وفوضى الرهن العقاري الثانوي، التي أشعلت شرارة الأزمة المالية في عام 2008، فإن «بعض الأشياء تتغير»، لكن البشر، للأسف، لا يتغيرون، رغم أن كل العلامات لـ«فقاعة كلاسيكية» تلوح في الأفق، لكن جيم جرانت يحذر من أن «الأنماط مألوفة لكن التوقيت غير معروف ومدبر لتعذيب أول من تبنّى هذا النوع من الذكاء الاصطناعي»، وهو يدرك ذلك، فقد كانت توقعاته صحيحة، لكنها كانت متقدمة إلى حد بعيد عن الانهيارات الفعلية، بحيث فوت المستثمرون الذين اتبعوا نصيحته مكاسب كبيرة.
في هذا السياق يبدو أن تجربة «إنفيديا» هذا العام مفيدة، فقد أدى ظهور شركة «ديب سيك»، الشركة الصينية التي تقول إنها قادرة على تشغيل الذكاء الاصطناعي بقوة حوسبة أقل، إلى محو 600 مليار دولار من القيمة السوقية لشركة صناعة الرقائق في يناير، كما جرّ ذلك أسهم المرافق العامة وكذا أسهم شركات التكنولوجيا الأخرى إلى الهبوط، لكن سهم «إنفيديا» عاد واسترد معظم خسائره، بعد أن أقنع المستثمرون أنفسهم بأن الذكاء الاصطناعي الرخيص من شأنه أن يؤدي إلى التبني الأسرع، وما يرافق ذلك من مزيد من الإنفاق.
رغم ذلك يجب أن ننتبه إلى أن هذا التعافي لم يدم طويلاً أيضاً، فقد انخفضت أسهم «إنفيديا» بنحو 25 % من أعلى مستوياتها في 52 أسبوعاً.