اتصل بنا
 

كي لا نرقص بالعتمة

كاتب فلسطيني

نيسان ـ نشر في 2015-12-18 الساعة 16:08

نيسان ـ

بالأمس هدموا منزلا في طمرة وأمس الأول في كفركنا وغدا في الرملة أما في النقب فالهدم بالجملة والحبل على الجرار. لكن معالجة المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل تقتصر على ردود فعل وبالمفرق وبطريقة غير مجدية كما هو الحال في سائر احتجاجاتنا من أجل حقوق فردية وجماعية.

اليوم، شارك بمظاهرة خجولة في نتسيرت عليت قبالة مكاتب "المنهال" عشرات فقط من أهالي طمرة ورؤساء أحزاب عربية. سبق المظاهرة إضراب آلاف الطلاب في طمرة وهذه وسيلة احتجاج باتت فورية يعتريها صدأ التقادم نقوم بها دون السؤال عن نتيجتها وجدواها مقابل كلفتها تماما كما حصل قبل شهر عندما أضربنا احتجاجا على حظر الحركة الإسلامية الشمالية، ومن وقتها تتواصل احتجاجات يكاد لا يسمعها أحد غيرنا.

هدم المنازل العربية هي سياسة قديمة نعالجها بأدوات قديمة وتنحصر برد فعل دون مبادرة، رغم أنها تجسد الأمن الشخصي والحق الأساسي بالمأوى والمكفول بكل الشرائع.

هدم المنازل هي بالأساس نتيجة سياسات إسرائيلية عنصرية مرتبطة بهوس الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة. هم يهدمون بالجملة ونحن نرد بالمفرق. وفي حالات كثيرة بهذا المضمار ينطبق علينا القول: "كل مين إيدو إلو". وحينما نلتقي برد جماعي (ليس حزبيا)، فغالبا ما يكون هزيلا أو غير مجد أو إسقاط واجب.

من يعيش في أوضاع كالتي نعيشها، يملك كل الشرعية للخروج بسيف الاحتجاج المشهر في كل مكان. حتى الشاباك عبر عدة مرات عن الاستغراب من سلوكنا "المهذب المنضبط" مقارنة بكل الأقليات القومية التي فقدت وطنا ويعرض عليها فتات مواطنة.

وقال الشاعر واصفة حالة كحالتنا: "ألقاه في البحر مكتوفا وقال له - إياك إياك أن تبتل". يرفضون توسيع مسطحات البناء ويمنعون البناء غير المرخص والنتيجة عشرات آلاف المنازل بلا ترخيص (40 ألف بيت حسب المركز العربي للتخطيط البديل).

إعلان الإضراب العام وخسارة آلاف الطلاب في طمرة بالأمس هو عقاب ذاتي. كان الأجدى تخصيص حصة وحصتين للحديث عن الظاهرة والسياسات قبل إشراك آلاف الطلاب في مظاهرة قبالة مكاتب حكومية في تل أبيب ونتسيرت عليت والكنيست وغيرها. وقد حان الوقت أيضا لإطلاق حملة دعائية مهنية بالعبرية والإنجليزية عبارة عن شريط روائي قصير جدا يفضح مدن الصفيح العربية وعن أحياء عربية باتت أشبه بعلب السردين أو علب عيدان الثقاب، وهي بالمناسبة تغذي العنف المستشري.

وهذا الانتقال من رد الفعل للفعل ينطبق على فعاليات الاحتجاج على حظر الحركة الإسلامية أو حرمان السلطات المحلية من ميزانيات مستحقة وغيرها. أما التظاهر في سخنين والصراخ "بدنا نحكي ع المكشوف، صهيوني ما بدنا نشوف" فهو أمر صبياني ورقص بالعتمة! دون أن نتظاهر بشعارات سليمة بشكل صاخب في تل أبيب، لا أمل بأي حل لنا، فالعالم لا يحترم الضعفاء وسبق أن قال قادة كثر في إسرائيل إن هذه الدولة لا تفهم سوى لغة الضغط. وما قيل لا يعني استبدال وسيلة شرعية تتمثل بالالتفاف حول البيت المهدد وحمايته بدرع بشري حينما تتوفر معلومات مسبقة.

العالم يتجاهل من يحتج بخجل ولا يصغي لمظلوم لا يقيم الدنيا ولا يقعدها على استمرار التطهير العرقي للمنازل العربية. والبيت يستحق أكثر من نضال ضمن قواعد اللعبة وكل ذلك يتطلب الاهتمام بالخطاب المدني الحقوقي واعتماده فالعمل بالمواطنة ومتابعة مستحقاتها لا يعني أسرلة، بالعكس! كما نخطئ بالرهان على التشريع والنضال البرلماني فقط ونتجاهل الميداني الناجع.

عرب 48

نيسان ـ نشر في 2015-12-18 الساعة 16:08

الكلمات الأكثر بحثاً