اتصل بنا
 

هل تجاوز البشر نقطة الذروة لقدراتهم العقلية؟

نيسان ـ نشر في 2025-03-16 الساعة 14:10

x
نيسان ـ ما الذكاء؟ قد يبدو هذا سؤالاً مباشراً، تتوفر إجابة واضحة له، حيث يُعرّفه قاموس أكسفورد الإنجليزي بأنه «القدرة على الفهم» - لكن هذا التعريف بحد ذاته يطرح سؤالاً متزايد الأهمية في عالمنا المعاصر. ماذا يحدث إذا تضاءل مدى قدرتنا على تطبيق هذه القدرة عملياً؟.
تتزايد الأدلة على أن شيئاً من هذا القبيل قد حدث للعقل البشري على مدار العقد الماضي أو نحوه. فلا أحد يجادل في أن البيولوجيا الأساسية للدماغ البشري قد تغيرت في تلك الفترة الزمنية القصيرة جداً. ومع ذلك، وعبر مجموعة من الاختبارات، يبدو أن قدرة الشخص العادي على التفكير وحل المشكلات الجديدة، قد بلغت ذروتها في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهي في تراجع مستمر منذ ذلك الحين.
وعندما صدرت أحدث جولة تحليلية من برنامج التقييم الدولي للطلاب (PISA)، وهو اختبار دولي معياري، تُجريه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لقياس أداء الطلاب في سن الخامسة عشرة في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم، انصبّ التركيز، كما هو مفهوم، على دور جائحة كوفيد في تعطيل التعليم. لكن هذا حجب تدهوراً أوسع نطاقاً وأطول أمداً.
والمدى الأطول هنا، يعني أن الدرجات لجميع المواد الثلاث كانت تميل إلى الذروة حوالي عام 2012، لكنها في كثير من الحالات، انخفضت بشكل أكبر بين عامي 2012 و2018 مما كانت عليه خلال السنوات المتأثرة بالجائحة. والنطاق الأوسع في هذا السياق يعني أن هذا الانخفاض في مقاييس التفكير وحل المشكلات، لا يقتصر على المراهقين فقط، حيث يظهر البالغون نمطاً مشابهاً، مع انخفاضات واضحة في جميع الفئات العمرية في تحديث العام الماضي للتقييم الرئيس لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لاتجاهات مهارات البالغين.
ونظراً لأهميتها، كان هناك القليل من الأبحاث المتسقة طويلة الأمد حول الاهتمام البشري أو القدرة العقلية، مع استثناء نادر: كل عام منذ الثمانينيات، كانت دراسة مراقبة المستقبل تسأل الشباب في سن 18 عاماً، عما إذا كانوا يواجهون صعوبة في التفكير أو التركيز أو تعلم أشياء جديدة. وكانت نسبة طلاب السنة النهائية في المدرسة الثانوية الذين أبلغوا عن صعوبات «مستقرة وثابتة تقريباً»، طوال التسعينيات وعام 2000، لكنها بدأت في الصعود السريع في منتصف العقد الأول من القرن الحالي.
وتعد نقطة التحول هذه جديرة بالملاحظة، ليس فقط لتشابهها مع الأداء في اختبارات الذكاء والمنطق، بل لتزامنها مع تطور أوسع نطاقاً: علاقتنا المتغيرة بالمعلومات المتاحة باستمرار على الإنترنت. ومن المرجَّح أن يكون جزء مما نتناوله هنا، جاء نتيجةً للانتقال المستمر من النصوص إلى الوسائط المرئية - أي التحول نحو مجتمع «ما بعد القراءة»، الذي يقضي وقته في استخدام الشاشات. ولا شك أن تراجع القراءة أمرٌ حقيقي - ففي عام 2022، انخفضت نسبة الأمريكيين الذين أفادوا بقراءة كتاب واحد في العام الماضي إلى أقل من النصف.
ومن اللافت للنظر، بشكل خاص، هو أننا نشهد هذا مقروناً بانخفاض الأداء في الحساب، وأشكال أخرى من حل المسائل في معظم البلدان. ففي إحصائية مثيرة للاهتمام، ارتفعت نسبة البالغين غير القادرين على «استخدام التفكير الرياضي عند مراجعة وتقييم صحة البيانات» إلى 25 % في المتوسط، في البلدان ذات الدخل المرتفع، و35 % في الولايات المتحدة.
ومن الواضح أننا ننظر بشكل أقل إلى تراجع القراءة بحد ذاتها، وبشكل أكبر، إلى التآكل الأوسع نطاقاً في القدرة البشرية على التركيز الذهني والتطبيق. ويتركز معظم النقاش الدائر الآن حول الآثار المجتمعية للوسائط الرقمية على صعود الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي.
ومن المهم ملاحظة أن التغيير في القدرة البشرية على التفكير المركز، يتزامن مع شيء أكثر جوهرية: تحول في علاقتنا بالمعلومات. لقد انتقلنا من صفحات الويب المحدودة إلى خلاصات لا حصر لها ومحدثة باستمرار، مع وابل مستمر من الإشعارات. ولم نعد نقضي الكثير من الوقت في تصفح الويب بنشاط، والتفاعل مع الأشخاص الذين نعرفهم، لكن بدلاً من ذلك يتم تقديم سيل من المحتوى.
ويمثل هذا انتقالاً من السلوك الموجه ذاتياً إلى الاستهلاك السلبي، والتبديل المستمر بين السياقات. وقد وجدت الأبحاث أن الاستخدام النشط والمتعمد للتقنيات الرقمية غالباً ما يكون حميداً ومفيداً، في حين أن السلوكيات التي انطلقت في السنوات الأخيرة، قد ثبت أنها تؤثر في كل شيء من قدرتنا على معالجة المعلومات اللفظية إلى الانتباه والذاكرة العاملة والتنظيم الذاتي، لكن الخبر السار هنا، هو أن القدرة الفكرية البشرية الأساسية لم تتضاءل بالتأكيد، لكن النتائج تبقى مرهونة بالإمكانات والتنفيذ. وبالنسبة للكثيرين منا، تعيق البيئة الرقمية هذا الأمر الأخير.

نيسان ـ نشر في 2025-03-16 الساعة 14:10

الكلمات الأكثر بحثاً