عن طبقات السقوط الأخلاقي في مصر
خليل العناني
كاتب مصري
نيسان ـ نشر في 2015-12-15 الساعة 23:43
ينتهي قاع السقوط والانحدار الأخلاقي في مصر. وحين يتخيل المرء، خطأ، أن ثمة نهاية لهذا "القاع"، يُفاجأ بأن ثمة "قاعاً" آخر لا يزال بعيداً. تقرأ الأخبار الواردة من "أم الدنيا"، فتصيبك الخيبة والحسرة على ما آلت إليه الأحوال تحت حكم العسكر، وتفقد الأمل، برهة، فى إمكانية إصلاح هذا البلد أو تغييره. من الصورة الكئيبة التي ظهر عليها الدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب السابق، وهو بملابس الإعدام الحمراء، ويبدو فيها شاحباً هزيلاً، والتي تشير إلى حجم الإجرام النفسي والبدني الذي يمارس بحق الرجل وغيره من المعتقلين، إلى استغاثات أهالي المعتقلين الذين توقفوا عن المطالبة بالحرية لذويهم، للمطالبة فقط بتحسين شروط اعتقالهم، وأهمها فتح باب الزيارة، وتوفير غطاء لهم يقيهم برد الشتاء القارس، إلى الإعلان عن بناء تسعة سجون جديدة على مساحة عشرات الأفدنة، إلى خبر تقنين سوق "نخاسة" النساء في مصر التي أعلن عنها وزير "اللاعدل" الفاسد أحمد الزند، إلى السقوط الدبلوماسي المخزي لوزير الخارجية سامح شكري في واقعة "غزوة ميكرفون الجزيرة"، كما أطلق عليها الصديق زين العابدين توفيق، إلى خبر تغريم جماعة الإخوان المسلمين 250 مليون جنيه في القضية الوهمية المسماة "اقتحام السجون" من دون علم المتهمين، إلى الحوار "الساقط" الذي أجراه ناجي شحاته "قاضي الإعدامات" مع جريدة الوطن، وكشف انحطاط لغته وتدنيه المهني، وهي الجريدة التي لم تنشر كلام الرجل ابتداءً إلا بعدما نفى أنه أجرى الحوار معها، في سقوط مهني وفشل أخلاقي ذريع، إلى خطيب الجمعة الذي اعتبر الجنرال عبد الفتاح السيسي "ظل الله في الأرض"، إلى التحفظ على أموال لاعب الكرة الخلوق، محمد أبو تريكة، في الوقت الذي تم فيه رفع الحظر عن أموال حبيب العادلي، سفاح الداخلية في عهد حسني مبارك، إلى الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عودة ترابين مقابل بعض تجار المخدرات، حسب الصحف، وهو الذي وصف سجنه بأنه كان أشبه بـ"استراحة"، فيها كل أدوات الراحة والتسلية.
لا ينتهي السقوط (أو الكابوس) عند هذا الحد، وإنما يأخذنا إلى ما هو أبعد، حين تتابع "خناقة" الصراع على قلب الجنرال داخل "مجلس النواب" الجديد، بعد انتهاء مسرحية الانتخابات البرلمانية، فالأعضاء الجدد يتصارعون من أجل حجز مقعد في قائمة "دعم الدولة" التي يقوم على تشكيلها جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، والذي حرّض أعضاء كثيرين من أجل الانضمام لها، حسب تصريحات أعضاء في حزب الوفد. هدف القائمة، كما هو واضح من اسمها، تقديم الدعم للنظام العسكري الحالي ضد "الأعداء والمخرّبين". ولا يفوتك، هنا، أن تلقي نظرة على الصورة الدالة عن مستوى الانحطاط المتوقع أن نراه من سلوك أعضاء البرلمان الجديد، ويظهر فيها عضوان جديدان (أحدهما فاز بأكثر الأصوات على مستوى الجمهورية، على الرغم من جهله وسوء أدبه)، وهم يختليان بإحدى غرف المجلس الجديد، ويتناوبان على التدخين في مشهد مؤسف ومحزن، لكنه لا يخلو من دلالة.
قد يرى بعضهم في ما سبق مجرد أخبار متناثرة ومتشائمة، لا تعكس حقيقة الأوضاع في مصر. لكن هذه الأخبار، للأسف، تعكس ما هو أخطر من ذلك، وهو حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث التي باتت تسيطر على كثيرين، والذين قد يرون فى هذه الأخبار أمراً عادياً، لا يدعو إلى القلق أو الخوف على مستقبل هذا البلد. بكلمات أخرى، يبدو أنه، من كثرة تكرارها، لم تعد مثل هذه الأخبار والقصص المؤسفة غريبة، وإنما بات العقل الجمعي يتعامل معها باعتبارها من "خبز" الحياة اليومية التي لا يجب أن نتوقف عندها أو نتأملها. ولعل هذا ما يريده النظام القمعي فى مصر، وهو أن نتعاطى مع هذه الأخبار المؤسفة كما لو كانت أخباراً عادية، حتى يتوقف المجتمع عن المطالبة بالحقوق والحريات. وهي الحال نفسها التي مارستها أنظمة قمعية أخرى في منطقتنا وخارجها. يُحكى، مثلاً، أن أقصى ما كان يُطالب به المعتلقون فى سجون حافظ الأسد أن تتاح لهم فرصة الاعتقال في سجون أوسع، من أجل أن يتمكنوا من الركض حتى لا تتوقف الدماء فى أرجلهم، نتيجة لضيق غرف الاحتجاز، فى حين كان أقصى ما يطلبه المعتقلون في عهد مبارك أن تكون هناك "نوافذ" في السجون كي يروا الضوء. وهكذا تحولت المسألة من المطالبة بإنهاء القمع والظلم، إلى محاولة التكيف معه بأقل الخسائر.
وهي أيضاً الحال نفسها التي يمارسها النظام العسكري الحاكم في مصر الآن، والذي يسعى إلى تحويل الانتباه داخلياً وخارجياً، من ضرورة وقف القمع والإجرام السياسي الذي يجري بحق المواطنين والمعارضة إلى مجرد تحسين شروطه، والقبول به تحت سقف السلطة. لذا، لا يتوقف إعلامه عن استحضار "سيناريوهات سورية والعراق"، من أجل تبرير القبول بالواقع المزري الذي وصلت إليه البلاد.