اتصل بنا
 

مساواة إنتقائية ام فجوة اجور

كاتب

نيسان ـ نشر في 2025-03-29

نيسان ـ في مجالس الحديث عن العدالة والمساواة بين الجنسين، تتكرر سردية بلا كلل، تخرج بسيناريو المرأة المظلومة، وأن فجوة الأجور بين الجنسين هي الدليل القاطع على التمييز المنهجي الذي يحاصر النساء ويمنعهن من تحقيق ذواتهن! ولكن، خلف تلك الشعارات الرنانة، يكمن واقع أكثر تعقيدًا، واقع يُطمس عمدًا لأنه لا يتوافق مع القوالب الجاهزة المنمطة التي يراد تسويقها.
يُقال إن النساء يتقاضين أجورًا أقل من الرجال، لكنّ هذا الطرح يتجاهل أن الاختلاف في الدخل لا ينبع من التمييز، بل من قرارات العمل ذاتها، فالرجال بوجه عام، يعملون ساعات أطول، ويتجهون إلى المهن ذات المخاطر الأكبر، ويتحملون عبئ الوظائف التي تتطلب وقتًا إضافيًا أو مجهودًا بدنيًا شاقًا، في الحقيقة هم الذين يتسلقون أبراج البناء و ناطحات السحاب، ويواجهون لهيب المصانع، ويتعرضون لخطر المناجم ويتعرضون للاصايات العمل اربع اضعاف النساء، بينما تميل النساء إلى مجالات أكثر نعونة و استقرار، وأقل عرضة للمخاطر، كالتعليم والتمريض والإدارة ، أيكون هذا تمييزا، أم هو انعكاس طبيعي لاختيارات مختلفة تفرضها الأدوار والمسؤوليات المجتمعية الذي يفرضها القانون والعرف والعادات والفهم الديني، وغالبا الطبيعة؟
لا بد أن ندرك العدالة، عند الحديث المنهجي المنطقي عن فجوة الأجور، ان هذا الحديث يتجاهل أيضًا أن النساء يأخذن فترات انقطاع عن العمل لرعاية الأطفال أو العائلة، ما يؤثر على تراكم خبراتهن وترقياتهن الوظيفية، هل المطلوب مساواة شكلية تمنح النساء نفس الأجر دون مراعاة فروق العمل والمسؤولية الواقعبة؟ أم أن العدل الحقيقي هو الاعتراف بأن الأجور تُمنح بناءً على الإنتاجية، وليس بناءً على شعارات تحاول تطويع الواقع لمفاهيم أيديولوجية؟
وفي الطرف الآخر من المعادلة، حين يصل الحديث إلى النفقة والالتزامات المالية، تختفي تلك المطالبات بالمساواة، ويُعاد تأكيد الدور التقليدي للرجل كمعيل للأسرة. في معظم دول العالم، لا يزال الرجل مسؤولًا عن النفقة، سواء في الزواج أو بعد الطلاق، حتى في الدول التي تدّعي تحقيق المساواة المطلقة، بل إن بعض الدول تمنح علاوات مالية للرجل بناءً على مسؤوليته عن الأسرة، في حين لا تحصل المرأة على ذلك، لأن القانون والثقافة يعترف بأن الرجل هو الذي يحمل العبء الأكبر في إعالة الأبناء.
أليس في هذا تناقض صارخ؟ أليس غريبًا أن يُطالب الرجل بدفع النفقة حتى لو كانت طليقته مستقلة ماديًا، بينما يُطلب منه أن يقبل مساواة مزعومة في الأجور؟ كيف يُمكن لعالم يرفع شعار المساواة أن يُبقي على التزام الرجل المالي ويجعل منه واجبًا قانونيًا، بينما يطالب بإلغاء أي امتيازات قد يحصل عليها نتيجة لهذه الالتزامات؟!!
لقد أصبحت هذه السردية الانتقائية عبئًا على مفهوم العدالة ذاته، فالمساواة التي تُطالب بها بعض الحركات النسوية ليست سوى انتقاء مدروس لما يخدم مصلحتهن، بل يعارص مصالح نساء اخريات معالات من الرجال، حين يكون الأمر متعلقًا بالأجور، يُرفع شعار المساواة المطلقة، لكن حين يصل الحديث إلى النفقة والمعونات المالية، يُعاد إحياء الدور التقليدي للرجل كمعيل، وتُطالَب القوانين بأن تبقي على هذا الامتياز للمرأة! أليس العدل أن يتحمل كل فرد مسؤولياته؟ أليس من المنطقي أن يُلغى الالتزام القانوني بالنفقة إذا كانت المرأة مساوية للرجل في العمل والقدرة الاقتصادية؟ أم أن المطلوب هو الاستفادة من كلا العالمين، دون تحمل أي أعباء و واجبات مقابلة؟
إن العدالة لا تتحقق بإحصائيات انتقائية، ولا بشعارات خالية من المنطق، ان العدالة تتحقق حين يُعامل كل فرد بناءً على مساهمته الفعلية، حين يُكافأ العمل الجاد دون النظر إلى نوع الجنس، وحين لا يُطالب الرجال بالقيام بواجباتهم التقليدية بينما تُطالب النساء بحقوق مستحدثة لا يقابلها أي التزامات، فإذا كان العالم حقًا يسعى إلى المساواة، فعليه أن يسأل نفسه: هل المساواة هدف أم وسيلة للحصول على امتيازات دون مقابل؟ وشكرا

نيسان ـ نشر في 2025-03-29


رأي: فراس عوض كاتب

الكلمات الأكثر بحثاً