اتصل بنا
 

حكم العيسى .. قائد استثنائي ساهم في إعادة بناء العقيدة القتالية للقسام

نيسان ـ نشر في 2025-06-29 الساعة 14:02

x
نيسان ـ لم يكن اسمه يُتداول في الإعلام، ولم تُلتقط له صور في المعسكرات أو على منصات الخطابة. ظلّ في الظل، ينسج بهدوء خرائط القتال، ويعيد رسم ملامح الجناح العسكري لحركة “حماس” كما تُرسم الهندسة الدقيقة داخل عقل استراتيجي صبور. لم يكن رجلًا عاديًا في ساحة المقاومة، بل كان مدرسة كاملة تمشي على الأرض، تُدرّب وتُخطّط وتبني، دون أن ترفع صوتًا أو تبحث عن مجدٍ عابر.
في أزمنة تُسجَّل فيها الأسماء بمنجزاتها لا بصورتها، لمع اسم حكم العيسى، أو كما عرفه رفاقه” أبو عمر السوري، كأحد أولئك الرجال الذين يتركون أثرهم في جغرافيا الصراع أكثر مما يتركونه في أرشيف الصور.
رجل حمل فكرًا قتاليًا منظّمًا، وصاغ عقيدة عسكرية ما كانت لتُبنى لولا سنوات من الخبرة، والتجوال بين ساحات النضال، والصدق في حمل الرسالة.
واستهدفت غارة جوية إسرائيلية القائد حكم محمد العيسى، المعروف بلقب “أبو عمر السوري”، عن عمر يناهز 58 عامًا ليستشهد مع زوجته وحفيده.
لم يكن مجرد قائد ميداني، بل يُنظر إليه على أنه أحد العقول المؤسسة للعقيدة القتالية الجديدة للكتائب، ومهندس منظومتها التدريبية والتنظيمية التي حولت الكتائب من مجموعات مقاومة متفرقة إلى قوة شبه نظامية ذات بنية عسكرية متقدمة.
من العمل الخيري إلى التأسيس العسكري
وُلد العيسى في الكويت عام 1967 لعائلة فلسطينية من بلدة رامين قضاء طولكرم، ودرس في مدارس ضاحية عبد الله السالم والعديلية بالكويت، ثم أنهى تعليمه الجامعي في الهند. انخرط مبكرًا في العمل الخيري المناصر للقضية الفلسطينية قبل أن يغادر الكويت بعد الغزو العراقي متجهًا إلى الأردن.
خلال مسيرته، تنقّل العيسى بين عدة دول وساحات صراع، أبرزها أفغانستان والشيشان وسوريا ولبنان، ما أكسبه خبرة ميدانية عسكرية واسعة في قتال الجيوش النظامية بأساليب حرب العصابات.
استقر لاحقًا في سوريا، ثم انتقل إلى قطاع غزة عام 2005 مع أسرته، وهناك بدأ مرحلة جديدة من العمل العسكري التنظيمي داخل كتائب القسام، التي لمع اسمه فيها بهدوء بعيدًا عن الأضواء، محاطًا بكتمان أمني كبير.
المهندس الصامت لعقيدة القسام
بحسب مصادر متقاطعة، كان العيسى من مؤسسي الأكاديمية العسكرية التابعة للقسام، التي خرّجت آلاف المقاتلين، بمن فيهم عناصر النخبة والقوات الخاصة، كما تولى مسؤولية هيئة التدريب وهيئة الدعم القتالي والإداري، وارتبط اسمه بمشاريع بناء المواقع والمنشآت القتالية، ما منحه لقب “أبو المواقع” داخل الكتائب.
وصفه مقاتلون رافقوه بأنه “رجل من زمن الصحابة”، في إشارة إلى زهده وتقواه وبصمته العميقة في ساحات التدريب والمواجهة، إذ لم يكن يسعى إلى الظهور الإعلامي مطلقًا، رغم أنه قاد التحول البنيوي الأبرز في تاريخ الكتائب.
وقد أسهم العيسى في تأسيس المعاهد والكليات العسكرية والاستخبارية، ووضع اللبنات الأولى في الخطة الدفاعية لقطاع غزة، وشارك في هندسة العمليات الهجومية الكبرى.
ماذا قال الاحتلال عن الشهيد القائد؟
في بيان مشترك، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز “الشاباك” الصهيوني عن اغتيال العيسى، متهمين إياه بلعب دور محوري في التخطيط لهجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، ومسؤولية إعادة بناء القدرات العسكرية لحماس خلال الحرب الجارية.
ووصف البيان العيسى بأنه “أحد أبرز الشخصيات القيادية في البنية القتالية لحماس”، مشيرًا إلى أن اغتياله كان عملية دقيقة تستهدف قلب التنظيم العسكري للحركة.
دعوات للتوثيق والدراسة
من جانبه، دعا الباحث في النزاعات والاقتصاد السياسي، محمود العيلة، إلى توثيق تجربة العيسى في سياق دراسة تطور البنية العسكرية للمقاومة في غزة.
وقال العيلة: خلال العشرين عامًا الماضية، نفّذت المقاومة ما لا يقل عن 700 عملية بين تفخيخ وقنص واقتحام وصدّ هجومات، 400 منها ضمن عملية الطوفان. جميع هؤلاء المقاتلين تدرّبوا في منشآت أسسها وأشرف عليها العيسى، وفق “الخليج أونلاين”.
وأضاف: “يمكن القول إن حكم العيسى نقل كتائب القسام من حالة المجموعات المتناثرة إلى بنية شبه نظامية، عبر دمج الخبرة الميدانية بالتخطيط الاستراتيجي، مستفيدًا من موارد محلية وخبرات تراكمية”.
برحيل حكم العيسى، تفقد كتائب القسام رجلًا نادر الظهور، كثيف التأثير، ساهم في تشكيلاتها القتالية وتوجيهها من الظل، في واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا من تاريخ المواجهة الفلسطينية–الإسرائيلية.
(المركز الفلسطيني للإعلام)

نيسان ـ نشر في 2025-06-29 الساعة 14:02

الكلمات الأكثر بحثاً