اتصل بنا
 

فيه حدا عايش .. ؟

نيسان ـ نشر في 2025-04-15 الساعة 09:39

نيسان ـ من الواضح ان كثيرا من الاشياء قد تغيرت، مفاهيم الحق والعدل والانسانية والخير والشر التي اكتشفها الإنسان وكرستها الشرائع السماوية والتشريعات الدنيوية تتبدل اليوم بقوة التهديد والسلاح وتأثير الايدلوجيات القائمة على مباديء العنصرية والتمييز والاستعلاء .
الهيمنة الواسعة للمال والسلطة وتنامي الرغبة لدى القوى المهيمنة على العالم والمحاولات المتجددة لفرض الارادة والسيطرة على العالم ومنع الشعوب وخصوصا العربية من استخدام حقها في التفكير والتعبير والتنظيم والتقدم اصبح واضحا .
بوسائل مختلفة يجري رعاية التخلف وتعميف الجهل والتأكد من حرمان الناس من كل فرص البناء الحقيقي للقدرات وأخذ مكانها في دوائر المنافسة والتأثير .
حتى اليوم أضاعت الامة العربية وقياداتها فرصا تاريخية للبناء والتحديث وتأخرت عن حجز مكانا لها ولشعوبها على سلم النهضة والتقدم والمنافسة العالمية، باستثناء الاقتصاد الريعي المتمثل بعائدات النفط والغاز، لم تتمكن أياً من بلدان العالم العربي ان تدخل مرحلة الصناعة او تحقق ايا من أسباب النهوض الذي يؤهلها لتصبح قوة قادرة على الدفاع عن نفسها او ردع عدوها ووقف ممارسات الغطرسة والاذلال او يحسب لها حساب في معادلات الحرب والسلام .
بالرغم من ان الناتج القومي الإجمالي لإيران لا يصل إلى نصف او ثلث الناتج القومي الإجمالي لبعض الاقطار العربية الا ان إيران قوة إقليمية مؤثرة يحسب لها حساب وتخشاها العديد من الانظمة العربية وبسرف الغرب في تصويرها كمصدر للتهديد الاقليمي من اجل طلب حماية الغرب وتوليد الحاجة لا نفاق المليارات على التسلح لصد هجمات افتراضية محتملة من دولة لا يزيد ناتجها القومي عن ٤٥٠ مليار دولار سنويا.
لقد ابتعدت الامة العربية او أُبعدت عن استثمار أموالها لبناء نفسها او تطوير مشروع جدي يعبر عن وجودها وهويتها وارثها ومكانتها، فقد جرى العمل على تقسيمها الى كيانات ضعيفة كرست ثقافة الاستهلاك والتفاخر ودخلت في صراعات لا تنتهي بفعل بذور الفتنة والاثارة والخلاف والشك الذي استوطن في وجدانها وشكل وجودها ومصيرها وجعلها تنكفي على نفسها وتكتفي بحضور هامشي تحاول الدفاع عن استمراره بوسائل مختلفة دون النظر الى المستقبل او وجود أهداف وطنية قومية تنموية مستقبلية واضحة .
الدنيا لم تعد الدنيا وللمرة الاولى أشعر بأن كل شيء أصبح مسألة رأي فلا يبدو ان هناك ثوابت ولا مسلمات، الحالمون هم الذين يلاحقون بعض الافكار والقيم التي ظنوا انها مسلمات .
من يستمع للآراء والتحليلات والطروحات التي تحتل مساحة واسعة في الفضاءات الاعلامية يصاب بالذهول من هول ما يسمع لدرجة انك قد تسأل نفسك إذا ما كنت تعيش مع هؤلاء الناس على نفس الكوكب .
في مرات عديدة كنت أقول ربما فاتني شيء ما او ان الاخرين يرون اشياء لا أراها فاعود لأراجع المعطيات والشواهد لاستعيد الثقة بصحتي العقلية .
أحد الفيديوهات التي يجري مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي تتضمن مشهد لحي من أحياء قطاع غزة وطفل فلسطيني يتجول وسط ركام المباني التي جرى تدميرها على رؤوس اهلها فقضى البعض ودفن البعض أحياء ولا شيء في المكان الا اليافع الذي يصرخ وينادي باعلى صوته وسط كل هذا الدمار " هل هناك أحياء ؟ ".
لا شكل الطفل ولا عمره ولا قدراته توحي ان بمقدوره ان يفعل شيئا لمن لا زالوا يتنفسون تحت هذا الركام. والشيء الوحيد الذي يحمله هذا الصوت العميق في الفضاء الصامت الحزين ان بمقدور الصوت ان يرحل بعيدا ليسمع من كان حيا....
في غزة التي اصبحت اخر رمز لرفض الاذلال و الخنوع والتبعية ومقاومة الهيمنة والتوحش والعنصرية والاستعلاء لا يزال البعض يؤمن قولا وفعلا بدعوة الشاعر الفلسطيني عبدالرحيم محمود في قصيدته التي تقول " سأحمل روحي على راحتي ..والقي بها في مهاوي الردى . فإما حياة تسر الصديق ...وإما ممات يغيظ العدى" .
وإما لليافع الفلسطيني الذي يتجول بين ركام المدينة التي دمرت فوق رؤوس اهلها اقول لا يا صديقي هؤلاء هم الأحياء حتى وان لفضوا انفاسهم ...وأظن أننا نحتاج ان نستعير منك عبارة السؤال ونوجهها لأنفسنا ونقول: هل بيننا أحياء؟!..

نيسان ـ نشر في 2025-04-15 الساعة 09:39


رأي: د. صبري الربيحات

الكلمات الأكثر بحثاً