اتصل بنا
 

على المصارف المركزية الحذر من تداعيات تباين توقعات التضخم

نيسان ـ نشر في 2025-03-13 الساعة 14:27

x
نيسان ـ بات الشاغل الرئيس للأسر والشركات هو «الطبيعة المتقلبة» لحروب ترامب التجارية، فهل ستطبق أمريكا تعريفات جمركية على وارداتها من أقرب حلفائها التجاريين؟ لا أحد يعلم، أو ربما يمكن لأحدهم أن يعلم، لكن لا يمكن الجزم بذلك نظراً للطبيعة المتقلبة للإدارة الأمريكية.
مجلس الاحتياطي الفيدرالي يعد أقل قلقاً بشأن هذه الطبيعة المتقلبة، أو على الأقل هذا ما يبدو عليه. ففي كلمة ألقاها مؤخراً، قال كريستوفر والر، عضو مجلس محافظي «الفيدرالي»: إن «أي فرض للتعريفات لن يزيد الأسعار إلا بصورة طفيفة وعلى نحو غير مستمر. لذا، فأنا أفضل تجاهل هذه التأثيرات عند وضع السياسة النقدية».
ويوم الجمعة، أشار باول إلى وجهة النظر «الكلاسيكية» بتجاهل الزيادة لمرة واحدة في الأسعار، لكنه أوضح كيف أن الواقع قد يختلف «إذا تحول الأمر إلى سلسلة أحداث .. وإذا كانت الزيادات أكبر .. وما يهم حقاً هو ما سيحدث لتوقعات التضخم طويلة الأجل».
في كل الأحوال، من المهم أن نضع في الاعتبار جولات عدة من الرسوم الجمركية الوشيكة، وكلها في تواريخ مختلفة، المكسيك وكندا، الألومنيوم والصلب، الرسوم الجمركية المتبادلة، الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي. ولنأخذ في الاعتبار أيضاً إجراءات انتقامية مثل الرسوم الإضافية بنسبة 25 بالمائة على صادرات الكهرباء من أونتاريو، بالإضافة إلى تهديدات بقطعها تماماً. ربما يمكننا بذلك أن نؤكد على «سلسلة من الأحداث» و«زيادات أكبر» (في الأسعار).
وماذا عن توقعات التضخم؟ في تصريحاته، سلط باول الضوء على أن «بعض توقعات التضخم على المدى القريب ارتفعت مؤخراً. وبإمكاننا رؤية هذا في أداء الأسواق والاستطلاعات، فقد أشار المستطلعون، سواء من المستهلكين أو الشركات، إلى أن التعريفات الجمركية عامل محرك لارتفاع الأسعار»، لكن باول، وبما يتماشى مع لهجة كلمته المتفائلة بشكل عام، قال: «تظل غالبية التوقعات بشأن التضخم على المدى الطويل مستقرة وتتماشى مع مستهدفنا للتضخم البالغ 2 %».
هذه العبارة صحيحة للوهلة الأولى بالنظر إلى توقعات التضخم على المدى الطويل. لكن ما يقلق الفيدرالي هو أن الفحص الأكثر دقة للتوقعات يومض باللون الأحمر. وتتماشى توقعات متوسط التضخم طويل الأجل على مدار 5 سنوات في استطلاع المستهلكين لجامعة ميتشغن، مع رسالة باول بشأن «الاستقرار والتماشي». لكن مقاييس التشتت، أو الخلافات بين الأسر، لم تعد إلى طبيعتها قبل الجائحة بل تتصاعد مرة أخرى.
ويأتي هذا مدفوعاً بزيادة في التوقعات الأكثر تشاؤماً. ففي منتصف 2024، توقع 10 % من المستجيبين، أو أكثر، أن يبلغ متوسط التضخم مستوى حاداً يبلغ 15 % أو أكثر خلال السنوات الخمس المقبلة. وعلى النقيض، كان أقل من 1 % من المستجيبين عام 2019 يتوقعون هذه الزيادة (في الأسعار).
يرجع هذا التباين الحاد إلى تحول استطلاع جامعة ميتشغن إلى اعتماد الردود الواردة حصراً عن طريق الإنترنت بداية من يوليو 2024. وأتت الاستجابات للاستطلاع عن طريق الهاتف بنسبة أقل من التقديرات المتطرفة بشأن التضخم، وربما يكون ذلك بسبب نزعة الرغبة الاجتماعية التي يتسبب فيها الحديث المباشر مع شخص ما في الإدلاء بإجابة مختلفة. وقد يعكس ذلك جزئياً التحيزات الحزبية، وهي كبيرة في استطلاع جامعة ميتشغن.
ومن جديد، هذا الأمر لا يعكس إلا وضعاً جزئياً. وقد توصل تحليل للاستجابات التي وردت عن طريق الإنترنت منذ عام 2017 وصاعداً إلى الاستنتاج نفسه: ارتفعت التوقعات طويلة الأجل في الأشهر الأخيرة، وهي مرتفعة مقارنة بالعامين السابقين للجائحة، لكنها مع ذلك تظل دون ذروة القراءات المسجلة في أعقاب الموجة التضخمية التي تلت الجائحة. وتظهر هذه التوقعات عدم يقين بالغ، خاصة في ضوء التغييرات السياسية في ظل الإدارة الرئاسية الجديدة.
ليس ذلك فحسب، فالاختلافات الآخذة في الاتساع، وكذلك عدم اليقين بشأن الحجم الذي سيصل إليه التضخم على المدى الطويل، يظهران أيضاً في استطلاع توقعات المستهلكين الذي يجريه «فيدرالي» نيويورك، برغم عودة متوسط التضخم المرجح إلى معدلاته الطبيعية.
وتبقى هناك بعض الاعتراضات المحتملة، حيث تشير استطلاعات الأسر توقعات المواطن العادي بشأن التضخم، وهو الذي ربما يكون لديه فهم غير دقيق لماهية التضخم، أو ربما يبالغ في تقدير بنود بعينها في سلة السلع التي يستهلكها. أما المحترفون، فتتسم توقعاتهم، وعلى نحو غير مفاجئ، بأنها أقل تبايناً عندما يتعلق الأمر بتقديرات التضخم على المدى الطويل. رغم ذلك، فإن استطلاعات التضخم التي تشمل الأسر توضح تصورات المجتمع الأوسع نطاقاً عن التضخم. والأسر تتصرف وفقاً لتصوراتها هي، بغض النظر عن مدى انحراف هذه التصورات عن «ما هو معقول».
وماذا بالنسبة للاستثنائية الأمريكية؟ لعل تباين التوقعات الآخذ في الازدياد ليس ظاهرة أمريكية حصراً، إذ تظهر البيانات الواردة من أوروبا مستويات تضخم لم تعد إلى معدلاتها الطبيعية بعد. كما أشارت كاثرين مان، عضوة لجنة السياسة النقدية في مصرف إنجلترا، إلى التباين الهائل في التوقعات بالمملكة المتحدة خلال كلمة ألقتها خلال الأسبوع الماضي.
والأمر لا يقتصر على ميل الأسر إلى توقع تقديرات أعلى للتضخم. ففي منطقة اليورو، ثمة تباين كبير وواضح في توقعات التضخم في استطلاع شمل الشركات. وقد أصبحت توقعات التضخم على المدى الطويل مرتبطة هي أخرى بصورة أكبر بالتوقعات قصيرة المدى، ما يشي بأن إعادة تثبيت توقعات التضخم في أعقاب طفرة التضخم التي تلت الجائحة لم تكتمل بعد.
عموماً، فإن الاختلافات الكبيرة بشأن التضخم لا تبشر بخير للفيدرالي الذي يأمل في «تجاهل» تأثير التعريفات الجمركية على الأسعار.
والأسر ليست وحدها عندما يتعلق الأمر بالوقت الذي تستغرقه لتخطي صدمات التضخم. إذ تؤكد ورقة بحثية صدرت مؤخراً هذه الفرضية، مع استخدام التوقعات الضمنية للتضخم المستمدة من الأسواق المالية. وتوصل مؤلفو الورقة إلى أن الطفرة التي لحقت بالتضخم بين عامي 2021 و2024 تسببت في «ندوب» تظهر جلية في «استمرار ارتفاع احتمالات وقوع كارثة تضخمية مستقبلاً».
كما يعد عدم اليقين بشأن التضخم مهماً، وربما يفوق في أهميته، تشتت التوقعات. وفي هذا الصدد، أظهرت بعض الدراسات التجريبية أن ازدياد عدم اليقين أدى إلى انخفاض استهلاك السلع المعمرة، وتسبب في أن تضم المحافظ الاستثمارية قدراً أكبر من أصول الملاذ الآمن. وأظهرت دراسات أخرى كيف يمكن لعدم اليقين بشأن التضخم أن يؤدي إلى تراجع الاستثمارات والإنتاج الصناعي.
لذا، بإمكانك أن تضيف عدم اليقين المتنامي بشأن التضخم إلى قائمة المصادر الأخرى لعدم اليقين التي يجب أن يكون الفيدرالي ومصارف مركزية أخرى حذرين بشأنها.
يمكن للتواصل القوي والموثوق للمصارف المركزية أن يسهم في تقليل عدم اليقين وأن يخفض الاختلافات بشأن التصورات عن التضخم. لكن الإبقاء على توقعات التضخم عند مستويات ثابتة يتوقف على مصداقية المصرف المركزي، وهي التي تعتمد كثيراً بدورها على استقلاليته، سواء من الناحية القانونية أو الفعلية.

نيسان ـ نشر في 2025-03-13 الساعة 14:27

الكلمات الأكثر بحثاً