بطولات وزير الخارجية ضد ميكروفون الجزيرة
جمال سلطان
كاتب مصري
نيسان ـ نشر في 2015-12-13 الساعة 12:46
يقول المثل الشعبي المصري المترع حزنا وإحباطا : "الناس خيبتها السبت والحد واحنا خيبتنا مش على حد" ، وذلك عندما يكون الفشل الذريع عنوانا لعمل أو مرحلة ، ونتائجه الكارثية من النوع الفضائحي ، والذي ندفع فيه ثمنا فادحا.
وهذا ينطبق تماما على الديبلوماسية المصرية الحالية ، وعلى رأسها الوزير سامح شكري ، فما حدث مع ملف سد النهضة الأثيوبي فضيحة بكل المعايير ، ومستقبل مصر وأجيالها المقبلة أصبح بالغ الخطورة الآن ، لأن النيل هو الحياة بالنسبة لتسعين مليون مصري ، وليس واحد أو اثنين مليون.
والحكومة والخارجية التي أنامتنا على أننا في أيد أمينة ، وحقوق مصر محفوظة وأن مصر تملك الردع ولا أحد يجرؤ على التأثير على حصتها في مياه النيل ، اتضح في النهاية أن كلامها ووعودها مجرد فنكوش ، وأن الأثيوبيين أناموا معالي الوزير الغضنفر وباعوا له الكلام وربحوا الوقت ، شهرا بعد شهر ، واجتماعا لمكلمة بعد اجتماع ، لكي ينتهوا من بناء السد قبل أي اتفاق أو حتى إعلان مبادئ ، ثم أصبح المسئولون المصريون الآن يتحدثون علنا عن أن السد أصبح واقعا وأن علينا أن نفكر بطريقة أخرى.
ربما نبعث شكوى عاطفية لمجلس الأمن وربما قدمنا التماسا إنسانيا لأثيوبيا أن تتعطف علينا ولا تحرمنا من مياه النيل ، وكان الخيار الآخر ، خيار الكي بالنار ، قد تعرض لمهانة الأسبوع الماضي عندما قال وزير الخارجية الإثيوبي بعنجهية وصلف أن مصر الآن أضعف من أن تخوض حربا ضد بلاده ، وهو التصريح الذي انتظر الناس طويلا أن يرد عليه الوزير الغضنفر سامح شكري لكنه اختفى من المشهد حينها ، وقد كان هذا الفشل الذريع في أخطر ملفات الديبلوماسية المصرية حريا بأن يحترم الوزير نفسه ويتقدم باستقالته.
ولكن سامح شكري صب جام غضبه أمس على ميكروفون قناة الجزيرة القطرية الذي وضعوه أمامه في الجلسة الختامية لاجتماع الخرطوم الذي عقد من أجل "مكلمة" جديدة عن سد النهضة ، واكفهر وجه الوزير وركبته عفاريت الدنيا ، وببطولة منقطعة النظير طلب إبعاد ميكرفون هذه القناة ، وبجسارة وشجاعة قام بنفسه بفك رأس الميكروفون ووضعه تحت الكرسي ، وما يثير مرارتك أن البعض في القاهرة صفق للوزير على هذه البطولة الكبيرة والشجاعة الخارقة ، رغم أن ما فعله هو ـ بالمعيار الديبلوماسي والإعلامي ـ فضيحة وقلة قيمة ، وأن الرابح فيما حدث هو قناة الجزيرة نفسها ، التي صورت المشهد.
وبالتأكيد ستسوقه وتستفيد منه إلى أبعد حد وتكرر نشره ، لفضح الوزير المندفع والمنفلت الأعصاب والفاقد لأبسط قواعد الديبلوماسية ، رغم أنه يرأس ديبلوماسية دولة بحجم مصر . تصرف الوزير سامح شكري يكشف عن توتره الشديد ، كما أن انفلات أعصابه هو عنوان لحالة الفشل والإحباط التي يعيشها ، وكون هذا الموقف يحدث في الجلسة الختامية فهذا يكفي دليلا على أنه "خرج من المولد بلا حمص" ، كما يقولون ، وأن ما جرى في الاجتماعات لم يكن جيدا ، وأنه فشل في أن ينتزع أي حقوق لبلاده ، أو أن يحقق أي اختراق في هذا الملف الخطير ، فكان هذا التوتر الذي نفس عن نفسه في ميكروفون موضوع أمامه . على الطريقة التي أصبحت مألوفة في "التلفيق" مؤخرا ، تم ـ في القاهرة ـ تعميم شرح لسلوك الوزير ، يقول أن ميكروفون الجزيرة كان مشكوكا في أنه وضع للتجسس على الوفد المصري وتسجيل حواراته الجانبية ، وأن الوزير اكتشف هذه "الخديعة" فقرر وقف الاختراق وأفشل المخطط القطري للتجسس ؟! ، ألم أقل لكم ، الناس خيبتها السبت والحد ، واحنا خيبتنا مش على حد !
المصريون