برلمان من في مصر؟
عمرو حمزاوي
كاتب مصري
نيسان ـ نشر في 2015-12-15 الساعة 14:21
في البرلمان المصري الجديد أغلبية ساحقة ممن أيدوا جريمة القتل في رابعة. وبعضهم دبج بيانات ترقص على دماء الضحايا وتمتدح السلطات التي استخدمت القوة المفرطة.
في البرلمان أغلبية ساحقة ممن برروا كافة انتهاكات حقوق الإنسان والحريات التي سبقت جريمة رابعة وتلتها. وبعضهم ذهب في إنكار جرائم القتل خارج القانون والتعذيب والاختفاء القسري وسلب الحرية والحبس الاحتياطي اللانهائي إلى مواضع من اللامعقول لم تذهب إليها السلطوية الحاكمة. في البرلمان أغلبية ساحقة ممن يختزلون الوطن في سلطة والدولة في حاكم، ويلغون الحدود الفاصلة بين الوطن والدولة وبين السلطة والحاكم. يصرخون قبل الانتخابات «سنكون الظهير السياسي للرئيس»، «نحن السباقون في تأييده عن غيرنا»، «نحن الذين سنعدل القواعد الدستورية لنضيف إلى صلاحياته التنفيذية وننتقص طوعا من صلاحياتنا التشريعية التي ربما تضرر منها»، وغير ذلك من عبارات التأييد تهليلا وجمل تسجيل الانسحاق. وفي الصراخ يغيب كل حديث عن الشعب الذي يفترض فيهم تمثيله وعن مصالح الناس التي تستدعي سلطة تشريعية قوية تحول دون تغول السلطة التنفيذية وتوازن بين السلطات، هذا إذا ما استثنينا بعض الإشارات الهزلية إلى «الشعب الذي ينتظر الكثير من البرلمان» وفي طليعة ما ينتظر «تأييد الرئيس» المرفوع إلى مصاف الأبطال المنقذين. ثم يعلنون في أعقاب الانتخابات عن تشكيل ائتلاف لدعم السلطة والحاكم يسمونه ائتلاف دعم الدولة.
في البرلمان أغلبية ساحقة ممن اصطفتهم «للعضوية» الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، أو وافقت على ترشحهم ولم تعترض على عضويتهم القادمة. منهم المحسوبون على النخب الاقتصادية والمالية المتحالفة مع السلطوية الحاكمة الذين وظفوا المال لشراء الأصوات بعد أن وافقت الأجهزة على ترشحهم، ووثقت تقارير المنظمات غير الحكومية وعديد اللقطات المصورة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي عمليات شراء الأصوات. منهم خدمة السلطان الذين تحدد لهم الأجهزة الأدوار، وتملي عليهم ما يفعلون ويكتبون ويقولون. منهم عسكريون وأمنيون سابقون يتجاوز عددهم في البرلمان حاجز المائة، والهدف من وجودهم في التحليل الأخير هو «السيطرة على النواب المدنيين» الذين تصنفهم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية «كمتفلتين» بطبعهم يحتاجون إلى الضبط والربط.
في البرلمان أغلبية ساحقة ممن يحفظون عن ظهر قلب مفردات الخطاب الرئاسي / الرسمي عن «الشعب الذي هو جزء من الجيش» وعن «حالات التعذيب التي تمثل حالات فردية» وعن «المؤامرات التي تحيط بنا من كل صوب وحدب» وعن «ضرورة تماسكنا كصف واحد في وجه المؤامرات والمتآمرين» وعن «الرئيس الذي لولا قيادته لضاع الوطن وانهارت الدولة»، وغيرها. هؤلاء يدعون احتكارهم للحق الحصري للحديث باسم الوطنية ومصلحة مصر والأمن القومي، وحين يسألون عن ماهية المؤامرات التي تطوقنا يصمتون أو عن كيف تمثل جرائم القتل خارج القانون والتعذيب في أماكن الاحتجاز والاختفاء القسري دفاعا عن مصلحة البلاد وأمنها القومي يسكتون.
في البرلمان أغلبية ساحقة ممن لا رؤية تشريعية معلنة لهم ولا اهتمام بأجندة رقابية حقيقية، بل نزوع مبدئي معلن للموافقة الجماعية على الفعل التشريعي المتضخم لرأس السلطة التنفيذية خلال الفترة الماضية (أكثر من مائتي قانون وتعديل قانوني مررتهم الرئاسة المؤقتة للمستشار عدلي منصور والرئاسة الحالية). ولأن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية هي التي شكلت البرلمان ـ ومعها المال، ستتطلع الأغلبية الساحقة من الأعضاء إلى مشروعات القوانين التي ستدفع بها إليهم السلطة التنفيذية لكي يمرروها دون إضافة أو حذف، وستستبدل الأجندة الرقابية باحتفاء بالوضعية الاستثنائية للمؤسسة العسكرية التي جعل منها الدستور دولة فوق الدولة وإصرار جماعي على نفي أي اتجاه إلى ممارسة الرقابة على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. ولتذهب المطالبة بدمقرطة العلاقات المدنية ـ العسكرية، وبإصلاح الأجهزة، وبوقف انتهاكات الحقوق والحريات وضمان محاسبة المتورطين فيها برلمانيا إلى الجحيم.
في البرلمان أغلبية ساحقة ممن لا رغبة لديهم للدفاع عن ضحايا الانتهاكات أو الانتصار لحقوقهم وجبر الضرر عنهم أو العمل الجاد على إقرار منظومة للعدالة الانتقالية. منهم من جردتهم خدمة السلطان، والتبعية للأجهزة، والاستتباع من قبل النخب الاقتصادية والمالية من القدرة على التضامن مع مظلومين تتواصل معاناتهم ومعاناة ذويهم من جرائم التعذيب والاختفاء القسري وسلب الحرية وسوء المعاملة. منهم من تورطوا علنا في نزع الإنسانية عن الضحايا، تارة بالترويج لهيستيريا التصنيف والعقاب الجماعي – كل المعارضين إخوان، كل الإخوان خونة، وتارة بالتشويه وإلصاق الاتهامات الزائفة ـ كل المعارضين يتآمرون، كل المعارضين أعداء للوطن.
في عرف هؤلاء الذين يشكلون الأغلبية الساحقة في البرلمان المصري الجديد ليست الصورة المتداولة مؤخرا للرئيس السابق لمجلس الشعب 2012 الذي جاء عبر انتخابات حقيقية شارك بها أكثر من نصف الهيئة الناخبة، صورة الدكتور المحترم محمد سعد الكتاتني وقد ظهرت عليه علامات الوهن والشيخوخة المبكرة، سوى متاجرة من قبل الإخوان تستهدف استدرار التعاطف. أما جرائم القتل خارج القانون والاختفاء القسري فلا وجود لها إلا في مخيلة مدعيها من المتآمرين. وجرائم التعذيب وسلب الحرية وسوء المعاملة هي إما حالات فردية لا يمكن التعميم انطلاقا منها أو محض خيال يروج له المتآمرون الذين يرفعون يافطات حقوق الإنسان والحريات.
هكذا يصنع خدمة السلطان وأتباع الأجهزة والنخب المتحالفة مع السلطوية الحاكمة من الضحايا جلادين، ويرقصون على عذاباتهم كما رقصوا من قبل على دماء ضحايا جريمة رابعة والانتهاكات الأخرى.
هو برلمانهم هم، وليس برلمان عموم المصريات والمصريين.
القدس العربي


