اتصل بنا
 

لالاّ خلولاّ… عن اسبانيا الإسلامية

نيسان ـ القدس العربي ـ نشر في 2025-03-13 الساعة 11:02

x
نيسان ـ هذه ليست كلمات متقاطعة، ولا إحدى جمل شمس المعارف الكبرى، ولا مطلوب منا أن تعيد ترتيب الحروف لتصبح كلمات مفهومة في جملة مفيدة.
ولكي نفصل بعض الشيء نذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خاطب القادة العرب ذات قمة عربية لهم في العاصمة الأردنية عمان في العام 2017، وكان يتحدث عن أثر الثقافة العربية الإسلامية على بلاده البرتغال، وذكر أن كلمة «أوشا الله» في اللغة البرتغالية تعني بمشيئة الله، وأنها مأخوذة من الكلمة العربية «إن شاء الله».
وقد عاد غوتيريش ليؤكد على أهمية الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس على العالم كله، وضمن خطابه في مؤتمر القمة الذي جاء فيه: «ولدت في لشبونة، وهي مدينة كانت لقرون جزءاً من الأندلس. في ذلك الوقت كانت قرطبة ـ عاصمة الأندلس ـ مركز الثقافة والحضارة في شبه الجزيرة الإيبيرية، مثلما كانت بغداد مركز الثقافة والحضارة في العالم، وكانت آثارها ممتدة من حدود الصين إلى سواحل المحيط الأطلسي».
وفي قرطبة أو غرناطة أو حتى مدريد يحييك الإسباني بقوله «أولا/Hola المأخوذة من أصلها العربي في كلمة «أهلا» والتي تنطق «هلا» في اللهجات العربية المعاصرة القريبة من الإسبانية «أولا». أما إذا أغضبت قروياً إسبانياً من جنوب البلاد، فربما تسمع منه «أوذة أو أوذا» وقد تظن أنها سبة يقذفها في وجهك، ولكنها عبارة عن تحريف للكلمة العربية «عوذة» التي تعني الاستعاذة بالله من الشيطان، وقت الغضب.
ويذهب الدارسون اللغويون إلى أن عدة آلاف من الكلمات العربية الأصل لا تزال ضمن المعجم الإسباني المعاصر، حيث اعترف بها وأدرجها المعجم الرسمي للأكاديمية الملكية الإسبانية للغة، في حين يذهب كثير من الباحثين إلى أن ربع مفردات اللغة الإسبانية اليوم مأخوذ من العربية، ليشكل المعجم العربي العنصر المؤثر الثاني بعد العنصر اللاتيني في اللغة الإسبانية، رغم قرون من تدابير محاكم التفتيش التي كانت تقضي بحرق من يمارس الشعائر الإسلامية أو يتحدث اللغة العربية، إمعاناً من الكنيسة المدعومة من بابا روما آنذاك في محو أي أثر عربي إسلامي في الأندلس.
أما الروائي العالمي الحائز على جائزة نوبل للآداب باولو كويلو، مؤلف الخيميائي، وصاحب الروايات المعروفة التي نجد في كثير منها جذور ثقافة عربية إسلامية تسربت إلى ثقافته البرازيلية عبر اللغة البرتغالية المشبعة بكثير من العروق الثقافية العربية والإسلامية، والتي تحتاج كنظيرتها اللغة الإسبانية إلى مزيد من الدراسات اللغوية المعمقة، لدراسة ما تحويه من مؤثرات عربية لا تخطئها الأذن.
ومقدمة كويلو لتراجم رواياته إلى اللغة العربية التي يطبعها مع كل ترجمة لرواية من رواياته تشي باغترافه من ثقافة عربية متجذرة، ومن مخزون روحي إسلامي لا ينضب، نطالعه في روايته الشهيرة الخيميائي، كما في كتاب له بعنوان «مكتوب» وهي كلمة عربية تشير إلى القدر الذي لا يمكن للإنسان أن يفلت منه، حسب التصورات العقائدية الإسلامية.
في تجسيد لإسبانيا الإسلامية يرتفع تمثال في مدينة قرطبة، للفيلسوف العربي المسلم ابن رشد أو أفيروس الذي تعدى أثره إسبانيا إلى أوروبا كلها
في قرى الريف الأندلسي في إسبانيا الجنوبية عثر على كثير من المقابر التي تشير هيئتها إلى وضعية الميت فيها بتوجيهه إلى القبلة، ما يشير إلى أن هذه المقابر إما أنها تعود لمسلمين، أو للمورسكيين، وهم مسلمون أجبرتهم محاكم التفتيش الكنسية على التنصر، في عمليات اضطهاد رهيبة، ضمن واحدة من أحلك صفحات تاريخ إسبانيا الوسيطة.
وعندما نذهب إلى قرى جنوب إسبانيا نجد العادات العربية الإسلامية لا تزال ماثلة للعيان، رغم أن أهل القرى أصبحوا مسيحيين، بعد مرور أجدادهم بعمليات الاضطهاد التي اعتذرت عنها الكنيسة فيما بعد. وفي أرياف الجنوب الإسباني، حيث التجمعات الرعوية والفلاحية تقام مهرجانات يلبس فيها الناس ملابس تعود إلى العصور العربية في الأندلس، ناهيك عن العلاقات الأسرية المتينة، وعادات الترحيب بالضيوف في بيوت القرويين، والدفء العاطفي الموجود لدى أهالي إقليم الأندلس، والذي يضرب بجذوره في أعماق التراث العربي الإسلامي لشبه الجزيرة الإيبيرية.
وتذكر الباحثة الإسبانية آدا – أو أديبة – روميرو أن بعض أفراد جيل جدتها كانوا ـ وهم مسيحيون ـ يمارسون بعض الطقوس الإسلامية، مثل السجود عند الصباح الباكر، وهو أحد أركان الصلاة الإسلامية المعروفة، وهو أثر إسلامي اندمج ضمن الطقوس الدينية للقرويين المسيحيين، في قرى جنوب إسبانيا.
تقول روميرو إن سكان الجزيرة الإيبيرية كانوا من الطوائف المسيحية الموحدة، وهي الطوائف الأريوسية التي لم تكن تعتقد بألوهية المسيح، وهذا ما ساعد كثيراً على تحول الشعب الإيبيري إلى الإسلام، بسبب التشابه القائم بين المعتقدات الإسلامية ـ ومعتقدات المسيحيين الأريوسيين الذين كانوا في إسبانيا قبل الفتح العربي الإسلامي، علاوة أن شعوباً شرقية كانت قد عبرت للأندلس قبل الفاتحين المسلمين بفترة طويلة، وكانت تلك الشعوب تعاني من اضطهاد «القوط» الجرمانيين الذين انحدروا من شمال أوروبا إلى الأندلس التي كان شعبها يشعر بالقرب العقدي والشعوري مع الفاتحين المسلمين الذين كانوا من الأمازيغ والعرب وغيرهم، الأمر الذي مكن جيشاً من بضعة آلاف في بادئ الأمر من فتح الأندلس، في واقعة وصفها مؤرخون غربيون بالمعجزة.
وفي تجسيد لإسبانيا الإسلامية يرتفع تمثال في مدينة قرطبة، للفيلسوف العربي المسلم ابن رشد أو أفيروس الذي تعدى أثره إسبانيا إلى أوروبا كلها، حيث تجلى أثره على عدد من الفلاسفة الأوروبيين، ناهيك عن دور إسبانيا الإسلامية في حفظ التراث الأرسطي، وأثر المدارس الأندلسية على الجامعات والأكاديميات الأوروبية التي كان الأساتذة فيها يحاولون التشبه بالعلماء المسلمين في كل من قرطبة وإشبيلية وغرناطة، حتى في لبس العمامة والجبة العربيتين، دون إغفال دور الفكر العربي الإسلامي في الأندلس على حركات الإصلاح الديني البروتستانتية في أوروبا.
أما عنوان المقال الذي لم نقل إنه ضرب من الكلمات المتقاطعة أو الطلاسم السحرية، فإن هذه العبارة «لالّا خلولّا» التي قد تسمعها لدى بعض الإسبان، فهي عبارة عن كلمة التوحيد الإسلامية «لا إله إلا الله» بعد أن مرت عليها القرون، وأصابها الكثير من التحوير الذي يشير إلى حجم الجحيم الذي عاناه المورسكيون المسلمون الذين لم يكن أمامهم إلا القتل حرقاً، أو التنصر، وفقاً للتوجهات الدينية والسياسية لإيزابيل وفرديناند، وخلفائهما، بعد توحد مملكتيهما في مملكة جديدة شكلت الأساس الأول الذي قامت عليه إسبانيا، بعد ثمانية قرون من الحكم العربي الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية.
كاتب يمني

نيسان ـ القدس العربي ـ نشر في 2025-03-13 الساعة 11:02

الكلمات الأكثر بحثاً