اتصل بنا
 

الرأسمالية في زمن الفقاعات.. قراءة في المشهد المالي لعام 2025

نيسان ـ نشر في 2025-04-11 الساعة 08:14

x
نيسان ـ خاص-تواجه سوق الأسهم الأمريكية في عامنا هذا حالة من عدم اليقين، نتيجة تداخل مجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، إلا أن هذه التحولات لا يمكن قراءتها كتحركات عشوائية في السوق، بل يجب النظر إليها بوصفها انعكاسًا عميقًا لأزمة بنيوية يعيشها النظام الرأسمالي المعاصر، حيث تؤدي السياسات الاقتصادية والمالية إلى تعزيز الاحتكارات الكبرى وتراكم الثروات في يد قلة من كبار الرأسماليين؛ سواء في القطاعات الصناعية أو العقارية أو التكنولوجية أو المالية، ويؤدي هذا التركّز إلى إعادة إنتاج التفاوتات الطبقية وتوسيع رقعة الفقر والتهميش على مستوى عالمي.
من بين السياسات التي تكشف عن ملامح هذا النظام، تأتي قرارات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة كأداة يُفترض أنها لضبط التضخم؛ إلا أن أثرها الحقيقي يتجاوز ذلك، إذ تسهم هذه السياسات في تعزيز موقع رأس المال المالي وتحجيم قدرة الدول النامية والطبقات العاملة على مواجهة عبء الديون، فعلى سبيل المثال، أدى رفع الفائدة في عام 2024 إلى زيادة تكاليف الاقتراض في دول الجنوب العالمي، مما دفع بعضها إلى تقليص برامج الرعاية الاجتماعية أو تأجيل مشاريع تنموية حيوية، أما على مستوى الأفراد، فقد ارتفعت فوائد القروض العقارية في الولايات المتحدة بنسب فاقت 7٪، ما أدى إلى تراجع القدرة على تملك المنازل وارتفاع معدلات الإيجار في المدن الكبرى مثل نيويورك وسان فرانسيسكو.
التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، من الحرب الروسية الأوكرانية إلى العدوان الإسرائيلي على غزة، ليست أحداثًا معزولة؛ بل تشكّل جزءًا من صراع عالمي على الموارد والممرات التجارية والطاقة، وتؤثر بشكل مباشر على الأسواق المالية وأسعار المواد الأساسية، فأسعار النفط، على سبيل المثال، قفزت بنسبة 15٪ خلال الربع الأول من عام 2025 بسبب التوترات في الشرق الأوسط والقيود المفروضة على صادرات الطاقة الروسية، وهذا التقلب يُترجم في البورصات إلى حالة من عدم الاستقرار وزيادة في المضاربات.
أما قطاع التكنولوجيا، فيعكس بوضوح صورة الاحتكار المعاصر، حيث تهيمن شركات مثل "إنفيديا" و "تسلا" و "أبل" على الابتكار والمعرفة وتحوّلها إلى أداة لتعظيم الأرباح، مستخدمة الذكاء الاصطناعي لخفض التكاليف وزيادة الإنتاجية، دون أن ينعكس ذلك بالضرورة على تحسين شروط العمل أو الأجور، فشركة إنفيديا مثلًا تضاعفت قيمتها السوقية إلى أكثر من 2.2 تريليون دولار خلال أقل من عامين بفضل الطلب المتزايد على شرائح الذكاء الاصطناعي، في حين بقيت أجور العاملين في مصانع الإنتاج مستقرة أو حتى منخفضة بفعل تقليص عدد الموظفين واعتماد التشغيل الآلي.
تعكس البورصة الأمريكية اليوم ما يمكن تسميته بـ"فقاعة رأسمالية"؛ حيث ترتفع تقييمات الأصول والأسهم بشكل يفوق بكثير قيمتها الاقتصادية الحقيقية، وقد بلغ مؤشر ناسداك مستويات قياسية في مارس 2025 رغم تباطؤ النمو في قطاعات متعددة، ويعود ذلك في جانب كبير منه إلى ضخ استثمارات ضخمة من قبل الشركات الكبرى وصناديق التحوط وليس إلى تحسن فعلي في الأداء الاقتصادي، ويرى بعض المحللين أن هذا التضخم في الأسعار قد يُفضي إلى أزمة شبيهة بأزمة 2008؛ حين انفجرت فقاعة الرهون العقارية وتسببت في انهيار الأسواق المالية.
تُفسّر هذه الظواهر من خلال نظريات متعددة، فوفقًا للتحليل الماركسي، فإن تراكم رأس المال في يد نخبة صغيرة يؤدي إلى تعميق التناقضات في النظام، وتفاقم التفاوتات الطبقية، وصولًا إلى لحظة انفجار، في حين يرى خبراء اقتصاديون آخرون أن ما يحدث نتيجة لسياسات نقدية مفرطة واتساع دائرة المضاربات المالية.
أما الذكاء الاصطناعي، فعلى الرغم من كونه محرّكًا للنمو الاقتصادي، إلا أنه يعيد إنتاج التفاوت الاجتماعي حين يُحتكر من قبل عدد محدود من الشركات، فتقنيات مثل "تشات جي بي تي" و"ميتاجينيريشن" و"ديب مايند" ليست مجرد أدوات معرفية؛ بل تحوّلت إلى مصادر للربح الخاص، رغم كونها نتاجًا لجهد علمي عالمي ساهمت فيه مؤسسات أكاديمية وقطاع عام لسنوات، وهنا يبرز الحديث عن أهمية تشجيع التكنولوجيا المفتوحة والمبادرات التي تكفل النفاذ العادل إلى المعرفة والبيانات؛ مثل مشاريع الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر التي تسعى لتوفير بدائل عادلة للمجتمعات النامية.
في ضوء هذه المعطيات، فإن ما يبدو تفاؤلًا في مؤشرات الأسهم الأمريكية خلال عام 2025 قد يخفي خلفه بداية أزمة مالية أعمق، أزمة تنبع من التناقضات البنيوية للرأسمالية التي تركّز السلطة الاقتصادية في يد القلة وتُهمّش الأغلبية، ولهذا، فإن مواجهة هذه التحديات تتطلب سياسات اقتصادية جديدة تستند إلى العدالة الاجتماعية؛ كتشجيع الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، وتطوير سياسات نقدية متوازنة تُراعي حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة من تداعيات تقلبات السوق.

نيسان ـ نشر في 2025-04-11 الساعة 08:14

الكلمات الأكثر بحثاً