اتصل بنا
 

اختفاء الأطفال .. أين الحلقة المفقودة

كاتب

نيسان ـ نشر في 2025-05-28

نيسان ـ الحمد لله على سلامة الأطفال، فسلامتهم لا تُقدّر بثمن، ولا يمكن المساومة عليها. ولكن، هل انتهت القصة عند هذا الحد؟ هل يكفي أن نُطمئن قلوبنا بعودتهم ونطوي الصفحة كأن شيئًا لم يكن؟ ما حدث خلال اليومين الماضيين لم يكن تفصيلًا بسيطًا في يوميات الأردنيين، بل كان فاجعةً مصغّرة، اختبرت صبر المجتمع، وهزّت قلوب الآباء والأمهات، وزرعت في النفوس ريبة لا تزال تنمو مع كل لحظة صمت.
في وضح النهار، تناقلت الأخبار نبأ اختفاء أكثر من طفل دفعةً واحدة. خلال ساعات، تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى غرف طوارئ مفتوحة؛ صور الأطفال انتشرت، دعوات متكررة لمد يد العون، حيرة جماعية، وقلقٌ ينهش الجميع. ثم، فجأة، يأتي الخبر بأنهم وُجدوا. رائع، نحمد الله على ذلك. لكن، أين كانوا؟ من كان معهم؟ كيف قضوا ليلتهم؟ ولماذا اختفوا؟ لا جواب.
أن يُقال ببساطة إنهم كانوا "يغيّرون جوًّا"، لهو استخفاف بالعقول والقلوب معًا. نحن الكبار نكاد لا نجد فسحةً لنلتقط أنفاسنا، فكيف يُعقل أن أطفالًا يقرّرون "تغيير الجو" في غفلةٍ من الزمن، دون أثر، ثم يظهرون دون تفسير؟ هذا الطرح، بكل صراحة، لا يُقنع طفلًا، فكيف يُطلب من مجتمع بأكمله أن يبتلعه بصمت؟
نحن لا نُشكك في الجهات الأمنية، ولا نُنكر دورها وسرعة استجابتها، ولكن القصة لا تنتهي عند العثور عليهم. المجتمع الذي عاش ساعاتٍ من الذعر يملك الحق الكامل في معرفة الحقيقة. لا يكفي أن نقول "تم العثور عليهم وهم بخير" دون أن نكشف الخيط الذي فُقد بين لحظة الاختفاء ولحظة الظهور. الشفافية هنا ليست ترفًا، بل ضرورة، بل واجب تجاه شعبٍ لم يعرف النوم خوفًا على أطفاله.
ثم، أين صوت الأهالي؟ أين الكلمة التي تشرح للناس ما حدث؟ لمَ الصمت؟ هل هناك ما يُخشى قوله؟ أم أن الحقيقة أثقل من أن تُروى؟ في كلتا الحالتين، هذا الصمت يزيد الأمور غموضًا، ويترك المجال مفتوحًا لكل الاحتمالات، ولكل الألسنة التي لن تتوقف عن السؤال والتحليل والتأويل.
نحن لا نبحث عن الإثارة، ولا نهوى اختلاق القصص. نحن نريد الحقيقة، فقط. نريد أن نعرف، بصراحة ووضوح، ما الذي جرى. من حقنا أن نُطمئن قلوبنا بعلم، لا بتكهن. من حقنا أن نربّي أبناءنا على وعيٍ لا على خوف.. من حقنا أن نثق، لا أن نشك. فهل هذا كثير؟ من حقنا ان تعلم الحقيقة اتعلم أين الخلل.
حين يصمت الأمن، وتصمت العائلات، ويبقى المجتمع وحده يتخبط في الظنون، فإننا نكون أمام خللٍ عميق لا يجوز السكوت عليه. الغموض قاتل، والصراحة تُنقذ. وإلا فسنظل نسأل: هل نحن فعلًا بأمان؟ هل أطفالنا محميّون؟ أم أن الغد يحمل قصصًا شبيهة، ولا من يسمع؟
ما جرى لا يجوز أن يُمرّر كخبرٍ عابر، ولا أن يُنسى مع مرور الوقت. الناس ما زالت تنتظر، والقلوب لم تهدأ، والثقة لم تُرمم. والحقيقة، وحدها، قادرة على أن تعيد كل ذلك إلى مكانه.

نيسان ـ نشر في 2025-05-28


رأي: فراس عوض كاتب

الكلمات الأكثر بحثاً