اتصل بنا
 

حرب الرأي العام

كاتب اردني

نيسان ـ نشر في 2025-04-19 الساعة 21:58

نيسان ـ في عصرنا الحالي، أصبح الرأي العام أداة ذات قوة هائلة، بل وأحد أهم عناصر التأثير السياسي والاجتماعي. فبينما كان التأثير السياسي يعتمد في الماضي على القوة العسكرية أو الاقتصادية، أصبح الآن يعتمد على القدرة على تشكيل الرأي العام وتوجيهه نحو أهداف محددة. هذه الظاهرة تُعرف بـ "إدارة المفاهيم"، وهي فن يتم استخدامه بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الأردن.
إدارة المفاهيم ليست مجرد حملات دعائية أو إعلامية، بل هي عملية استراتيجية معقدة تتطلب توجيه الأفكار وتغيير المفاهيم في أذهان الجماهير بشكل تدريجي، يتخلله تكرار مستمر وتلاعب بالأبعاد النفسية والاجتماعية. الهدف هو تغيير قناعات الناس حتى يصبحوا مقتنعين تمامًا بفكرة ما، حتى وإن كانت هذه الفكرة غير صحيحة أو مشوهة.
الخطورة تكمن في استخدام "إدارة المفاهيم المجتمعية"، وهي ليس مجرد تأثير فردي، بل إعادة تشكيل الصورة الذهنية لأفراد المجتمع ككل تجاه قضايا معينة. قد يشمل ذلك التلاعب بالمفاهيم الدينية، الاجتماعية أو السياسية، وهو ما يؤدي إلى إحداث تغييرات جذرية في فهمهم للواقع من حولهم.
وفي السياسة، تُستخدم إدارة المفاهيم من قبل الحكومات والأنظمة السياسية، بل وحتى الجهات الخارجية، لتوجيه الرأي العام لصالح أهداف معينة. من خلال هذه الأداة، يمكن للأنظمة تبرير قرارات غير شعبية، خلق أعداء وهميين، أو تسويق قضايا مثيرة للجدل، وتحويل الانتباه عن المشكلات الأساسية.
في الأردن، يواجه الرأي العام تحديات كبيرة في هذا السياق. تتعدد الوسائل المستخدمة لتوجيه الرأي العام الأردني، بدءًا من الحملات الإعلامية المحلية وصولًا إلى التأثيرات الخارجية التي تحاول نشر روايات مغلوطة تهدف إلى تقويض ثقة الشعب بمؤسساته الوطنية. في هذه الظروف، يصبح من السهل زراعة مشاعر الإحباط والانقسام بين المواطنين.
لكن الخطر الحقيقي يكمن في تحويل الناس إلى متلقين سلبيين للمعلومات، بحيث يصبحون عاجزين عن التمييز بين الحقيقة والخداع، وبالتالي لا يستطيعون تشكيل آراء مستقلة. هذا الواقع يشكل تهديدًا على الهوية الوطنية ويقوض قدرة المواطنين على اتخاذ قرارات حرة وواعية.
سلبيات تأثير إدارة المفاهيم على الرأي العام:
1. تفكيك الوحدة الوطنية: عندما تتعدد الرسائل المضللة وتتداخل الأجندات الخارجية، يؤدي ذلك إلى ضعف الشعور بالوحدة الوطنية بين المواطنين. فتتسع الفجوة بين فئات المجتمع، وتضعف الروابط المشتركة التي تجمعهم.
2. ضعف الثقة في المؤسسات: مع تزايد الحملات التي تشوه صورة الدولة والمجتمع، تتضاءل ثقة الناس في مؤسساتهم الوطنية. هذا يؤدي إلى شعور متزايد من العزلة والرفض تجاه السلطات المحلية، ما يعقد جهود التنمية والاستقرار.
3. إضعاف التفكير النقدي: عندما يصبح الرأي العام عرضة للتأثير المتواصل والموجه، تتقلص قدرة الأفراد على التفكير النقدي والتحليل المستقل. يصبح الجمهور أقل قدرة على التمييز بين المعلومات الموثوقة والمضللة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة.
4. نشر الإحباط والفتنة: تساهم إدارة المفاهيم في نشر الإحباط بين المواطنين، من خلال التركيز على مشكلات وهمية أو تضخيم الأزمات الموجودة. هذا يؤدي إلى شعور عام باليأس، وقد يقود إلى فتن وصراعات داخلية تؤثر على الاستقرار المجتمعي.
5. ترويج العنف والتطرف: في بعض الأحيان، تستخدم إدارة المفاهيم لتوجيه الناس نحو العنف أو التطرف من خلال صناعة أعداء وهميين أو تحريف الحقائق التاريخية. هذه الأساليب تسهم في تغذية التوترات الطائفية أو العرقية داخل المجتمع.
6. تشويه الهويات الثقافية والدينية: يمكن أن تساهم هذه الحملات في تشويه الهويات الثقافية والدينية للمجتمع، بترويج أفكار قد تؤدي إلى تحريف القيم والمعتقدات التي تشكل أسس المجتمع. هذا التغيير التدريجي يؤدي إلى فقدان الإحساس بالانتماء والفخر بالهوية الوطنية.
7. استبدال الحقيقة بالوهم: عندما تسيطر إدارة المفاهيم على الرأي العام، تبدأ الحقيقة في الاختفاء وتظهر الأكاذيب كحقائق ثابتة. هذا يعزز الشكوك وعدم الثقة في المعلومات، ويجعل من الصعب تصحيح المسارات الخاطئة التي قد تسلكها الأمة.

نيسان ـ نشر في 2025-04-19 الساعة 21:58


رأي: أنَس الطوالبه كاتب اردني

الكلمات الأكثر بحثاً