لماذا ليس الأردن؟
الدكتور عمر كامل السواعدة
كاتب وخبير قانوني
نيسان ـ نشر في 2025-05-13 الساعة 23:08
نيسان ـ اليوم، أعلنت "بلاك روك"، إحدى أعظم مؤسسات المال والاستثمار في العالم، عن نيتها افتتاح مقر إقليمي في الرياض. خبر عابر للبعض، لكنه مثير للغيرة، غيرة المحبّ، غيرة العربي الذي يرى من يحب يزدهر، فيما هو يراوح مكانه، مكبلًا لا بضعفٍ ذاتي، بل بحصارٍ غير مرئي، سياسيًا واقتصاديًا، عنوانه: "الفيتو على الأردن".
لمن لا يعرف "بلاك روك"، فهي شركة امبراطورية، تدير أصولًا تقترب قيمتها من عشرة تريليونات دولار أمريكي، وتُعتبر بمثابة لاعب رئيسي في رسم السياسات الاقتصادية والمالية حول العالم، لا لأنها دولة، بل لأنها أقوى من كثير من الدول. ببساطة، إذا قررت "بلاك روك" أن تستثمر في بلد، فإن ذلك البلد يُصبح على خارطة الاقتصاد العالمي، وإن تجاهلته، فذاك التجاهل لا يكون بريئًا.
أكتب هذا وأنا سعيد بكل خطوة تقدم تحدث في السعودية، أو الإمارات، أو قطر، أو مصر، أو غيرها. نحن أمة واحدة، وكل تطور فيها هو مكسب لنا جميعًا. لكن قلبي يتقطع حين أرى بلدي، رغم طهارة ناسه، ونبل قيادته، وثراء إرثه، ما يزال أسيرًا للجمود، يقف عند الباب، ينتظر الإذن بالدخول إلى نادي الدول الطامحة.
ليست هذه المرة الأولى التي أرى فيها دولة عربية شقيقة تنمو وتزدهر، وتفتح أبوابها للاستثمارات العالمية، وتعيد رسم مستقبلها بسواعدها وبوصلةٍ واضحة. أنا محامٍ دولي، أسافر كثيرًا، أتنقل بين العواصم، أوقع العقود، وأقرأ قوانين الدول كما تُقرأ وجوه شعوبها. وفي كل مطار أدخله، في كل شارع نظيف، في كل مشروع قومي، أسأل نفسي: لماذا ليس الأردن؟
المشكلة ليست فينا. نحن لا ينقصنا الذكاء، ولا يعوزنا الطموح. لدينا قيادة تقدمية، وبيئة بشرية من بين الأجود في العالم العربي تعليمًا واحترافًا. شارك الأردنيون في صناعة نهضات غيرهم، حملوا خبراتهم إلى الخليج، إلى أوروبا، إلى أمريكا، وبنوا، وعادوا. لدينا جامعات، ولدينا مؤسسات، ولدينا شباب وشابات لا يقلّون عن أقرانهم في دول النمور الآسيوية. لكننا ما زلنا نرتعد من فكرة رفع الدعم الدولي. ما زالت ميزانيتنا ترتعش حين تعبس جهة مانحة في وجهنا. ما زالت قراراتنا معلّقة على مشجب "المساعدات".
نحن لا نريد صدقات. نريد فرصة. نريد كسرًا لهذا الطوق غير المعلن، الذي يمنع الأردن من أن يطلق قدراته الكامنة. ما يجري ليس فقط حرمانًا من الموارد، بل منعٌ من الطموح. كلّ من يرصد بدقة الحالة الأردنية يدرك أن المسألة ليست داخلية فقط، بل أن هنالك "منظومة إقليمية-دولية" لا تزال تعتبر الأردن منطقة انتظار، لا يحق لها أن تسبق، أو حتى أن تواكب.
قلتها، وأعيدها للمرة المليون، نحن نعيش تحت فيتو اقتصادي غير معلن. نعم، لا توجد وثيقة مكتوبة بهذا الفيتو، لكن سلوكه ظاهر: لا مشاريع استراتيجية يُسمح بها، لا استثمارات ضخمة تتدفق، لا قرار مالي يُتخذ دون رضى جهات دولية. الأردن لا يُترك ليتنفس. يُمنح ما يكفي ليعيش، لا ليزدهر. والفقر، والبطالة تنهش وطني نهشا.
ولذا، فإن المطلوب اليوم ليس فقط أن نُسائل أنفسنا، بل أن نضع المسكوت عنه على الطاولة. علينا كأردنيين، الآن وليس غدًا، أن نفتح ملف "الفيتو الاقتصادي" علنًا. وإذا قيل نظرية مؤامرة، فنعم، نظرية مؤامرة، أصلاً: السياسي الذي لا يعتنق نظرية المؤامرة – على الأقل كأداة تحليل – هو سياسي ساذج. نظرية المؤامرة ليست وهماً إذا ما وُجدت الأدلة، والمشهد الأردني ملئ بها: تعطيل مشاريع سيادية، تشويه سمعة الإصلاحات، فرض إملاءات ناعمة عبر "المساعدات"، وحتى حظر غير معلن على قطاعات واعدة، وفسااااااااااااااااد، آه من الفساد، كأنما نوظف البعض ليقتل مشاريعنا وينهب وطننا ويرهن مستقبلنا. الحلول تبدأ بالاعتراف، ثم بالتخطيط للخلاص.
لماذا عليّ أن أتصنم أمام الشاشة لأتنعم بنائب لا يجد الا "صندل" نابولي يعلمني الوطنية والمواطنة، أو "ختيار" بغليون لا يعرف من الوطن الا اللعن والشتيمة والتخوين! العرب وصلوا القمر، فعليا، وصلوا القمر، وأنا ما زلت اطبطب على الاخوان وأداري الإرهابيين. لماذا علي أن أنوء بهذه الأحمال وأنا مصيري إلى التخوين حتى امتلأ بئري حجارة وجماجم.
لماذا ليس الأردن؟ سؤال يجب أن يطاردنا جميعًا، في كل وزارة، في كل مجلس، في كل مكتب تمويل دولي، في كل تقرير يُكتب وفي كل تصريح يُلقى. لا أريد جوابًا دبلوماسيًا، أريد فعلًا. أريد أن أرى وطني، كما أراه في أحلامي، وأراه في قدراته، يقف على قدمين صلبتين، ويقول للعالم: أنا الأردن... وقد حان دوري.
لا أريده أغنى وطن، لكنني أريده غنيا، ولا أريده أقوى بلد، ولكني أريده قويا، لا أطمح أن يكون الأعظم، لكنما اريده دائما عظيما... فهل من مجيب!!!
لمن لا يعرف "بلاك روك"، فهي شركة امبراطورية، تدير أصولًا تقترب قيمتها من عشرة تريليونات دولار أمريكي، وتُعتبر بمثابة لاعب رئيسي في رسم السياسات الاقتصادية والمالية حول العالم، لا لأنها دولة، بل لأنها أقوى من كثير من الدول. ببساطة، إذا قررت "بلاك روك" أن تستثمر في بلد، فإن ذلك البلد يُصبح على خارطة الاقتصاد العالمي، وإن تجاهلته، فذاك التجاهل لا يكون بريئًا.
أكتب هذا وأنا سعيد بكل خطوة تقدم تحدث في السعودية، أو الإمارات، أو قطر، أو مصر، أو غيرها. نحن أمة واحدة، وكل تطور فيها هو مكسب لنا جميعًا. لكن قلبي يتقطع حين أرى بلدي، رغم طهارة ناسه، ونبل قيادته، وثراء إرثه، ما يزال أسيرًا للجمود، يقف عند الباب، ينتظر الإذن بالدخول إلى نادي الدول الطامحة.
ليست هذه المرة الأولى التي أرى فيها دولة عربية شقيقة تنمو وتزدهر، وتفتح أبوابها للاستثمارات العالمية، وتعيد رسم مستقبلها بسواعدها وبوصلةٍ واضحة. أنا محامٍ دولي، أسافر كثيرًا، أتنقل بين العواصم، أوقع العقود، وأقرأ قوانين الدول كما تُقرأ وجوه شعوبها. وفي كل مطار أدخله، في كل شارع نظيف، في كل مشروع قومي، أسأل نفسي: لماذا ليس الأردن؟
المشكلة ليست فينا. نحن لا ينقصنا الذكاء، ولا يعوزنا الطموح. لدينا قيادة تقدمية، وبيئة بشرية من بين الأجود في العالم العربي تعليمًا واحترافًا. شارك الأردنيون في صناعة نهضات غيرهم، حملوا خبراتهم إلى الخليج، إلى أوروبا، إلى أمريكا، وبنوا، وعادوا. لدينا جامعات، ولدينا مؤسسات، ولدينا شباب وشابات لا يقلّون عن أقرانهم في دول النمور الآسيوية. لكننا ما زلنا نرتعد من فكرة رفع الدعم الدولي. ما زالت ميزانيتنا ترتعش حين تعبس جهة مانحة في وجهنا. ما زالت قراراتنا معلّقة على مشجب "المساعدات".
نحن لا نريد صدقات. نريد فرصة. نريد كسرًا لهذا الطوق غير المعلن، الذي يمنع الأردن من أن يطلق قدراته الكامنة. ما يجري ليس فقط حرمانًا من الموارد، بل منعٌ من الطموح. كلّ من يرصد بدقة الحالة الأردنية يدرك أن المسألة ليست داخلية فقط، بل أن هنالك "منظومة إقليمية-دولية" لا تزال تعتبر الأردن منطقة انتظار، لا يحق لها أن تسبق، أو حتى أن تواكب.
قلتها، وأعيدها للمرة المليون، نحن نعيش تحت فيتو اقتصادي غير معلن. نعم، لا توجد وثيقة مكتوبة بهذا الفيتو، لكن سلوكه ظاهر: لا مشاريع استراتيجية يُسمح بها، لا استثمارات ضخمة تتدفق، لا قرار مالي يُتخذ دون رضى جهات دولية. الأردن لا يُترك ليتنفس. يُمنح ما يكفي ليعيش، لا ليزدهر. والفقر، والبطالة تنهش وطني نهشا.
ولذا، فإن المطلوب اليوم ليس فقط أن نُسائل أنفسنا، بل أن نضع المسكوت عنه على الطاولة. علينا كأردنيين، الآن وليس غدًا، أن نفتح ملف "الفيتو الاقتصادي" علنًا. وإذا قيل نظرية مؤامرة، فنعم، نظرية مؤامرة، أصلاً: السياسي الذي لا يعتنق نظرية المؤامرة – على الأقل كأداة تحليل – هو سياسي ساذج. نظرية المؤامرة ليست وهماً إذا ما وُجدت الأدلة، والمشهد الأردني ملئ بها: تعطيل مشاريع سيادية، تشويه سمعة الإصلاحات، فرض إملاءات ناعمة عبر "المساعدات"، وحتى حظر غير معلن على قطاعات واعدة، وفسااااااااااااااااد، آه من الفساد، كأنما نوظف البعض ليقتل مشاريعنا وينهب وطننا ويرهن مستقبلنا. الحلول تبدأ بالاعتراف، ثم بالتخطيط للخلاص.
لماذا عليّ أن أتصنم أمام الشاشة لأتنعم بنائب لا يجد الا "صندل" نابولي يعلمني الوطنية والمواطنة، أو "ختيار" بغليون لا يعرف من الوطن الا اللعن والشتيمة والتخوين! العرب وصلوا القمر، فعليا، وصلوا القمر، وأنا ما زلت اطبطب على الاخوان وأداري الإرهابيين. لماذا علي أن أنوء بهذه الأحمال وأنا مصيري إلى التخوين حتى امتلأ بئري حجارة وجماجم.
لماذا ليس الأردن؟ سؤال يجب أن يطاردنا جميعًا، في كل وزارة، في كل مجلس، في كل مكتب تمويل دولي، في كل تقرير يُكتب وفي كل تصريح يُلقى. لا أريد جوابًا دبلوماسيًا، أريد فعلًا. أريد أن أرى وطني، كما أراه في أحلامي، وأراه في قدراته، يقف على قدمين صلبتين، ويقول للعالم: أنا الأردن... وقد حان دوري.
لا أريده أغنى وطن، لكنني أريده غنيا، ولا أريده أقوى بلد، ولكني أريده قويا، لا أطمح أن يكون الأعظم، لكنما اريده دائما عظيما... فهل من مجيب!!!
نيسان ـ نشر في 2025-05-13 الساعة 23:08
رأي: الدكتور عمر كامل السواعدة كاتب وخبير قانوني