اتصل بنا
 

التحديث السياسي بين التحديات والفرص

نيسان ـ نشر في 2025-04-01 الساعة 13:10

x
نيسان ـ كتب محرر الشؤون المحلية:
ل كتب محرر الشؤون المحلية:
لا يزال التحديث السياسي في الأردن موضوعًا ذا أهمية خاصة، على الرغم من أن القليل من المتخصصين يتابعون تطور الحياة الحزبية بشكل مباشر، وغالبًا ما يقتصر الرصد السياسي على الأحاديث الجانبية في المجالس والصالونات أو التسريبات السياسية الموجهة، رغم أن هناك تسارعًا ملحوظًا في عمليات "الهندسة السياسية" الرسمية، مما يفتح الباب لاحتمالية تعديل قوانين الأحزاب والانتخابات في المستقبل القريب، وهو الأمر الذي يعزز وجهات نظر تنتقد حالة عدم الاستقرار السياسية الناجمة عن التعديل المستمر لقوانين الانتخاب والأحزاب، وتلك المتعلقة بالحريات العامة.
في هذا السياق، يجري العمل حاليًا على دمج الأحزاب البرامجية لتقتصر على ثلاثة أحزاب رئيسية فقط، حيث أنه وبعد الضغوط التي واجهها حزب إرادة، أصبح من المرجح أن يتم دمجه في حزب تقدم، أما حزب ميثاق، فيسعى للاستحواذ على بقية الأحزاب البرامجية، مع ترك المجال لحزب عزم ليتقدم في هذا الاتجاه، مدعومًا من قيادته المتنفذة والمتمكنة مالياً.
وفي مضمار آخر تُبذل جهود جادة لإعادة تأهيل أحزاب اليسار الليبرالي وتوحيدها تحت راية واحدة، تقود هذه الجهود "خلية اليسار الرسمي"، حيث تعمل هذه الخلية، دون كلل، على تمكين حزبي "المدني" و"الديمقراطي" من تجاوز خلافاتهما الداخلية، أو حسمها بما يخدم التوجه العام لهندسة الأحزاب، بهدف الحفاظ على حضور كافة التوجهات السياسية في المشهد المعد مسبقًا.
في المقابل، هناك محاولات من بعض القوى السياسية "غير الرسمية" لتغذية الخلافات داخل الحزب الشيوعي بهدف إضعافه، وتفكيك قدراته الداخلية والتحالفية، خصوصًا أن الحزب حصل على ما يقارب 40 ألف صوت في الانتخابات السابقة، مما يجعله مرشحًا قويًا للحصول على حصة اليسار من المقاعد البرلمانية في الانتخابات المقبلة، وقد تدخلت الهيئة المستقلة بشكل سافر لدعم عملية تعطيل نتائج أعمال المؤتمر الاستثنائي للحزب، والذي عقد مؤخرًا، هذا التدخل ليس بالضرورة مرتبطًا بتوجهات رسمية، بل يعكس رغبات "خلية اليسار الرسمي" صاحبة النفوذ والمهيمنة على الهيئة المستقلة، ويُحتمل أن يكون ناتجًا عن مواقف قديمة لعدد من أعضاء "خلية الهندسة" الذين كانوا من أعضاء الحزب سابقًا.
لكن تبقى من أبرز القضايا، التي تشغل دوائر صنع القرار، كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة بحزب "العمل الإسلامي" وكتلة "الإصلاح" النيابية، وتستمر الجهات الرسمية في إعادة بناء موقفها تجاه هذه الجماعة على مستويات متعددة، بما في ذلك المستويين الأمني والسياسي، وقد أثر سلوك الجماعة السياسي، الذي يتسم أحيانًا بالتقية، على عدم وضوح الموقف الرسمي تجاهها، وبتُقية مقابلة إذا صح الوصف، رغم ذلك، تبدو الحكومة مرتاحة نسبيًا لأداء كتلة "الإصلاح" في البرلمان، خصوصا في ظل ارتفاع نفوذ برغماتية بعض النواب، مثل الدكتوره ديمة طهبوب، بينما يزداد في مقابل هذا الارتياح الرسمي انزعاج الرئيس حسّان من الأحزاب البرامجية، كما يتضح من عدد استجوابات النواب للحكومة، وأغلبها آتٍ من تيارات الأحزاب الموالية، وهذا يعد مؤشرًا على اضطرار هذه الأحزاب لسلوك طريق الشعبوية السياسية لتحقيق شرعيتها.
مع ذلك، تبقى هذه المقاربات السياسية رهينة للتطورات الإقليمية المتسارعة التي تشهدها مناطق المحيط الملتهبة مثل السودان، ليبيا، مصر، غزة، الضفة الغربية، لبنان، سوريا، إيران، وتركيا، هذه الأوضاع غير المستقرة تشكل تحديات كبيرة أمام صانعي القرار، إذ يتعين على الحكومة أخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار عند اتخاذ قراراتها السياسية، خاصة أن الأزمات الإقليمية تؤثر بشكل مباشر على الأمن والسياسة والاقتصاد محليًا.
على سبيل المثال، ساهمت الأوضاع في سوريا وغزة والضفة الغربية في تعزيز قاعدة حزب "جبهة العمل الإسلامي" الشعبية، حيث أظهرت دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أُجريت قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة، ولم تنشر، أن غالبية الأردنيين (حوالي 80%) يدعمون الحزب، وبالفعل فإن هذا الدعم لم يقتصر على مناطق العاصمة والزرقاء فقط، بل امتد أيضًا إلى المحافظات ودوائر البادية الشمالية والوسطى والجنوبية، مما يعكس تأثير القضايا الإقليمية على السياسة الداخلية الأردنية بشكل مباشر.
في جانب آخر، وبعيدًا عن القضايا السياسية، يواجه الاقتصاد الأردني تحديات عميقة تتمثل في معدلات مرتفعة للفقر والبطالة وضعف في الخدمات العامة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة البطالة في الأردن تجاوزت 23%، وهي من أعلى المعدلات في المنطقة، كما أن أكثر من 20% من السكان مهددون بالانزلاق إلى ما دون خط الفقر المدقع، هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة تضع ضغوطًا إضافية على الحكومة، مما يزيد من تعقيد مسار الإصلاحات السياسية.
علاوة على ذلك، يعاني الاقتصاد من تراجع معدلات النمو، وضعف القطاع الصناعي، وارتفاع الدين العام، مما يستدعي ضرورة تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية، وفي ضوء ذلك، يبقى السؤال الأبرز: كيف يمكن للتحديث السياسي أن يتوازى مع الإصلاحات الاقتصادية؟
الجواب المتفائل يقول، أنه ربما من الممكن أن يشكل التحديث السياسي خطوة ضرورية نحو تحقيق بيئة سياسية أكثر استقرارًا وشفافية، وهو ما قد يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الاقتصاد، ولكن لتحقيق هذا الهدف، يجب أن يترافق التحديث السياسي مع تغييرات اقتصادية ملموسة، تشمل تحسين بيئة الأعمال، دعم القطاعات الإنتاجية، وتعزيز فرص العمل، خصوصًا في المناطق التي تعاني من الفقر وتفتقد إلى حصتها من التنمية.
ومن الضروري أن تتخذ الحكومة خطوات جادة لتحفيز النمو الاقتصادي المستدام، ولا بد أن تركز السياسات الاقتصادية على تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، وضبط عملية الاقتراض، وتطوير قطاعات مثل الصناعة والتكنولوجيا، بالإضافة إلى رفع مستوى الخدمات العامة في مجالي الصحة والتعليم، وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى نموذج بعض دول جنوب شرق آسيا التي نجحت في تبني إصلاحات اقتصادية شاملة، مما ساعدها في تحقيق توازن بين الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار السياسي.
وفي الختام، يبقى التحدي الأكبر، في المستقبل، هو كيفية موازنة التحديث السياسي مع الإصلاحات الاقتصادية لضمان استقرار الدولة وتحقيق التنمية الشاملة، ولتحقيق هذا الهدف، يتطلب الأمر جهدًا مشتركًا، من جميع الأطراف، السياسية والاقتصادية، لتحقيق التوازن المطلوب في ظل التحديات الإقليمية والمحلية.

نيسان ـ نشر في 2025-04-01 الساعة 13:10

الكلمات الأكثر بحثاً