القوى اليسارية والقومية والوطنية.. لملمة الشتات بدلا من لعب دور الضحية والانقضاض على الآخر.. الحاجة الى وحدة تنقذ المستقبل
فراس عوض
كاتب
نيسان ـ نشر في 2025-04-26 الساعة 22:37
نيسان ـ في المشهد السياسي الأردني، تبدو قوى التحرر واليسار والقوميين كأسرى لحالة من التشرذم المزمن والعجز عن تجاوز خلافاتهم القديمة، وكأنهم لم يدركوا بعد أن قوانين اللعبة تغيرت، وأن الواقع لم يعد ينتظر المتأخرين. في ظل قانون انتخاب لا يخدم سوى القوى المنظمة القادرة على الحشد والانضباط، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، تبقى هذه التيارات حبيسة أوهامها، تتصارع فيما بينها على سراب زعامات واهية، فيما تفشل في تقديم بديل وطني حقيقي يستنهض الطاقات الكامنة في المجتمع.
من يمارس السياسة ويفهم ديناميكياتها يدرك أن كل ما يجري ليس سوى زوبعة في فنجان، ضجيج عابر لا يغير شيئًا من جوهر المأزق القائم. يعلم أن المعركة ليست في تبادل الاتهامات ولا في شيطنة الآخر، بل في القدرة على لملمة الشتات، وترميم الثقة، وإعادة بناء جسور الاتصال مع الناس، أولئك الذين لم يعودوا يكترثون بالشعارات الكبيرة ولا بالخطب الرنانة، بل يبحثون عن من يمثلهم بواقعية ومسؤولية. المطلوب هو الانخراط الجاد في عملية إعادة البناء السياسي، لا الوقوع مجددًا في فخ الدور المريح للضحية والانهماك في جلد الذات أو الانقضاض على الحلفاء المحتملين.
لقد رأينا جميعًا نتائج الانتخابات الأخيرة، وكم كانت صادمة. قوى اليسار وقوى التحرر والقوميين لم تحصد إلا كسورًا متناثرة من الأصوات، لم ترقَ حتى لتأمين مقعد واحد يليق بتضحياتها وتاريخها. هذه النتيجة لم تكن نتاج تآمر ولا مؤامرة كونية، بل نتيجة طبيعية لانقسام هذه القوى، وعجزها عن أن ترى ما هو أبعد من حدودها الضيقة. لو أنها اجتمعت على برنامج وطني واضح، وتحررت من الأناوات الزائفة، والرؤوس المتضخمة، والزعامات الوهمية، والافكار البالية، لكانت قادرة على حصد عشرات المقاعد، ولربما أعادت التوازن إلى المشهد السياسي برمته.
إن الحقيقة المرة التي يجب أن يواجهها الجميع بشجاعة أن القوانين الحالية، وفي مقدمتها قانون الانتخاب، لا تعطي فرصة حقيقية إلا للجماعات المنظمة القادرة على حشد جماهيرها في صناديق الاقتراع. لا المجاملات ستنفع، ولا البكائيات ستعيد الحقوق الضائعة. وحده التنظيم الفعّال، والعمل الدؤوب، والانخراط اليومي مع قضايا الناس، هو الطريق إلى استعادة المكانة والدور.
وفي هذا السياق، تصبح الدعوة إلى الانضواء تحت مظلة حزب العمال ضرورة وطنية لا ترفًا سياسيًا. فهذا الحزب الذي أحرز الأصوات الأعلى بين تيارات يسار الوسط في الانتخابات الأخيرة، يشكل اليوم الإطار الواقعي والملائم والمرحلي لاحتضان قوى التحرر والمدنية والديمقراطية، إنه مظلة حقيقية يمكن أن تتسع لكل من يسعى إلى مشروع وطني تقدمي جامع، بعيدًا عن الزعامات الفردية والمصالح الضيقة، وقادرًا على تشكيل كتلة وازنة تقلب المعادلة القائمة. فبدلًا من التشظي إلى كيانات صغيرة متصارعة، آن الأوان للتيارات المبعثرة أن تذوب في بوتقة واحدة، تحفظ اختلافها ضمن وحدة سياسية صلبة، تنطلق منها إلى معركة الإصلاح السياسي والاجتماعي بثقة وقوة، وهذا لا يعني الغناء ايديولوجياتها التاريخية ، بل سيكون الامر سهلا من خلال تداول السلطة والتعددية داخل مظلة الحزب الواحد.
الهجوم على الآخر، خاصة عندما يكون الآخر أكثر تنظيمًا وجاهزية، لا يحقق إلا نتيجة واحدة: مضاعفة شعبية المستهدف، وترسيخ حضوره، بينما يبقى المهاجمون يراوحون في أماكنهم، عاجزين عن تحقيق أي اختراق حقيقي. معركة الوجود السياسي ليست معركة شعارات ولا بيانات هجومية، بل معركة صبر وتنظيم وعمل ميداني طويل النفس. وحده من يملك الجرأة ليعيد النظر في نفسه أولًا، قبل أن يصوب سهامه نحو الآخرين، يستطيع أن يحجز مكانًا مؤثرًا له في قادم الأيام.
على قوى التحرر واليسار والقوميين أن تدرك أن ما فاتها من فرص لم يضِع بعد، وأنها قادرة، إن هي أرادت بصدق وتواضع، أن تعود إلى الساحة من بوابة الوحدة والتعددية والانفتاح على الجماهير. المطلوب اليوم ليس الذوبان في مشروع الآخر، بل تأسيس مشروع جامع يمثل يسار الوسط الوطني، حزب واحد تعددي، واسع الأفق، يستوعب الاختلاف ويحتضن التنوع، وينفتح على المستقبل دون أن ينكر جذوره.
هذا الطريق ليس سهلاً، لكنه الطريق الوحيد. اللعب على حافة الانقسامات والصراعات الهامشية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الغرق في مستنقع التهميش. لم يعد هناك وقت لإضاعة المزيد من الفرص، ولم يعد هناك مجال لمزيد من المكابرة. النضال الحقيقي اليوم يبدأ بإعادة النظر، بالتواضع أمام دروس التجربة، وبالشجاعة في الاعتراف بالأخطاء. لا يكفي أن نلعن الظلام، بل يجب أن نشعل شمعة، لا يكفي أن ننتقد القوانين، بل علينا أن نخلق القوة التي تفرض تعديلها.
إن من يريد أن يكون له مكان متقدم في البرلمان القادم، لا بد أن ينخرط اليوم قبل الغد في بناء كتلة سياسية واحدة متماسكة واعية، تحت مظلة حزب يملك قاعدة انطلاق قوية مثل حزب العمال، وقادر على استقطاب شرائح واسعة من الأردنيين الباحثين عن بديل حقيقي. وحده التنظيم الواسع، المتحرر من القيود القديمة، والقادر على تجديد نفسه، يستطيع أن يقلب الموازين.
أما من يصر على الغرق في جلد الذات، أو نصب المعارك الوهمية، أو البكاء على مظلومية لا تثمر إلا مزيدًا من العجز، فسيجد نفسه معزولًا أكثر فأكثر، ولن تجدي حينها كل الخطابات الثورية ولا المزايدات السياسية. الغد قريب، ومن لا يحجز مكانه اليوم، سيجد الأبواب موصدة في وجهه غدًا. السياسة لا ترحم الضعفاء ولا تكرم المترددين، وأمة لا تلتقط لحظتها التاريخية، تبقى عالقة على هامش الزمن. وإن غدًا لناظره قريب.
من يمارس السياسة ويفهم ديناميكياتها يدرك أن كل ما يجري ليس سوى زوبعة في فنجان، ضجيج عابر لا يغير شيئًا من جوهر المأزق القائم. يعلم أن المعركة ليست في تبادل الاتهامات ولا في شيطنة الآخر، بل في القدرة على لملمة الشتات، وترميم الثقة، وإعادة بناء جسور الاتصال مع الناس، أولئك الذين لم يعودوا يكترثون بالشعارات الكبيرة ولا بالخطب الرنانة، بل يبحثون عن من يمثلهم بواقعية ومسؤولية. المطلوب هو الانخراط الجاد في عملية إعادة البناء السياسي، لا الوقوع مجددًا في فخ الدور المريح للضحية والانهماك في جلد الذات أو الانقضاض على الحلفاء المحتملين.
لقد رأينا جميعًا نتائج الانتخابات الأخيرة، وكم كانت صادمة. قوى اليسار وقوى التحرر والقوميين لم تحصد إلا كسورًا متناثرة من الأصوات، لم ترقَ حتى لتأمين مقعد واحد يليق بتضحياتها وتاريخها. هذه النتيجة لم تكن نتاج تآمر ولا مؤامرة كونية، بل نتيجة طبيعية لانقسام هذه القوى، وعجزها عن أن ترى ما هو أبعد من حدودها الضيقة. لو أنها اجتمعت على برنامج وطني واضح، وتحررت من الأناوات الزائفة، والرؤوس المتضخمة، والزعامات الوهمية، والافكار البالية، لكانت قادرة على حصد عشرات المقاعد، ولربما أعادت التوازن إلى المشهد السياسي برمته.
إن الحقيقة المرة التي يجب أن يواجهها الجميع بشجاعة أن القوانين الحالية، وفي مقدمتها قانون الانتخاب، لا تعطي فرصة حقيقية إلا للجماعات المنظمة القادرة على حشد جماهيرها في صناديق الاقتراع. لا المجاملات ستنفع، ولا البكائيات ستعيد الحقوق الضائعة. وحده التنظيم الفعّال، والعمل الدؤوب، والانخراط اليومي مع قضايا الناس، هو الطريق إلى استعادة المكانة والدور.
وفي هذا السياق، تصبح الدعوة إلى الانضواء تحت مظلة حزب العمال ضرورة وطنية لا ترفًا سياسيًا. فهذا الحزب الذي أحرز الأصوات الأعلى بين تيارات يسار الوسط في الانتخابات الأخيرة، يشكل اليوم الإطار الواقعي والملائم والمرحلي لاحتضان قوى التحرر والمدنية والديمقراطية، إنه مظلة حقيقية يمكن أن تتسع لكل من يسعى إلى مشروع وطني تقدمي جامع، بعيدًا عن الزعامات الفردية والمصالح الضيقة، وقادرًا على تشكيل كتلة وازنة تقلب المعادلة القائمة. فبدلًا من التشظي إلى كيانات صغيرة متصارعة، آن الأوان للتيارات المبعثرة أن تذوب في بوتقة واحدة، تحفظ اختلافها ضمن وحدة سياسية صلبة، تنطلق منها إلى معركة الإصلاح السياسي والاجتماعي بثقة وقوة، وهذا لا يعني الغناء ايديولوجياتها التاريخية ، بل سيكون الامر سهلا من خلال تداول السلطة والتعددية داخل مظلة الحزب الواحد.
الهجوم على الآخر، خاصة عندما يكون الآخر أكثر تنظيمًا وجاهزية، لا يحقق إلا نتيجة واحدة: مضاعفة شعبية المستهدف، وترسيخ حضوره، بينما يبقى المهاجمون يراوحون في أماكنهم، عاجزين عن تحقيق أي اختراق حقيقي. معركة الوجود السياسي ليست معركة شعارات ولا بيانات هجومية، بل معركة صبر وتنظيم وعمل ميداني طويل النفس. وحده من يملك الجرأة ليعيد النظر في نفسه أولًا، قبل أن يصوب سهامه نحو الآخرين، يستطيع أن يحجز مكانًا مؤثرًا له في قادم الأيام.
على قوى التحرر واليسار والقوميين أن تدرك أن ما فاتها من فرص لم يضِع بعد، وأنها قادرة، إن هي أرادت بصدق وتواضع، أن تعود إلى الساحة من بوابة الوحدة والتعددية والانفتاح على الجماهير. المطلوب اليوم ليس الذوبان في مشروع الآخر، بل تأسيس مشروع جامع يمثل يسار الوسط الوطني، حزب واحد تعددي، واسع الأفق، يستوعب الاختلاف ويحتضن التنوع، وينفتح على المستقبل دون أن ينكر جذوره.
هذا الطريق ليس سهلاً، لكنه الطريق الوحيد. اللعب على حافة الانقسامات والصراعات الهامشية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الغرق في مستنقع التهميش. لم يعد هناك وقت لإضاعة المزيد من الفرص، ولم يعد هناك مجال لمزيد من المكابرة. النضال الحقيقي اليوم يبدأ بإعادة النظر، بالتواضع أمام دروس التجربة، وبالشجاعة في الاعتراف بالأخطاء. لا يكفي أن نلعن الظلام، بل يجب أن نشعل شمعة، لا يكفي أن ننتقد القوانين، بل علينا أن نخلق القوة التي تفرض تعديلها.
إن من يريد أن يكون له مكان متقدم في البرلمان القادم، لا بد أن ينخرط اليوم قبل الغد في بناء كتلة سياسية واحدة متماسكة واعية، تحت مظلة حزب يملك قاعدة انطلاق قوية مثل حزب العمال، وقادر على استقطاب شرائح واسعة من الأردنيين الباحثين عن بديل حقيقي. وحده التنظيم الواسع، المتحرر من القيود القديمة، والقادر على تجديد نفسه، يستطيع أن يقلب الموازين.
أما من يصر على الغرق في جلد الذات، أو نصب المعارك الوهمية، أو البكاء على مظلومية لا تثمر إلا مزيدًا من العجز، فسيجد نفسه معزولًا أكثر فأكثر، ولن تجدي حينها كل الخطابات الثورية ولا المزايدات السياسية. الغد قريب، ومن لا يحجز مكانه اليوم، سيجد الأبواب موصدة في وجهه غدًا. السياسة لا ترحم الضعفاء ولا تكرم المترددين، وأمة لا تلتقط لحظتها التاريخية، تبقى عالقة على هامش الزمن. وإن غدًا لناظره قريب.
نيسان ـ نشر في 2025-04-26 الساعة 22:37
رأي: فراس عوض كاتب