اتصل بنا
 

'على أونا، على دوي، على تري'

نيسان ـ نشر في 2025-04-14 الساعة 13:50

نيسان ـ في تقليب صفحات التاريخ، لا تمرّ الحكايات المتعلقة بالضرائب مرور الكرام، بل تصفعك بدهشة ممزوجة بالضحك المستهجن: كيف جرى هذا حقًا؟ وكيف قبلت الشعوب أن تُفرَض عليها ضرائب لا تقلّ عن خيال قصص ألف ليلة وليلة؟ لكن، ما إن نعود إلى حاضرنا، حتى يخطر ببالك أن ما نعيشه قد لا يقلّ عبثًا عمّا عاشوه، وربما أسوأ...
وفي تاريخ الضرائب عند الأمم، عبرةٌ لذوي الجيوب وتغليق الدروب.
يقول الجبرتي إن محمد علي، عندما أجبر العمال على العمل بالسُّخرة، وفوق ذلك فرض عليهم أن يدفعوا من جيوبهم أُجرة الطبال والزمار والمنشد الذين سيسوقونهم بألحان تفعل فعل السياط، لينشطوا في إنجاز مهمتهم بأفضل وأسرع ما يكون.
أما في زمن الحكم العثماني لمصر، فقد فُرضت ضريبة تُسمّى "ضريبة الكِراء"، فبعد أن يُلزم القرويون باستضافة عمال الوالي وإطعامهم عندما يذهبون لجبي الضرائب رغمًا عنهم، يُفرض على أهل القرية دفع ضريبة إضافية كأجرة بدل تلف وتعب أسنان الجُباة بتقطيع ومضغ الطعام.
أما في اليمن السعيد، زمن حكم الإمام يحيى، فقد تقرّر أنه يجب أن يمرّ كل الدخل الوطني — من القهوة والتوابل — عبر خزينة الإمام، وهو من يخصص النفقات التي يعتقد أنها مناسبة لرفاهية شعبه... "وكفى الله المؤمنين شرّ الضرائب".
في ذات السياق، ومحلّيًا، حيث لم تَعُد تفي بالغرض لا "الضريبة الخاصة" التي لا يعلم إلا الله والعارفون بالغيب ماهيتها، ومع عدم جدوى "ضرائب السلاحف" جميلة الذكر، وتعطُّل توربينات التفكير الحكومي بعيدًا عن السلب والنهب لإيجاد حلول للزنقة المالية، ما الضير إذن لو أشار "مجلس المبعوثان" — الذي ينتظر مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي لسنة 2025 — على صاحب العصمة "الصدر الأعظم"، بتطبيق قصة "بيوت الأرامل" التي أثارت، قبل أكثر من مئة عام، نقاشات البرلمان الإنجليزي، ثم تفتّق ذهن الساخر برنارد شو عن كتابة مسرحية عنها، حيث تُخصّص غرفة لكل شخص أرمل، أو يسكن مجموعة من الناس في نصف غرفة قذرة.
الفكرة خلاقة: نستطيع الجمع بين رؤية الإمام في الرفاهية و"بيوت الأرامل"، وبذلك يتم تأميم ما صَغُر وما كَبُر، وبالتالي الاستغناء عن الرواتب بكافة أشكالها وملكيات البيوت والأراضي، فتصرف لكل مواطن كوبونات ووجبات غذائية يومية، ويُشجَّع على السكن المشترك، والإعلاء من شأن التعايش والتعاون والمحبة.
بعيدًا عن الأسنان والزمار والخذلان، نصح ميكافيلي أميره نصيحته الأبدية قائلًا: "إنهم قد يسامحونك لو قتلتَ آباءهم، ولكنهم لن يسامحوك لو أخذتَ أموالهم".
وأما ابن خلدون، فهَمَسَ همسته التاريخية: "إذا كثرت الجباية أشرفت الدولة على النهاية".
وعندما تستضعف الحكومات شعوبها وتستبعد أية ردة فعل، مطمئنةً لحالة كمونهم، أو خشيتهم من "قصّ ألسنتهم وقطع أيديهم"، فعليها أن تضع في حسبانها أنهم قد يصلون إلى مرحلة لا يخافون فيها يومًا فقأ عيونهم دفاعًا عن وجودهم.
والحقيقة التي لا مراء فيها هي أنه لا يوجد في الدنيا عامل يوحّد الناس أكثر من الكراهية.
نافلة القول: إن ما تُخفيه كواليس المسرح أخطر ممّا يُعرض على الخشبة... وبدلًا من التصفيق نهاية العرض المسرحي، قد يخرج الجمهور إلى الشارع ينادي:
"على أونا، على دوي، على تري... من يدفع أكثر؟! بالجملةوالمفرّق!"

نيسان ـ نشر في 2025-04-14 الساعة 13:50


رأي: ميسر السردية

الكلمات الأكثر بحثاً