اتصل بنا
 

5 سيناريوهات قد تحدث تغييراً إيجابياً بمسار الاقتصاد العالمي

نيسان ـ نشر في 2025-03-25 الساعة 14:23

x
نيسان ـ دفع فرض الرسوم الجمركية، وتزايد حالة عدم اليقين، وتباطؤ الاقتصاد الأمريكي، بالمحللين إلى مراجعة توقعاتهم بشأن النمو السنوي للاقتصاد العالمي لعامي 2025 و2026 باتجاه الخفض. ولم يكن ذلك مفاجئاً.
فمعظم المحللين لم يتوقعوا أن تكون بداية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بهذا المستوى من الاضطراب، لكن وسط هذه الأجواء المفعمة بالتشاؤم، بدأت أرى بعض أمارات التفاؤل، وسأعرض هنا خمسة سيناريوهات قد تفضي إلى مفاجآت إيجابية في أداء الاقتصاد العالمي على المدى القريب:
السيناريو الأول: تخفيف ترامب من خططه للرسو م الجمركية
لم يكن الانخفاض الحاد في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» كافياً لثني الرئيس الأمريكي عن أجندته لرفع الرسوم الجمركية، فقد أظهرت إدارة بايدن أن أداء سوق الأسهم ومعدلات شعبية الرئيس لا يسيران بالضرورة في الاتجاه نفسه، حيث تميل الأخيرة إلى مواكبة ثقة المستهلك، والتي انخفضت مؤخراً مع ارتفاع توقعات التضخم.
ومع بدء ظهور تأثيرات الرسوم الجمركية على الواردات على الأسر، قد تنخفض الثقة ومعدلات شعبية الرئيس أكثر، إذ لا يزال الأمريكيون يعانون من قفزة بنسبة 20% في مستويات الأسعار بعد الجائحة، مما يجعل قدرتهم على تحمل المزيد من الصعوبات الاقتصادية محدودة كثيراً.
وهذا الوضع قد يخلق ضغوطاً متزايدة من داخل البيت الأبيض نفسه أو من قيادات الحزب الجمهوري للتخفيف من حدة الإجراءات المتخذة، خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في عام 2026.
ويرى معظم المحللين أن هذا السيناريو غير مرجح، بيد أن ترامب يتمتع بمهارة في تأجيل الرسوم الجمركية وتمديد المواعيد النهائية، فحتى التراجع الطفيف - بما في ذلك بعض الاستثناءات أو نهج أكثر تنظيماً للسياسة التجارية أو تأجيل رسومه «المتبادلة» المقررة في 2 أبريل - من شأنه تحسين توقعات النمو العالمي مقارنة بالضرر الذي يمكن أن تسببه أجندته الجمركية بشكل كامل.
السيناريو الثاني: مفاجأة أوروبا للعالم بنمو غير متوقع
يعتقد معظم خبراء الاقتصاد على أن خطط ألمانيا لزيادة الإنفاق الاستثماري - بالإضافة إلى الرغبة المتزايدة في رفع مستويات الإنفاق الدفاعي عبر القارة الأوروبية – يمكن أن تعزز معدلات النمو في منطقة اليورو، إلا أن هناك ثلاثة جوانب إيجابية إضافية تستحق الدراسة.
العامل الأول يتمثل في تزامن عدد من التطورات الإيجابية داخل الاتحاد الأوروبي حالياً، فزيادة الإنفاق الحكومي، وارتفاع أسواق الأسهم المحلية، وحالة الالتفاف الوطني رداً على تهديدات ترامب بشأن التعريفات الجمركية والناتو، كلها ستعزز ثقة المستهلكين والشركات، مما قد يولد تأثيراً اقتصادياً حقيقياً يفوق التوقعات الحالية.
ومع بقاء نسب مدخرات الأسر أعلى بنحو 3 نقاط مئوية مما كانت عليه قبل الجائحة، هناك مجال واسع للمستهلكين الأقل حذراً لدفع نمو منطقة اليورو. وبالنسبة للشركات، فإن ارتفاع تقييمات الأسهم وتدفقات رأس المال قد تدفع المزيد من قرارات الاستثمار نحو التنفيذ، كما قد تكون الإصلاحات السياسية أكثر يسراً.
العامل الثاني يتعلق بكيفية تفسير القارة الأوروبية لاحتياجاتها من الإنفاق على الأمن والدفاع، حيث تقدر غولدمان ساكس أن تطوير القدرات العسكرية الأوروبية ومجاراة الاستثمار السنوي الروسي في المعدات والإمدادات العسكرية الجديدة قد يتطلب ما لا يقل عن 160 مليار يورو سنوياً (حوالي 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي).
ويعتمد تأثير هذا الإنفاق على النمو قريب المدى على حجمه ووتيرته وطبيعته، مما يفتح المجال لنتائج إيجابية، حيث يمكن للإنفاق على البحث والتطوير الدفاعي أن يحدث تأثيرات إيجابية على صناعات أخرى.
والعامل الثالث هو أنه يمكن لوقف إطلاق النار في أوكرانيا أن يؤدي إلى انخفاض أسعار الغاز، وزيادة الإقبال على المخاطرة في الأسواق، ورفع مستويات الثقة، حيث تشير تقديرات غولدمان ساكس إلى أن ذلك قد يعزز الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة تصل إلى 0.5 %.
السيناريو الثالث: الصين تسد فجوة النمو العالمي
باعتبار الصين أكبر دولة مصنعة ومصدّرة في العالم، فإن أي تحسّن في اقتصادها سيكون له تأثير إيجابي على توقعات النمو العالمية. وهناك ثلاثة عوامل يمكن أن تسهم في ذلك:
أولاً، يمكن لارتفاع ثقة القطاع الخاص أن يعزز التوظيف والنشاط الاستثماري بما يفوق التوقعات، حيث يُعدّ التقدم المفاجئ لشركة الذكاء الاصطناعي الصينية «ديب سيك» في تطوير النماذج.
والتدابير التحفيزية التي اتخذتها بكين، وجهود القيادة الصينية لإعادة بناء العلاقات مع عمالقة الأعمال الصينيين كلها عوامل إيجابية. وهذه المؤشرات تساهم في جذب اهتمام المستثمرين الدوليين، وزيادة التدفقات المالية إلى الأسهم المرتبطة بالصين.
ثانياً، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز نمو الصين، فقد أثار النموذج منخفض التكلفة ومفتوح المصدر الذي طورته «ديب سيك» تفاؤلاً بأن التكنولوجيا قد يتم تبنيها بشكل أسرع.
مما سيحفز زيادة الاستثمار في مراكز البيانات، وقد تأتي مكاسب الإنتاجية أيضاً بوتيرة أسرع، وقد أعلنت مؤخراً شركات في قطاعات عدة، مثل السيارات والاتصالات، عزمها استخدام تكنولوجيا «ديب سيك».
ثالثاً، قد تفاجئ الحكومة الصينية العالم بمستوى دعمها للاقتصاد، فخلال مؤتمر الشعب الوطني هذا الشهر، التزمت الحكومة بهدف عجز مالي يبلغ 4% من الناتج المحلي الإجمالي - وهو الأعلى خلال ثلاثة عقود.
وعلى الرغم من أن المحللين كانوا يأملون في رؤية المزيد من الأدلة على دعم الأسر، إلا أن الحزب الشيوعي أصبح أكثر صراحة بشأن الحاجة إلى دعم الطلب.
بالنسبة للمُصدّرين في كلٍّ من أوروبا والصين، فإن حجم التأثر بالرسوم الأمريكية سيعتمد كذلك على مدى قدرة المستوردين الأمريكيين على الاعتماد على الموردين المحليين، حيث قد يكون ذلك أصعب مما هو متوقع لبعض القطاعات، خاصة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي في الولايات المتحدة.
السيناريو الرابع: نمو أمريكي مفاجئ
حتى إذا مضى الرئيس ترامب في تنفيذ خططه لزيادة الرسوم الجمركية، فقد تتمكن عوامل محلية أخرى من التخفيف من حدة آثارها:
أولاً، لا تزال التخفيضات الضريبية وإلغاء اللوائح التنظيمية في متناول البيت الأبيض، فتمديد أحكام قانون التخفيضات الضريبية والوظائف (والتي تنتهي معظمها بنهاية عام 2025) سيدعم الاستهلاك والاستثمار، وتقدر مؤسسة الضرائب أن هذا سيعزز الناتج الاقتصادي على المدى الطويل بنسبة 1.1 بالمئة.
ومن المتوقع أن تعزز الخطة المقترحة لخفض ضريبة الشركات هذا الاتجاه الإيجابي أيضاً، إلا أن المخاوف من ارتفاع الاقتراض - الذي قد يدفع العوائد للارتفاع - تهدد بتقويض أي جوانب إيجابية، فتمديد قانون التخفيضات الضريبية والوظائف وحده دون تعويضات سيرفع العجز بمقدار 4.6 تريليونات دولار.
لكن إذا سمح سوق السندات لترامب بتنفيذ حتى بعض خططه الضريبية، فقد يقلل ذلك من تأثير الرسوم الجمركية على النمو، وستأتي دفعة إضافية من الجهود المبذولة لتقليص البيروقراطية، لا سيما متطلبات التخطيط المرهقة.
ثانياً، يعد التبني الأسرع للذكاء الاصطناعي أمراً ممكناً، حيث يشير ماثيو مارتن، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في «أكسفورد إيكونوميكس»، إلى أن مزيجاً من أسعار الفائدة المنخفضة والإعفاءات الضريبية العام المقبل قد يُعجل بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي.
السيناريو الخامس: انخفاض أسعار الفائدة
أن تنخفض أسعار الفائدة من البنوك المركزية بشكل أسرع وأعمق مما تشير إليه التوقعات السائدة، مما يدعم الاستهلاك والنشاط التجاري. وحالياً، يتأثر التضخم في الاقتصادات المتقدمة بعوامل محلية، خصوصاً تضخم قطاع الخدمات المدفوع بارتفاع الأجور.
ومع ذلك، فإن تراجع مؤشرات سوق العمل الضيق، مثل نوايا التوظيف ومعدلات الوظائف الشاغرة، يشير إلى احتمال تراجع الضغوط الناتجة عن تكلفة الرواتب بوتيرة أسرع من المتوقع، مما قد يتيح للبنوك المركزية إجراء المزيد من خفض أسعار الفائدة.
ويرفع احتمال التضخم المستورد الناتج عن حروب التعريفات الجمركية توقعات التضخم، ويزيد القلق من استمرار أسعار الفائدة المرتفعة.
لكن الصين قد تلعب دوراً معادلاً، إذ تشير «بي سي إيه ريسيرتش» إلى أن بكين، خلال آخر حرب تجارية، قدمت إعانات ضريبية لدعم صادراتها. كما أن توجيه صادراتها نحو أسواق بديلة قد يخفف من الأثر التضخمي للرسوم الانتقامية على أمريكا.
هل هذه السيناريوهات متفائلة أكثر من اللازم؟ ربما، فكل سيناريو يستند إلى افتراضات تتراوح بين النقاط العمياء حول تطورات السياسة إلى التأثيرات الاقتصادية صعبة القياس لتقلبات مزاج الأسر والشركات والمستثمرين.
ومع ذلك، يعد تقييم كيفية تغير المسارات الاقتصادية ممارسة قيمة بحد ذاتها، خاصة أن العديد من الروايات السوقية السائدة قد تغيرت بشكل جذري خلال الأشهر الأخيرة (مثل: الاستثنائية الأمريكية، و«عدم صلاحية» الصين للاستثمار، والأسهم الأوروبية غير المرغوبة).
إن أي تحسن حقيقي في نمو الاقتصاد العالمي – يتجاوز مجرد نتائج أقل سوءاً من المتوقع – سيتطلب على الأرجح مراجعة البيت الأبيض لأجندته الاقتصادية. ورغم أن هذا السيناريو غير مستبعد، فإن تقدير مدى واقعيته يبقى مهمة المتخصصين في شؤون ترامب وحركة «ماغا».

نيسان ـ نشر في 2025-03-25 الساعة 14:23

الكلمات الأكثر بحثاً