اتصل بنا
 

هل يمكن لأوروبا إنشاء سوق دفاع مشتركة؟

نيسان ـ نشر في 2025-03-25 الساعة 14:21

x
نيسان ـ تستشعر أوروبا متأخرةً مسؤوليتها في الدفاع عن أمنها، وتبدي عزماً راسخاً في هذا المسعى، مما يستدعي زيادة الإنفاق العسكري. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو تجاوز النزعة الضيقة التي أدت على مدى عقود إلى تشتيت جهود شراء الأسلحة في القارة وتراجع فعاليتها.
وكانت هذه النزعة المحلية الضيقة تفاقمت بشكل ملحوظ عقب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، غير أن النوايا الحسنة والمناورات السياسية الدقيقة تساعد في تحجيم تداعيات «بريكست» على جهود الأمن الأوروبي المشترك.
ويسعى البريطانيون بشكل خاص للحفاظ على المصلحة المشتركة في التعاون الدفاعي بمنأى عن الخلافات السياسية الأخرى.
ولا يبدو أن هذا التوجه يواجه مخاطر كبيرة، فالاستياء من قرار الاتحاد الأوروبي بقصر تمويله المشترك على أعضائه وحلفائه المقربين قد يتلاشى إذا ما قررت المملكة المتحدة الانضمام إلى ميثاق دفاعي وأمني.
وتخصيص جزء من الإنفاق الدفاعي لن يغير حقيقة أن بريطانيا اختارت طواعية الانفصال عن سلاسل الإمداد الأوروبية الذي فرضه مفهوم «بريكست» المتشدد، ومع الإقرار بأن الاحتكاكات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ليست العائق الأكبر أمام إعادة تسلح أوروبا، إلا أنها تظل عاملاً لا يمكن تجاهله.
ويعترف الاتحاد الأوروبي نفسه بوجود حواجز تجارية داخلية تحول دون كفاءة المشتريات الدفاعية، حيث تضع بروكسل قائمة تتضمن: عدم الاعتراف المتبادل بشهادات المنتجات العسكرية بين الدول الأعضاء، والإجراءات البيروقراطية المفرطة المتعلقة بحركة المعدات العسكرية، وعدم تناغم الإجراءات الجمركية، والتشريعات المفرطة التي تُقيد حركة المنتجات الدفاعية بين دول الاتحاد.
وتتصف هذه العوائق وغيرها بدرجة أكبر من الحدة في العلاقة مع المملكة المتحدة، إذ إن نموذج «بريكست» الذي اختارته لنفسها وضعها بشكل واضح خارج أي إطار تشريعي أو قضائي أوروبي.
والعوائق الناتجة - في مجالات التجارة والأفراد والبيانات ورأس المال - تكبل حركة التبادل في كافة القطاعات الاقتصادية، بما فيها القطاع الدفاعي، مما يجعل البحث عن آليات لتخفيف هذه العوائق التي تهدد الأمن الأوروبي المشترك هدفاً استراتيجياً ضرورياً جديراً بالاهتمام. وهنا يبرز التساؤل: ماذا يعني تأسيس سوق خالٍ من العوائق مخصص لصناعة الدفاع؟
جوهر هذه الفكرة يكمن في تمكين الشركات العاملة في القطاع من تجاوز القيود المرتبطة بالمواقع الوطنية والتكاليف الناجمة عن تباين القواعد أو عبور الحدود، حيث يتعين تقليص الاحتكاكات ليس فقط أمام السلع المادية، بل أيضاً في مجالات تقديم الخدمات وتدفق رؤوس الأموال وتنقل العمالة المتخصصة.
إنها، بمعنى آخر، نسخة قطاعية من السوق الداخلية أو الموحدة للاتحاد الأوروبي (في صورتها المثالية، وليس شكلها الحالي غير المكتمل) والاتحاد الجمركي، ولتفادي استثارة حساسية الحكومة البريطانية تجاه هذه المصطلحات، يُفضل استخدام مصطلح «السوق المشتركة» للدفاع.
وستواجه السوق المشتركة للصناعات الدفاعية عبر القارة الأوروبية بطبيعة الحال تحديات عملية وسياسية متعددة، وتبرز كذلك إشكالية إزالة العوائق على الحدود.
حيث يمكن الاستفادة من الحلول المبتكرة المطبقة في أيرلندا الشمالية، فمن الممكن مثلاً تخصيص مسارات نقل خاصة للشحنات المعتمدة مسبقاً من متعاقدي الدفاع.
كما يمكن منح أختام جوازات سفر تتيح لغير مواطني الاتحاد الأوروبي/المنطقة الاقتصادية الأوروبية العاملين في المجال الدفاعي حقوق تنقل مهني أوسع، أما فيما يتعلق بتبادلات رأس المال والخدمات والبيانات.
فهي تخضع لأنظمة داخلية لا لتدابير حدودية، وبالتالي يتعلق الأمر بشكل رئيسي بتكييف التشريعات وتخصيص الموارد لمراقبة أي تجاوزات.
وتكمن العقبة الأكبر في الجانب السياسي، إذ لا مناص من أن يعتمد مثل هذا المخطط على تشريعات الاتحاد الأوروبي، بما فيها ولاية المحكمة الأوروبية (وتقدم أيرلندا الشمالية مرة أخرى دروساً في هذا المجال).
ويتعين على الاتحاد الأوروبي، من جانبه، التخلي عن مبدأ «عدم قابلية الحريات الأربع للتجزئة»، الذي يعتبر التبادل الاقتصادي السلس معه مسألة إما كل شيء أو لا شيء، وهو مبدأ اتسم دوماً بقدر من النفاق.
كما يتضح من استثناء المنطقة الاقتصادية الأوروبية لقطاعي الزراعة والأسماك، فيما تكشف اتفاقية الاتحاد الأوروبي الجديدة مع سويسرا أنه بإمكانه منح وصول جزئي خالٍ من العوائق للشركاء الراغبين في التواؤم الديناميكي مع قواعد التكتل ذات الصلة.
لذا، يفترض أن يكون من الممكن التوصل إلى قواسم مشتركة، فإذا كانت المصلحة العليا للأمن المشترك لا تبرر تقديم تنازلات من الجانبين، فما الذي يمكن أن يبررها؟
وحتى المتشككون البريطانيون في جدوى الاتحاد الأوروبي والمناهضون الأوروبيون لبريطانيا ينبغي أن يقروا بأن وجود سلاسل توريد موحدة وسلسة للأسلحة على مستوى القارة يمثل مكسباً استراتيجياً لا يضاهى، ولا يفوقه سوى ما قد يترتب عليه من تعميق الثقة وتعزيز الوحدة الأوروبية على المدى البعيد.

نيسان ـ نشر في 2025-03-25 الساعة 14:21

الكلمات الأكثر بحثاً