اتصل بنا
 

ذكرى سنوات القنص2

كاتب وصحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2025-05-23 الساعة 11:14

نيسان ـ مرة كالعلقم، عكرة كالنفط الخام، قاتمة كسواد هذا الليل المقطع بالقصف
ومضت سنون القنص الأولى، وما زال القاتل في مكانه، يبدل بندقية القنص ببساطة قاتل محترف، ويعيد المشهد كما هو:
صرخات الأمهات الثكالى، دم لم يجف بعد، وطفل ينتشل من تحت الركام بلا رأس، أو بلا اسم.
دم لم يجف ما زال يصرخ: “أنا هنا!”، ودم آخر يتهيأ ليراق تحت شمس لا تستحي،
وجثث توسلت القاتل ألا يهينها بعد الموت،
و القاتل لا يسمع، ولا يرى،ينتظر فقط أخضر جديدًا من مكان بعيد، ودولارات حديدة تتدفق ليغسل يديه في دم جديد، ثم يعلن بوقاحة أن “الديمقراطيات” الكبرى تسانده،لأنها لا تفرق بين الإنسان والرماد، ولا ترى في الفلسطيني سوى رقم قابل للإزالة.
مرّت سنوات، تدان فيها الضحية من جديد،ليس لأنها قاومت الاحتلال، بل لأنها رفضت أن تقتل بصمت،رفضت أن تموت في الوقت المقرر لها على رزنامة القصف.
وها هي اليوم تُقتل من جديد، لأنها اختارت “رفح” ملاذًا آمنًا، فصارت مقبرة جماعية بلا سقف، و شهود اصابهم العمى ..
أما دعاة “الإنسانية” فواصلوا إنكارهم، وتفننوا في إنتاج مصطلحات جديدة
تحول المجازر إلى “دفاع عن النفس”، وتجعل من غزة “شأنًا داخليًا إسرائيليًا”،
كأننا نُباد على هامش العالم،لا في قلبه.
نحن المواطنون الذين أفرغونا من كل حنين،
نعترف:
لم نعد نغني لأمجاد العرب، بل نُجبر على ذلك في النشرات والاحتفالات الرسمية.
لم نعد نصدق أن هذه الأمة “حية”،
فقلوبها تحجرت أكثر من الصخور، فالصخر ينبت به بعض الورد احيانا
وأعينها لا ترى إلا ما تعرضه الشاشات الممولة.
نحتاج اليوم إلى تحليل دقيق لهذا الدم،بعد أن فقد المناعة، وفقد الصرخة، وبات بارداً أكثر من اللازم،
بارداً كالبيانات الدولية،
كالصمت العربي،
كعواصم تتفرج، وتساوم.
في غزة، لا وقت للخيال.
الأجساد التي تجمع من تحت الأنقاض لا تحتمل البلاغة،ولا تحتمل الصمت أكثر.

نيسان ـ نشر في 2025-05-23 الساعة 11:14


رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً