تأنيث التعليم..حين تتنكر الهيمنة بوجه المساواة..
فراس عوض
كاتب
نيسان ـ نشر في 2025-04-30 الساعة 15:56
نيسان ـ في زمن اختلطت فيه المفاهيم وتبدّلت فيه الأوجه، لم نعد نعرف على وجه الدقة من يناضل لأجل من، ولا من يرفع راية التحرر فعلاً، ومن يتخفّى خلفها ليبني عرشًا من الهيمنة المقنّعة. يتحدثون عن "المساواة"، وكأنها وردة بيضاء تنبت في حقول النسوية، ولكنك حين تقترب، حين تلمس تلك الزهرة، تدرك أن أشواكها مسنونة بحدة التسلّط، وملوّنة برغبة قديمة في الانتقام لا في العدل، في السيطرة لا في التعايش، في الإلغاء لا في الحوار.
النسوية، كما بدأت، قد تكونت من صرخة حقيقية، من وجعٍ مشروع، ولكن ما نراه اليوم، لا يُشبه تلك الصرخة، ولا يحمل ذاك الوجع. بل هو انزلاق خطير نحو مشروع آخر، عنوانه المعلن: "العدالة"، ومضمونه الخفي: "الهيمنة". تقول النسويات إن مجتمعاتنا ذكورية. ويبدو ذلك صحيحًا جزئيًا، ولكن ما تسعين إليه مواجهة او إزالة الذكورية، بل استبدالها بسلطة أنثوية، لا تقلّ استبدادًا، بل تتغذى على نفس الأدوات: الإقصاء، الشيطنة، التلقين، والتأنيث القسري.
ويا للمفارقة، ففي الوقت الذي يُشيطن فيه "الذكوري"، ويُحاكم بأثر رجعي على كل تفصيلة في سلوكه، لا يُسأل "الأنثوي" عن شيء. تُقدّم النسوية نفسها كخطاب تحرري، بينما هي في العمق خطاب يرفض الآخر، يستهزئ به، ويسعى لإعادة تشكيله حسب هواه. هي لا تتقبّلك إلا إن كنت مؤنثًا فكريًا، ذائبًا في قوالبها، مفرغًا من خصائصك البيولوجية والاجتماعية، ومستعدًا للتخلّي عن ذاتك كي تدخل نادي "المتحضّرين".
أليس من السخرية أن يصبح تأنيث التعليم مثلًا، قرارًا يوصف بالتقدّمية، بينما هو في حقيقته نسخة أخرى من التسلّط؟ أتدري ما معنى أن تؤنّث التعليم؟ معناه أن تُقصي التجريبية العقلية لصالح الحسيّة العاطفية، أن تُدجّن الشخصية بدل أن تُشكّلها، أن تُنتج جيلاً مفرغًا من التحدي، مطواعًا، سهل الانقياد، يعيش في قوقعة الرضا الزائف والانضباط المزيّف.
ومن قال إن الذكورية مرض، فإن تأنيث الذكور ليس علاجه، بل استبداله بعرضٍ آخر. نحن لا نُنتج مساواة، بل نُعيد تدوير الاستبداد. فكما أن الذكر المتسلّط مرفوض، فإن الأنثى المتسلّطة لا تقلّ عنه خطرًا، والأنثوي والذكوري وجهان لعملة القمع، لا يمكن لأحدهما أن يدّعي الطهر دون أن يعترف بتلوث يده الأخرى، والاصل هو الإنساني الوسطي السليم لا في اقصى الذكورة ولا اقصى الانوثة.
لقد أثبتت الدراسات النفسية والتربوية أن التنشئة الأنثوية المفرطة للذكور لا تُنتج رجالًا متسامحين، بل رجالًا مقموعين، تنفجر فيهم النزعة السلطوية لاحقًا بشكل أكثر عنفًا. فمن يُقصى عن ذاته، يعود ليطالب بها عنوة. ومن يُنزع منه صوته، لا يكتفي بالهمس بل يصرخ. ومن يُربّى على التبعية، يبحث لاحقًا عن مكان للسيادة. إننا لا نكسر الهيمنة، بل نعيد تدويرها بألوان زهرية هذه المرة، ونجعلها أكثر تجذرًا وعمقًا تحت مسميات جديدة.
فيا من يصفنا بالذكورية، حين نرفض هذا العبث، قل لنا: ماذا قدمت نسويتكم للمساواة غير تمجيد الأنثوية؟ ماذا صنعت غير تعميق الشرخ بين الجنسين؟ هل نعيش اليوم في مساواة، أم في صراع رمزيّ دائم؟ هل نشأنا على العدالة، أم على الشك بكل ما هو "ذكر"؟ هل ربّتكم النسوية على الحب، أم على الاحتراز من الرجل وكأنه عدو بيولوجي؟
لقد آن الأوان أن نرفع هذا القناع. آن الأوان أن نقول إن ما يُمارس باسم المساواة، هو في الحقيقة فعل رجعيّ، يعيدنا إلى دوامة السلطوية، ولكن بوجه ناعم. تأنيث المجتمع ليس تقدمًا، بل هو خطوة إلى الوراء، يُعاد فيها إنتاج كل ما نرفضه باسم ما نريده. وإذا أردنا العدل فعلًا، فعلينا أن نرفض الذكورية والأنثوية معًا، لا أن نستبدل واحدًا بالآخر. علينا أن نتجاوز الثنائيات القامعة، لا أن نكرّسها في قوالب ناعمة.
فيا من تتغنى بالمساواة وأنت تؤنّث التعليم وتؤنّث الذكور وتقصي الرجولة، راجع مفاهيمك. لأنك لا تصنع عدالة، بل تخلق فوضى. والمجتمع الذي لا يقبل الرجل كما هو، لن يعرف السلام. والمرأة التي تناضل للهيمنة، لن تصنع حرية. والسائر في درب المساواة، لا يحمل سكينًا بيده الأخرى ليقصي المختلف. فلتسقط كل الهيمنات، ولتبقَ العدالة وحدها عارية، حقيقية، لا تخاف من أحد، ولا تستثني أحدًا.
النسوية، كما بدأت، قد تكونت من صرخة حقيقية، من وجعٍ مشروع، ولكن ما نراه اليوم، لا يُشبه تلك الصرخة، ولا يحمل ذاك الوجع. بل هو انزلاق خطير نحو مشروع آخر، عنوانه المعلن: "العدالة"، ومضمونه الخفي: "الهيمنة". تقول النسويات إن مجتمعاتنا ذكورية. ويبدو ذلك صحيحًا جزئيًا، ولكن ما تسعين إليه مواجهة او إزالة الذكورية، بل استبدالها بسلطة أنثوية، لا تقلّ استبدادًا، بل تتغذى على نفس الأدوات: الإقصاء، الشيطنة، التلقين، والتأنيث القسري.
ويا للمفارقة، ففي الوقت الذي يُشيطن فيه "الذكوري"، ويُحاكم بأثر رجعي على كل تفصيلة في سلوكه، لا يُسأل "الأنثوي" عن شيء. تُقدّم النسوية نفسها كخطاب تحرري، بينما هي في العمق خطاب يرفض الآخر، يستهزئ به، ويسعى لإعادة تشكيله حسب هواه. هي لا تتقبّلك إلا إن كنت مؤنثًا فكريًا، ذائبًا في قوالبها، مفرغًا من خصائصك البيولوجية والاجتماعية، ومستعدًا للتخلّي عن ذاتك كي تدخل نادي "المتحضّرين".
أليس من السخرية أن يصبح تأنيث التعليم مثلًا، قرارًا يوصف بالتقدّمية، بينما هو في حقيقته نسخة أخرى من التسلّط؟ أتدري ما معنى أن تؤنّث التعليم؟ معناه أن تُقصي التجريبية العقلية لصالح الحسيّة العاطفية، أن تُدجّن الشخصية بدل أن تُشكّلها، أن تُنتج جيلاً مفرغًا من التحدي، مطواعًا، سهل الانقياد، يعيش في قوقعة الرضا الزائف والانضباط المزيّف.
ومن قال إن الذكورية مرض، فإن تأنيث الذكور ليس علاجه، بل استبداله بعرضٍ آخر. نحن لا نُنتج مساواة، بل نُعيد تدوير الاستبداد. فكما أن الذكر المتسلّط مرفوض، فإن الأنثى المتسلّطة لا تقلّ عنه خطرًا، والأنثوي والذكوري وجهان لعملة القمع، لا يمكن لأحدهما أن يدّعي الطهر دون أن يعترف بتلوث يده الأخرى، والاصل هو الإنساني الوسطي السليم لا في اقصى الذكورة ولا اقصى الانوثة.
لقد أثبتت الدراسات النفسية والتربوية أن التنشئة الأنثوية المفرطة للذكور لا تُنتج رجالًا متسامحين، بل رجالًا مقموعين، تنفجر فيهم النزعة السلطوية لاحقًا بشكل أكثر عنفًا. فمن يُقصى عن ذاته، يعود ليطالب بها عنوة. ومن يُنزع منه صوته، لا يكتفي بالهمس بل يصرخ. ومن يُربّى على التبعية، يبحث لاحقًا عن مكان للسيادة. إننا لا نكسر الهيمنة، بل نعيد تدويرها بألوان زهرية هذه المرة، ونجعلها أكثر تجذرًا وعمقًا تحت مسميات جديدة.
فيا من يصفنا بالذكورية، حين نرفض هذا العبث، قل لنا: ماذا قدمت نسويتكم للمساواة غير تمجيد الأنثوية؟ ماذا صنعت غير تعميق الشرخ بين الجنسين؟ هل نعيش اليوم في مساواة، أم في صراع رمزيّ دائم؟ هل نشأنا على العدالة، أم على الشك بكل ما هو "ذكر"؟ هل ربّتكم النسوية على الحب، أم على الاحتراز من الرجل وكأنه عدو بيولوجي؟
لقد آن الأوان أن نرفع هذا القناع. آن الأوان أن نقول إن ما يُمارس باسم المساواة، هو في الحقيقة فعل رجعيّ، يعيدنا إلى دوامة السلطوية، ولكن بوجه ناعم. تأنيث المجتمع ليس تقدمًا، بل هو خطوة إلى الوراء، يُعاد فيها إنتاج كل ما نرفضه باسم ما نريده. وإذا أردنا العدل فعلًا، فعلينا أن نرفض الذكورية والأنثوية معًا، لا أن نستبدل واحدًا بالآخر. علينا أن نتجاوز الثنائيات القامعة، لا أن نكرّسها في قوالب ناعمة.
فيا من تتغنى بالمساواة وأنت تؤنّث التعليم وتؤنّث الذكور وتقصي الرجولة، راجع مفاهيمك. لأنك لا تصنع عدالة، بل تخلق فوضى. والمجتمع الذي لا يقبل الرجل كما هو، لن يعرف السلام. والمرأة التي تناضل للهيمنة، لن تصنع حرية. والسائر في درب المساواة، لا يحمل سكينًا بيده الأخرى ليقصي المختلف. فلتسقط كل الهيمنات، ولتبقَ العدالة وحدها عارية، حقيقية، لا تخاف من أحد، ولا تستثني أحدًا.
نيسان ـ نشر في 2025-04-30 الساعة 15:56
رأي: فراس عوض كاتب