اتصل بنا
 

غزة .. مدينة تتكئ على كتف البحر وتواجه إبادة إسرائيلية

نيسان ـ نشر في 2025-03-23 الساعة 16:14

x
نيسان ـ في قلب العتمة، حيث تنطفئ مصابيح الحياة واحدًا تلو الآخر، تقف غزة وحيدة، تتكئ على كتف البحر، تشكو له وجعها الذي فاض عن قدرتها على الاحتمال.
خمسون ألف شهيد غادروا، لم يودّعوا أحدًا، ولم يتركوا رسائل أخيرة، فقط أسماؤهم ظلت عالقة في أفواه الأمهات، وملامحهم بقيت عالقة في غبار الأزقة المحطمة.
على أنقاض شارع الوحدة، تمضي امرأة في ثوبها الأسود، لا تحمل سوى صورة تحتضنها كأنها طفلها الأخير، تمشي بخطوات وئيدة، كأنها تسير فوق ذاكرة من الزجاج، كل خطوة تشطر قلبها نصفين، عيناها تبحثان في الركام عن ملامح بيتها القديم، عن بقايا صوت كان يملأ المكان، عن أثرٍ لحياة لم تعد هنا.
على الرصيف المقابل، يقف صبيٌّ نحيل، يحمل بين يديه دميةً متسخة، يحدّق بها وكأنها الشيء الوحيد المتبقي من عالمه الذي انهار، اسمه يزن، وكان بالأمس فقط يلهو في باحة منزله مع شقيقته التي لم يبقَ منها سوى هذا الفستان الصغير، الملطخ بالتراب.
يسأل العابرون: “هل يمكن أن تعود؟ هل يمكن أن أصحو غدًا فأجدها هنا؟”. لا أحد يجيب.
المآذن في غزة ترفع الأذان، لكن الصدى يعود باكيًا، البحر نفسه، الذي كان يومًا ملجأ للعشاق والحالمين، بات شاهدًا صامتًا على القهر، يرسل أمواجه لتغسل الوجع عن الأرصفة، لكن الملح لا يداوي الجراح هذه المرة.
في زوايا المخيمات، يجلس العجائز على الحصير، عيونهم معلقة في الأفق، كأنهم يبحثون عن مراكب العودة، عن طرق تقودهم إلى فلسطين التي عرفوها قبل أن تُثقل بالنكبات.
بجانبهم، أطفالٌ كبروا قبل أوانهم، يحكون عن القصف كما يحكي غيرهم عن المطر، ويتلون أسماء الشهداء كأنها قصائد تحفظها القلوب عن ظهر قلب.
وفي قلب الخراب، ثمة شجرة راسخة بين البيوت المهشّمة، نبتت فوق جدار متصدّع وما زالت تورق، كأنها رسالة من غزة نفسها: “أنا لا أموت”، رغم الموت المخيّم على كل شيء، رغم الدمار الذي ابتلع الأرواح والأحلام، تظل غزة عصيّة على الفناء، تمضي بجراحها الثقيلة، تحمل شهداءها في الذاكرة، وتنبت من بين الدمار مرة أخرى… كأنها قدر لا يقهر.

نيسان ـ نشر في 2025-03-23 الساعة 16:14

الكلمات الأكثر بحثاً