قراءة في رواية 'ظل الطريق' للروائي يوسف أبوجيش
نيسان ـ الدستور ـ نشر في 2025-03-25 الساعة 09:24
x
نيسان ـ محمد المشايخ
ظل الطريق، رواية أدبية، بحمولة فكرية تنويرية، تتخذ من المدن مكانا يطرح عشرات الأسئلة حول الغربة والعزلة والهجرة، وحول الجسد والروح والفلسفة والفكر، وحول الحرية والعدالة والحب والانتماء والتغيير، وفي كل مدينة، يتجوّل الروائي في مكتباتها، وفي هيئاتها الثقافية، وأحزابها، وفي مؤسسات مجتمعها المدني.
وعبر مقارنته بين المدن وأثرها في نفسه، يظل وطنه، مصدرا لسعادته وأمانه وتصالحه الروحي مع نفسه ومع الآخرين، ولكنه، وفي غمرة حلمه بالوصول إلى حق العودة، لا ينسى بغداد ودمشق، ولا ينسى غزة والسابع من أكتوبر..
يستعرض الروائي ثقافته الموسوعية، ومعرفته بالأماكن وأعلامها، والمكتبات ومن أبدعوا ما فيها من كتب: مكتبة أمانة عمان، ومكتبة مؤسسة عبد الحميد شومان، وأكشاك الكتب في قاع المدينة أو وسط البلد، ثم الأزبكية، وذلك دون أن ننسى، أننا أمام سيرة روائية لبطلها، الذي عرفنا من خلال صفحاتها، أنه سكن في جبل اللويبدة، وأنه عمل في اتحاد المرأة الأردنية، وأنه كان جزءا من نواة ثقافية اتخذت من اربد وعمان مكانا للقاءات أعضائها، وأن منزله في جبل الثقافة «اللويبدة» غدا مع الأيام منبرا يلتقي فيه تنويريو العاصمة.
يتنقل بطل الرواية بخفة ورشاقة ما بين جبل اللويبدة، ووسط البلد، ثم يغترب، ويعود، يتزوّج، ثم يُطلق، ثم يتزوج ثانية، وينجب كنعان ويعرب (الأسماء لها دلالات وجذور تاريخية).
لم يكن الروائي مستعجلا وهو يدفع قطار سرده ببطء، متكئا على الإطناب والإسهاب ليقول كل ما تختزنه ذاكرته من أحداث وذكريات وآمال، مبتعدا عن التكثيف أو الاختزال، وهو يعلم، وعن قصد وترصد، أنه يكتب متوالية قصصية، امتدت قصصها عبر اثني عشر فصلا، كانت خيوطها غير متماسكة، وحبكتها مفككة، تتنقل كالنحلة من زهرة فلسفية إلى زهرة فكرية، وفي الوقت نفسه تـُحدث بين آونة وأخرى تداخلا بين الأجناس الأدبية والفكر، وبين تقنية الأحلام، والحوار غير المسرحي، وبين الواقعية النقدية، وبين الخيال المجنح والمحلق، وبين إحداث تماس صاعق مع السياسة، ولكن بشكل غير مباشر، ومع الجنس من خلال استعراضه ما جرى في الفيلم السينمائي (صفحة82)، وما تضمنه الصندوق من مجلات جنسية (صفحة79)
أما المدن، فهي الموضوع الرئيس في الرواية، لم ينس هجاء معظمها عبر كل صفحات روايته، وإن كان قلبه يقطر دما وهو يتحدث عما جرى ويجري في فلسطين، وفي العراق، وفي سوريا، وليبيا، وفي مدن الملح، وفي المدن التي يهاجر إليها من ضاقت بهم الأرض، دون أن ينسى عمان بقسميها الشرقي والغربي(صفحة73) ودورها في التخفيف عمن ضاقت بهم الأرض فلجأوا إليها (من الكويت بعد حرب الخليج مثلا).
اتكأت هذه الرواية على المونولوجات الداخلية، وعلى تيار الوعي، فكان «اللسان المبلوع» أو حديث النفس قائما باستمرار ما بين بطل الرواية وذاته، وضميره، يبث بين السطور، نقده وهجاءه، مُحدثا تنفيسا وتفريغا لما في وجدان قرائه من كراهية للسلبيات التي تحول دون تحقيق الإصلاح السياسي والوطني والثقافي والفكري والاجتماعي والديني، وحتى الصحي من خلال فصله الخاص بالكورونا.
من النادر أن نقرأ رواية تخلو من الأخطاء النحوية والمطبعية كهذه الرواية، لذا أستغرب تخصيص مبدعها الصفحتين 136-137 وتحت عنوان (حديث في الظل) للكتابة باللهجة العامية، التي أعرف أن سبعين بالمئة من ألفاظها ذات أصول فصيحة.
ابتعدت هذه الرواية عن المباشرة، ولكنها لم توغل في الرمزية، وبقدر ما كان مبدعها حريصا على أن يوصل رسالته الأدبية والفكرية لقرائه بعيدا عن التسجيلية والتوثيق، فقد كان يُحدث تحايلا هنا وهناك، ليقول بطله على لسانه ما يريد، ومن ذلك قوله (صفحة70): (أنفاسه أصبحت ثقيلة وهو يستعيد في ذاكرته كلمات ماركس عن»توحش الرأسمالية»الذي لا يتوقف عن التهام البشر، وعن الاشتراكية التي كانت في يوم من الأيام وعدا بإنقاذ البشرية من هذا المصير المحتوم، ولكن أين هي الاشتراكية الآن؟الدول التي رفعت رايتها سقطت واستسلمت للواقع الرأسمالي).
ويقول بجرأة «صفحة68»: (هو يدرك أن تلك الحروب لم تكن سوى انعكاس لأنظمة غربية لا تشبع، تديرها مصالح الشركات الكبرى التي تزدهر بصناعة الأسلحة وإشعال الصراعات.. الفوضى لا تنشأ من العدم، بل تـُصنع وتـُغذى بقرارات محسوبة، حيث يتم تفتيت البلدان وزرع الطائفية والانقسامات العرقية لتبقى هذه الدول مشتعلة.. الأسلحة تصنع وتباع، وحينما يكتمل الدمار، يُعاد تشكيل الواقع بما يتناسب مع مصالحهم).
ظل الطريق، رواية أدبية، بحمولة فكرية تنويرية، تتخذ من المدن مكانا يطرح عشرات الأسئلة حول الغربة والعزلة والهجرة، وحول الجسد والروح والفلسفة والفكر، وحول الحرية والعدالة والحب والانتماء والتغيير، وفي كل مدينة، يتجوّل الروائي في مكتباتها، وفي هيئاتها الثقافية، وأحزابها، وفي مؤسسات مجتمعها المدني.
وعبر مقارنته بين المدن وأثرها في نفسه، يظل وطنه، مصدرا لسعادته وأمانه وتصالحه الروحي مع نفسه ومع الآخرين، ولكنه، وفي غمرة حلمه بالوصول إلى حق العودة، لا ينسى بغداد ودمشق، ولا ينسى غزة والسابع من أكتوبر..
يستعرض الروائي ثقافته الموسوعية، ومعرفته بالأماكن وأعلامها، والمكتبات ومن أبدعوا ما فيها من كتب: مكتبة أمانة عمان، ومكتبة مؤسسة عبد الحميد شومان، وأكشاك الكتب في قاع المدينة أو وسط البلد، ثم الأزبكية، وذلك دون أن ننسى، أننا أمام سيرة روائية لبطلها، الذي عرفنا من خلال صفحاتها، أنه سكن في جبل اللويبدة، وأنه عمل في اتحاد المرأة الأردنية، وأنه كان جزءا من نواة ثقافية اتخذت من اربد وعمان مكانا للقاءات أعضائها، وأن منزله في جبل الثقافة «اللويبدة» غدا مع الأيام منبرا يلتقي فيه تنويريو العاصمة.
يتنقل بطل الرواية بخفة ورشاقة ما بين جبل اللويبدة، ووسط البلد، ثم يغترب، ويعود، يتزوّج، ثم يُطلق، ثم يتزوج ثانية، وينجب كنعان ويعرب (الأسماء لها دلالات وجذور تاريخية).
لم يكن الروائي مستعجلا وهو يدفع قطار سرده ببطء، متكئا على الإطناب والإسهاب ليقول كل ما تختزنه ذاكرته من أحداث وذكريات وآمال، مبتعدا عن التكثيف أو الاختزال، وهو يعلم، وعن قصد وترصد، أنه يكتب متوالية قصصية، امتدت قصصها عبر اثني عشر فصلا، كانت خيوطها غير متماسكة، وحبكتها مفككة، تتنقل كالنحلة من زهرة فلسفية إلى زهرة فكرية، وفي الوقت نفسه تـُحدث بين آونة وأخرى تداخلا بين الأجناس الأدبية والفكر، وبين تقنية الأحلام، والحوار غير المسرحي، وبين الواقعية النقدية، وبين الخيال المجنح والمحلق، وبين إحداث تماس صاعق مع السياسة، ولكن بشكل غير مباشر، ومع الجنس من خلال استعراضه ما جرى في الفيلم السينمائي (صفحة82)، وما تضمنه الصندوق من مجلات جنسية (صفحة79)
أما المدن، فهي الموضوع الرئيس في الرواية، لم ينس هجاء معظمها عبر كل صفحات روايته، وإن كان قلبه يقطر دما وهو يتحدث عما جرى ويجري في فلسطين، وفي العراق، وفي سوريا، وليبيا، وفي مدن الملح، وفي المدن التي يهاجر إليها من ضاقت بهم الأرض، دون أن ينسى عمان بقسميها الشرقي والغربي(صفحة73) ودورها في التخفيف عمن ضاقت بهم الأرض فلجأوا إليها (من الكويت بعد حرب الخليج مثلا).
اتكأت هذه الرواية على المونولوجات الداخلية، وعلى تيار الوعي، فكان «اللسان المبلوع» أو حديث النفس قائما باستمرار ما بين بطل الرواية وذاته، وضميره، يبث بين السطور، نقده وهجاءه، مُحدثا تنفيسا وتفريغا لما في وجدان قرائه من كراهية للسلبيات التي تحول دون تحقيق الإصلاح السياسي والوطني والثقافي والفكري والاجتماعي والديني، وحتى الصحي من خلال فصله الخاص بالكورونا.
من النادر أن نقرأ رواية تخلو من الأخطاء النحوية والمطبعية كهذه الرواية، لذا أستغرب تخصيص مبدعها الصفحتين 136-137 وتحت عنوان (حديث في الظل) للكتابة باللهجة العامية، التي أعرف أن سبعين بالمئة من ألفاظها ذات أصول فصيحة.
ابتعدت هذه الرواية عن المباشرة، ولكنها لم توغل في الرمزية، وبقدر ما كان مبدعها حريصا على أن يوصل رسالته الأدبية والفكرية لقرائه بعيدا عن التسجيلية والتوثيق، فقد كان يُحدث تحايلا هنا وهناك، ليقول بطله على لسانه ما يريد، ومن ذلك قوله (صفحة70): (أنفاسه أصبحت ثقيلة وهو يستعيد في ذاكرته كلمات ماركس عن»توحش الرأسمالية»الذي لا يتوقف عن التهام البشر، وعن الاشتراكية التي كانت في يوم من الأيام وعدا بإنقاذ البشرية من هذا المصير المحتوم، ولكن أين هي الاشتراكية الآن؟الدول التي رفعت رايتها سقطت واستسلمت للواقع الرأسمالي).
ويقول بجرأة «صفحة68»: (هو يدرك أن تلك الحروب لم تكن سوى انعكاس لأنظمة غربية لا تشبع، تديرها مصالح الشركات الكبرى التي تزدهر بصناعة الأسلحة وإشعال الصراعات.. الفوضى لا تنشأ من العدم، بل تـُصنع وتـُغذى بقرارات محسوبة، حيث يتم تفتيت البلدان وزرع الطائفية والانقسامات العرقية لتبقى هذه الدول مشتعلة.. الأسلحة تصنع وتباع، وحينما يكتمل الدمار، يُعاد تشكيل الواقع بما يتناسب مع مصالحهم).