اتصل بنا
 

الفصل الأول من رواية دعنى أتكرر للكاتب عصام الدين محمد أحمد

نيسان ـ نشر في 2015-12-14 الساعة 11:56

x
نيسان ـ

1

رن هاتف عاصم،لم يستغرق الرد ثانية،بيد محمد لقمة تونة ،يزدردها على عجل،لم يمهل أى أحد فرصة الاستفسار عن قبلته.

أنحشرت اللقيمات فى زور عاصم،أنتابه مزيج الخوف والترقب، يقلب مؤشر التلفاز:

النجوع والقرى والحوارى الضيقة هائجة –كالعادة- بالمظاهرات ،الميادين الرئيسية مغلقة بقوات الشرطة والجيش،المحللون المؤيدون للحراك يصرخون نصرا وزهوا،والمعترضون ينعتونهم بالأرهاب.

تؤرجح المشاهد عاصم فى تيه الرؤى:

(حاق بى الفشل،أضحت حياتى درباَ معتماَ،لاأقدر على زجر الأولاد،أخوض معهم النقاش ،فيهزموننى،يتهمونى بالسلبية والتقاعس،يتعللون بأقوال رنانة،ينثرون مبادئ هشة،أحيانا يتهامسون بعجزى وكهولتى ،أنكفئ فى عبًى متفكراَ:

- ربما يصيبهم الصدق!

يسخرون من وجودى، ويتهمون والدتهم بالغباء ويزيحونها خارج نطاق الزمن،لاأعيرهم اهتماماَ وكأننى فيلسوف هذا الزمان المأفون،لا..بل أؤثر السلامة،وآبى الانكسار أمام هذه العقول الغرة.)

مرت ساعة ونصف والحوارات تذهب وتجئ فى ذهن عاصم المتعب،لايملك إلا أن يطلب محمدا ،يتسرب إليه صوت رائق ضاحك:

-أيوه ..أنا فى جامعة الدول؛لاأثر لأى مظاهرات.

-لا تتأخر؛فربما يكون اليوم شاقاَ!

-لاتشغل بالك؛فالشرطة لاوجود لها.

-ما الفائدة المرجوة من نزولك فى مثل هذه الأجواء الملبدة بالبارود؟

-يا باشا مجرد فسحة.

-عموما لا تتأخر.

تترامى إلى أذني عاصم رنين ضحكات ساخرة،أنشغل محمد ومنتصر فى مشاهد عبثية؛ضحك ولعب وهزل، مشادة هنا ،وتفنيد حجج الأباء الواهية هناك،يترنم محمد:

- تصرفات أبى تبعث القهقهات من مرقدها،كثيرا ما أظنه مهووسا بالأكاذيب،ولكنه على أية حال سلس القيادة.

يعقب منتصر:

- يعتقدون فى أنفسهم الذكاء.

الشوارع لا يسكنها إلا العسكر،لن تجد صريخا ابن يومين،فأمارات الحياة فرت مولية الدبر.

يدير عاصم مؤشر التلفاز،لا شئ جديد،يتخبط قلقا، يفترش بطانية رخيصة،تتجاذبه الانباء،تلوك الأفواه لادن الحماسة،ينهض دائرا فى الشقة؛من غرفة إلى غرفة ماراَ بالصالة والتوتر يصيبه بالهلع:

(- أمعقول أن تصيبه الطلقات؟ لماذا تركته يغادر؟أتتخلى بسهولة عن سلطة الأب؟ تبا لكل ديمقراطيات العالم! تبا للأخوان! تبا للتحالف الاشتراكى! تبا للسياسة! ماذا جنينا من السياسة غيرالأهانة؟ مظاهرة من بضعة آلاف؛طلقات نارية تنهال كالمطر،والنتيجة قتلى وجرحى ومعتقلون.أنغمست العقول فى دورق الهوس. لماذا تصر على مشاهدة هذه القنوات؟ لاشئ فيها غير الدماء والوعود بالنصر القادم. ألا توجد قنوات أخرى تزغرد وترقص؟

وهذا الغائب لا ناقة له ولا جمل فى سوق الأنعام،شذوذك لم يتح له إلاهذه الرسالة الاعلامية المدغدغة للإعصاب،تعاميت عن وظيفتك،لم تدع له فرص الاختيار،فأنت المعارض،كذبت،زيًفك التبرير،صنع منك دمية لا تجيد إلا البلاهة،أمسى الغائب فريسة،لا يملك أمام تعنتك حيلة أو قوة.)

سهام الوقت تغلغل عاصم،تنغله،ما جدوى المطارحات الفكرية! وفى ذات الوقت لا يملك شيئا سوى الانتظار،الساعة الآن تتجاوز الثانية عشر مساء،يتصل بالمحامى:

-كيف أتصرف؟

-انتظر،ربما يتصل بك.

-أأذهب إلى قسم الشرطة لأبلغ عن غيابه؟

-فى هذه الحالة أنت تتطوع بالابلاغ عن الولد.

-اعترف بعجزى عن التصرف.

-لا تملك إلا الصبر.

ينهي المكالمة،يحاول السيطرة على ارتعاشات جسده،صوتها يطارده:

-أمات الولد؟

-فألك سئ يا ولية.

يطوى الفرشة،يركنها جانباَ،يتكئ عليها،يفردها ثانية،يحضر وسادته المعتاد عليها،يضع رأسه فوقها،الصور تترى أمام ناظريه يقف فى مركز الصالة،يتحرك إلى المطبخ يتكعبل فى جردل مياه فارغ،يضع البراد على النار،يلقم الشاى والسكر فى الكوب،يتراجع مشدوهاَ أمام التلفاز،يستنطق المشاهد؛المعلومات غائبة،مظاهرة هنا وأخرى هناك،يتكاثر اللغط كالنبت الشيطانى.

بقبقة المياه تصله،يمشى الهوينى إلى المطبخ ،يصب المياه فى الكوب ، يقلب الشاى،يعود ليجلس فوق الوسادة،يصم الوشيش أذنيٌه:

- ما عهدته متعصبا،ما تنافر قضبينا.

أنقضى الوقت الرذيل،تخطت عقارب الساعة الثانية والنصف،رن هاتفه،يقبض عليه بيد مرتخية:

-أنا فى قسم العجوزة منذ المغرب.

يتلعثم لسانه،يكمل محمد:

-اتصل بالحاج وهدان،ليخرجنى من الحبس قبل العرض على النيابة.

لا يصدق ما يسمع،تتبخر مقاومته مخلفة بخار الوهن والتعب،يتهاوى الهاتف،تلتقطه نسمة ،يركنه على أذنيه،صوت محمد المتخاذل يأتيه:

-بسيطة،لم يثبت شئ،المشكلة فى صور المظاهرات المحملة على التليفون.

يردد بصوت حاد:

-لا وقت للعتاب ولا وقت للتأنيب وتفنيد الحجج.

صوت جهورى يقتحمه:

-لو عندك واسطة انقذه قبل ذهابه للنيابة.

أخيرا يتشجع بالرد:

- ربنا يسهل.

يطلب (صديق) :

-اعطنى رقم الحاج وهدان.

-خير؟

- أجتاحت محمد كارثة والوقت لا يسمح بالشرح.

أملاه الرقم،سرعان ما طلبه:

-محمد ممسوك فى قسم العجوزة بتهمة التظاهر.

- أيتبع الأخوان؟

- لا أخوان ولا يحزنون؛لا ينتمى لأى فصيل.

-سأحاول إيجاد حل.

يتصل عاصم بوالدته ،ربما يمكنها الضغط على ابن اخيها!:

-يا حاجة كلمى وهدان،معارفه فى الشرطة أصحاب مناصب،لكى يحفظوا المحضر ويخلوا سبيل محمد.

-يا لهوى،محمد ماله يا متعوس؟

- مقبوض عليه.

تنهى المكالمة،دعاء الستر يصدح فى هاتف عاصم،أرد:

-كلمت مدير الأمن؛قال لى:الموضوع كبيرولا مجال للشفاعة.

اضطربت المشاهد أمام ناظريه،تداخلت الأصوات،تتشظى الرؤى،يقعى على حافة الفراش المسمارية،يصهره وهج لمبة النيون،امتنع عن الهواتف تماما،دفس عينٌيه فى الأرض،أنتكست جهوده؛لا يملك القدرة على الوقوف أو الترنح،انضمر فى معجون البلادة،أظلام تام،تخفت أمارات الأصطراع فى نفسه:

(اللعبة مميتة،هذا ما أدركه أخيراَ،من بيده السلاح لن يقبل بوجود الآخر،أى آخر،تختطف دوائر القوة من تشاء والحجة فى نظام انتفض من قبره،لفظ التوارى،يعتقد فى خلوده خلوداَ مجرداَ،وأزاحته فعل اجرامى تأثمه كل الشرائع،ها هى النهايات التعيسة تحيق بالجميع؛الجروح والدماء والذل لمن قال لا،والولد الصغير لم يع الدرس بعد.يحسد نفسه على بقايا العقل؛بل هو مجرد فرد لصرة التبريرات والتعذيرات،يكابد محمد الليل بالاخفاق والنكوس، ها هو تعاركه النفس الحائرة:

-لا أدرى بالضبط لماذا حدث ما حدث؟ مجرد فكرة تضعنى فى يد ألد الأعداء. لماذا لا تعود عقارب الساعة عشر ساعات فقط،ربما يتطاير ما أنا فيه الآن غبارا؟ حاقت بى الضعضعات ومازال فى الجراب بقية أدوات،أسمعت إن للفرائس بقاء؟ لو أراد الحاج وهدان مساعدة أبى لتمكن من فك أسرى بمكالمة هاتفية،فجدتى تمجده وكأنه مندوب رعاية السماء،لا أظن أنه سيرفض طلبا لها،يا صعلوك هناك أمور يجب عدم الأقتراب منها والسفر بعيدا عن دائرة الأشتباه،وما أنت فيه جوهر هذه الدائرة. حتما على أبى إيجاد حلول،وفك القيود عن معصمى؛أليس موظفا كبيرا بالعدلية؟ يوسط وزيرا أو غفيرا؛لا يشغلنى الشخص،المهم أن يأتى ليخلصنى بيديه؛تبا لكل الأباء والظروف!

نيسان ـ نشر في 2015-12-14 الساعة 11:56

الكلمات الأكثر بحثاً