اتصل بنا
 

قبيلات تكتب : حفيدي امير.....

نيسان ـ بقلم د نجوى قبيلات ـ نشر في 2025-04-19 الساعة 13:42

x
نيسان ـ بقلم د نجوى قبيلات
يا مَن وُلِدتَ وفي دمك حكاياتُ الأوفياءِ، وفي خطواتِكَ صدى أقدامِ الأجدادِ،
اسمعْ وصيّةَ الجدةِ، فهي زادُكَ في الطريقِ، وصِلَتُكَ بالترابِ.
واعلمْ، يا قُرَّةَ العينِ، أنَّ الوطنَ ليس حجارةً تُرَصُّ، ولا خطوطًا تُرسمُ، بل هو روحٌ تسكنُك، وذاكرةٌ تنبضُ في المدى
وهو الأمانةُ التي أودعَها اللهُ في أعناقِنا، والنورُ الذي لا يغيبُ مهما طالت الغربة،
هو القريةُ التي ضحكْنا فيها،
والخبزُ الذي تشاركْناه على الصاجِ، والمئذنةُ التي تناديك في كلِّ فجرٍ بعد الصلاةِ:
قُمْ، فأنت ابنُ الأرضِ.
حفيدي... نبضَ قلبي،
يا مَن وُلِدتَ وفي قلبِك بذورُ الحبِّ، وفي جبينِك إشراقةُ شمسِ الوطنِ،
أوصيكَ بهذا الوطنِ خيرًا؛
احملْهُ في قلبِك في حلكَ وترحالِك،
وسيِّجْهُ بأهدابِ العينِ
وانقشْ اسمَه في دعائِكَ عند السجودِ.
الوطنُ، يا بُنيَّ، هو السهولُ والجبالُ التي شهدَت خطى أقدامِنا، وداعبَ ترابَها سككُ الحرّاثينِ،
وعانقَ زرعَها مناجلُ الحصّادينِ
لقد كانت بيادرُها شاهدةً على الشاعوبِ والمذراةِ وهي تُراقصُ السنابلَ لتُسمِعَنا ضحكاتِ الأوفياءِ في ليلةٍ اكتملَ بدرُها، فأنارَ لهم سماءَ "الغَلَّةِ".
حيث تنتقلُ حبّاتُ الخيرِ بين الغربالِ والكِرْبالِ، والصاعِ، و"شُوالاتِ" الخطِّ الأخضرِ والخطِّ الأحمرِ.
أيّها الفرعُ الذي نبتَ من أشجارِ الوطنِ المُعمرةِ،
إيّاكَ أن تغفلَ عن ترابِ الوطنِ، ففي كلِّ ذرةٍ منه دمُ شهيدٍ، وفي كلِّ زهرةٍ دعاءُ أمٍّ وجدّةٍ،
وفي كلِّ نخلةٍ ظلُّ أبٍ حملَ المعولَ وبنى.
اغرسْ في أرضِه خيرًا، واسقهِ من علمِك، وطيّبْ خصالَهُ بأخلاقِكَ.
واذكرْ في كلِّ نبتةٍ تُزهرُ فضلَ الخالقِ الذي جعلها شاهدًا على حبِّك لوطنِك.
كُنْ له درعًا وسيفًا، وردًا وسياجًا، وإن غِبتَ عنه، فاذكرْ اسمَهُ في الغربةِ كما يُذكَرُ المحبوبُ في الشوقِ، وإن ضاقتْ بكَ السُّبلُ، فعُدْ إليهِ، فحضنُه لا يضيقُ.
أمير...
حين تمشي في طرقاتِ الوطنِ، امشِ بخفّةٍ،
فهذه الطُّرُقاتُ تحفظُ أنينَ جدّاتِكَ،
وضحكاتِ أحبابِكَ،
ورَكضَكَ في الطفولةِ.
فلا ترفعْ صوتَكَ على جدرانِه،
ففيها سرُّ الحكايا التي لم تُروَ،
وصدى القصائدِ التي خجلَ الشعراءُ من قولِها.
يا أمير، لا تنسَ الجيرانَ وأهلَ الحارةِ، فالوطنُ لا يُبنى بالخرائطِ، بل بالقلوبِ المتّصلةِ والعامرةِ بالحبِّ.
فالترابُ لا يزدهرُ إن لم يُزرعْ بالمحبّةِ.
وأخيرًا يا حفيدي، إن جاءكَ من يسألُكَ: "ما الوطنُ؟" فقلْ له:
هو ذلك الترابُ الذي أوصتْني به جدّتي، وأمانةٌ لا تضعُها الأيامُ، وعهدٌ لا تخونهُ الرياحُ.
وَقُلْ لهم كما قال أميرُ الشعراءِ:
وَطَنِي لَوْ شُغِلْتُ بِالخُلْدِ عَنْهُ ***** نَازَعَتْنِي إِلَيْهِ فِي الخُلْدِنَفْسِي.

نيسان ـ بقلم د نجوى قبيلات ـ نشر في 2025-04-19 الساعة 13:42

الكلمات الأكثر بحثاً