اتصل بنا
 

الصراع الأمريكي-الصيني على المعادن الاستراتيجية

نيسان ـ نشر في 2025-04-06 الساعة 07:36

x
نيسان ـ في عالم اليوم، أصبحت المعادن الأساسية مثل العناصر الأرضية النادرة، النحاس، الكوبالت، والليثيوم أكثر أهمية من أي وقت مضى. هذه العناصر ليست مجرد مواد خام، بل هي عصب الصناعات التكنولوجية الحديثة، مثل الهواتف الذكية، السيارات الكهربائية، والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى التطبيقات العسكرية المتقدمة. ومع التزايد الكبير في الطلب على هذه المعادن، دخلت القوى العالمية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين، في صراع حاد للسيطرة على إمداداتها، يعتبر هذا الصراع ليس مجرد تنافس اقتصادي، بل أيضًا مواجهة جيوسياسية تحدد المستقبل التكنولوجي والطاقة في العالم.
العناصر الأرضية النادرة: كنز جيوسياسي
العناصر الأرضية النادرة هي مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا تستخدم في العديد من التطبيقات التكنولوجية، من الإلكترونيات المتقدمة إلى المعدات العسكرية. وبالرغم من أنها ليست نادرة من حيث الوفرة في قشرة الأرض، إلا أن استخراجها يصعب بسبب انتشارها وتوزيعها الواسع.
الصين هي القوة المهيمنة في إنتاج وتكرير هذه العناصر، حيث تسيطر على أكثر من 60% من السوق العالمي. تمتلك الصين مناجم ضخمة مثل منجم بايان أوبو في منغوليا الداخلية، وتُعتبر المعالجة والتكرير أحد المجالات التي تهيمن عليها تمامًا. في المقابل، تعتمد العديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، على الصين في إمدادات هذه العناصر الاستراتيجية.
ومع تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بدأت واشنطن تشعر بالقلق إزاء اعتمادها على الصين في هذا المجال الحيوي، في عام 2019، هددت الصين بتقليص صادراتها من العناصر الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة في خضم الحرب التجارية بين البلدين. وهذا دفع الولايات المتحدة إلى التفكير في تنويع مصادرها، والعمل على إعادة تأهيل منجم ماونتن باس في كاليفورنيا، الذي يُعتبر المصدر الرئيسي للعناصر الأرضية النادرة في أمريكا.
النحاس والكوبالت: وقود التحول إلى الطاقة المتجددة
لا يقتصر الصراع على العناصر الأرضية النادرة فقط، بل يمتد أيضًا إلى النحاس والكوبالت، وهما عنصران حيويان في صناعة البطاريات، خصوصًا بطاريات السيارات الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة. في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم نحو الانتقال إلى الطاقة المتجددة، تتزايد الحاجة إلى هذه المعادن.
النحاس هو المكون الأساسي في الأسلاك الكهربائية، حيث تُستخدم كميات هائلة من النحاس في شبكات الكهرباء، السيارات الكهربائية، وألواح الطاقة الشمسية، وبسبب هذا الطلب المتزايد، أصبحت تشيلي وبيرو من أبرز المصدرين لهذه المادة، بينما تتنافس الصين، التي تمتلك مصانع تكرير ضخمة، مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي للاستحواذ على أكبر حصة من السوق.
أما الكوبالت، فهو عنصر حيوي في بطاريات الليثيوم-أيون، التي تُستخدم في السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية المحمولة، ويُستخرج الكوبالت بشكل رئيسي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تمتلك نحو 70% من الاحتياطيات العالمية، ومع ذلك، فإن السيطرة على هذا السوق تشهد تحديات من قبل القوى الغربية والصين، نظرًا للظروف السياسية والاجتماعية الصعبة في منطقة استخراج الكوبالت، مما يجعل الإمدادات غير مستقرة. في هذا السياق، تسعى الصين إلى الهيمنة على سلسلة الإمداد بالكوبالت من خلال استثمارات ضخمة في جمهورية الكونغو.
الليثيوم: الذهب الأبيض لمستقبل السيارات الكهربائية
أما الليثيوم، الذي يُعرف أحيانًا بـ"الذهب الأبيض"، فهو يعتبر العنصر الأساسي في بطاريات السيارات الكهربائية، والتي تُعد المستقبل المنتظر للنقل المستدام، ومع تزايد الانتقال العالمي نحو السيارات الكهربائية، أصبح الطلب على الليثيوم في ارتفاع مستمر. أستراليا هي أكبر منتج لليثيوم في العالم، تليها تشيلي والأرجنتين، وهما جزء من "مثلث الليثيوم" في أمريكا الجنوبية، ومع تزايد الحاجة لهذا المعدن، تعمل الصين على استثمار مبالغ ضخمة في استخراج وتكرير الليثيوم، إلى جانب السيطرة على جزء كبير من سوق تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
من جهة أخرى، تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن تأمين مصادر الليثيوم أمر حيوي إذا كانت ترغب في تأمين قدرتها على صناعة السيارات الكهربائية، وبالتالي بدأ استثمارها في مشاريع استخراج الليثيوم المحلية، بما في ذلك في نيو مكسيكو وولاية نيفادا.
الجانب الجيوسياسي للصراع
الصراع على هذه المعادن لا يقتصر فقط على السيطرة الاقتصادية، بل هو صراع جيوسياسي، حيث تعتبر هذه العناصر حيوية للأمن الوطني والتكنولوجي، ففي السياق الأمريكي-الصيني، لا تقتصر المخاوف من فقدان السيطرة على هذه المعادن على التحديات الاقتصادية فحسب، بل تشمل أيضًا التأثيرات العسكرية، وفي حالة حدوث نزاع أو توتر سياسي، قد يؤدي نقص إمدادات هذه المعادن إلى إعاقة قدرة الدول على تصنيع الأسلحة المتقدمة، وأنظمة الرادار، والطائرات، وحتى الذكاء الاصطناعي، مما يهدد التفوق العسكري.
من خلال تحكمها في سلاسل الإمداد العالمية لهذه المعادن، تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها الجيوسياسي، وعلى الرغم من الجهود الغربية لتنويع المصادر، فإن الصين تواصل تعزيز سيطرتها من خلال استثمارات في المناجم العالمية، مثل مناجم الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكذلك عبر تطوير تقنيات إعادة التدوير التي تجعلها أكثر استقلالية.
السباق نحو تنويع الإمدادات
في ظل هذا الصراع المحتدم، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والدول الأخرى إلى تنويع مصادر إمداداتها من خلال الاستثمار في مشاريع تعدين جديدة، وتطوير تقنيات لتحسين عمليات إعادة التدوير. تعمل الولايات المتحدة على مشاريع كبيرة لاستخراج المعادن النادرة محليًا في مناطق مثل كاليفورنيا ونيو مكسيكو، وكذلك تعزيز التعاون مع دول مثل أستراليا والبرازيل لتأمين إمداداتها.
في الوقت نفسه، تتزايد جهود اليابان وكوريا الجنوبية لتنويع مصادر المعادن النادرة والكوبالت، حيث تحاول هذه الدول تقليل اعتمادها على الصين عن طريق توقيع صفقات مع دول أخرى غنية بالمعادن مثل فيتنام وأستراليا.
إن الصراع على المعادن الاستراتيجية مثل العناصر الأرضية النادرة، النحاس، الكوبالت، والليثيوم يُعد جزءًا من المعركة الكبرى على الهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين، وبينما تواصل الصين تعزيز قوتها في هذه المجالات، تسعى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى ضمان استقلالها في إمدادات هذه المعادن الحيوية لمستقبل التكنولوجيا والطاقة، هذا السباق من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية لن يتوقف، بل سيستمر في التأثير على التوازن الجيوسياسي والاقتصادي العالمي في السنوات القادمة.

نيسان ـ نشر في 2025-04-06 الساعة 07:36

الكلمات الأكثر بحثاً