
كتاب وقارئ 8 .. صعود قوى الثروة
إبراهيم غرايبة
كاتب اردني
* نهضة الطبقة الوسطى الجديدة في العالم الإسلامي وانعكاساتها على عالمنا
نيسان ـ نشر في 2025-07-09 الساعة 09:12
نيسان ـ يمكن اعتبار هذا الكتاب احد أهم مصادر وأفكار تفسير ما يجري في العالم الإسلامي اليوم، سواء صعود موجة العنف والتطرف أو التحولات الكبرى بهدف التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ويرى أن صعود الطبقة الوسطى في العالم الإسلامي يشكل المفتاح الأساسي لفهم التحولات والتفاعلات الكبرى الجارية اليوم، فهذه الطبقة تبني اقتصادا جديدا وعلاقات جديدة، وهذا ما حدث في الصين والهند وتركيا وإيران، وأهم ما يميز هذه الطبقة هو الجمع بين الإسلام والرأسمالية، وهذا ما سيأتي بالإصلاحات الدائمة، ويهزم التطرف، وهؤلاء برأي المؤلف هم الذين يجب على الغرب استيعابهم عبر حركة التجارة، ويقدم الكتاب بذلك فهما جديدا للعالم الإسلامي ومستقبله المنتظر، ويفتح آفاقا للنقاش، ويلعب دورا حيويا في رسم معالم أسلوب جديد فاعل في إدارة الصراع مع التطرف والعنف المنتسب إلى الإسلام، فالمعركة الكبرى لن تكون معركة دينية، برأي نصر، وإنما معركة في ميدان التجارة والرأسمالية.
ويستشهد المؤلف بمقولة الخبير الإستراتيجي جوشوا كوبر رامو مؤلف كتاب "عصر ما يفوق التصور، the age of the unthinkable" إن تركيز الاهتمام على على ما هو حولنا يجعلنا نغفل عن الاتجاهات الهامة التي ستشكل المستقبل، مع أن بعضها شبه خفي.
ويتكون الكتاب من عشرة فصول، قوة التجارة، والعالم على طريقة دبي، ومأزق إيران، وعثرات العلمانية، والثورة الإسلامية الكبرى، والمسار الحقيقي للأصولية، وقادة التغيير، ومخاوف باكستان وآمالها، والنموذج التركي، والبلوغ إلى المستقبل المنشود.
ويعمل المؤلف ولي نصر أستاذا للعلاقات الخارجية في معهد جون كنيدي للدراسات الحكومية التابع لجامعة هارفارد.
قوة التجارة
يقول المؤلف (الكتاب نشر بالطبع قبل الأحداث التي سميت الربيع العربي) ينبغي أن نقر بوجود قوى أخرى غير الحركات الإسلامية تتحرك في العالم الإسلامي، وهي تستحق أن نوليها عنايتنا لأنها قد تكون أكثر أهمية، ففي إيران على سبيل المثال لو دققنا النظر (يقول المؤلف) في تناقضات السلطة الإيرانية والتصدعات الداخلية التي ظهرت جلية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمكننا تكوين فكرة مفيدة كمنطلق لإعادة البحث في التحديات الحقيقية والإمكانيات المتوقعة بشأن التحول في علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي.
ويمكن اليوم ملاحظة التقدم الاقتصادي ونمو رأس المال البشري في إيران وديناميكة القطاع الخاص الذي تدعمه طبقة وسطى محرّكة، وبالطبع هناك في المقابل دولة تكبل الاقتصاد وتسيطر على 80% منه، وقد عمدت إلى تأميم أجزاء واسعة من القطاع الخاص، من الشركات والمصارف والصناعات، وقد أدى ذلك إلى ركود اقتصادي، ويمكن أن يكون هذا الركود أهم باعث للمعارضة الشديدة القائمة اليوم ضد أحمدي نجادي.
وقد لوحظ بالفعل الصوت القوي للطبقة الوسطى عام 2009 عقب الانتخابات الرئاسية في إيران وعلى نحو يؤكد أن المعركة الكبرى لاستعادة جوهر إيران والمنطقة كلها لن تدور حول الدين وإنما حول الرأسماية والتجارة، ويؤكد المؤلف هنا مقولة يعتبرها حقيقة أن اللعب الإيراني بورقة عداء أميركا وحمل لواء القضية الفلسطينية لن يمنحا إيران استمرار النفوذ، فالهند على سبيل المثال لم تحقق التقدم والتأثير العالمي إلا بفعل تقدمها الاقتصادي، ولم يساعدها في ذلك قوتها النووية التي تملكها منذ السبعينات.
واليوم يمكن ملاحظة حجم الإقبال على العمل والأسواق والاستهلاك والإنترنت والفضائيات والموبايلات في الشرق الأوسط، الأمر الذي يؤشر على أسلوب حياة مختلف عما تؤشر عليه حالة الأصولية الدينية التي يتحدث عنها الإعلام، ههذ الطبقة الصاعدة كما يقول المؤلف تستهلك الإسلام بقدر ما تمارسه، وهي تسعى كالطبقة الوسطى في كل مكان للحصول عل كافة أنواع السلع والخدمات الملائمة والمريحة، ونظرا لأنهم يفضلون النكهة الإسلامية في كل ما يتاح لهم، فقد أصبح توفير السلع والخدمات الإسلامية تجارة مربحة، وازدهر في جميع أنحاء النطقة قطاع اقتصادي لتبية هذا الطلب المتنامي،حيث يشكل المستهلكون الإسلاميون حوالي سدس كان العالم، ويتوزعون على رقعة شاسعة تمتد من المغرب حتى ماليزيا بالإضاقة إلى بقع كبيرة متوزعة في جميع أنحاء الغرب، ويشكل المسلمون قوة استهلاكية وتجارية يحسب لها حساب، وتعمل المصارف الإسلامية وهي بالمئات في عدد كبير من الدول، وتدير اقتصادا كبيرا يقدر بمئات المليارات، ومن فوائد هذا الاقتصاد أنه يخلق مصالح كثيرة وينسج روابط مع المجتمع العالمي، مما يولد فرصا لا تحصى لجذب الطبقة الوسطى البالغة الأهمية ، والتي استطاعت أت تتحول إلى مراكز ثقل كبرى في المجتمعات الإسلامية، وهي طبقات تزداد نموا واتساعا وغنى.
عثرات العلمانية
يرد المؤلف رواج الأصولية وانتشار مشاعر العداء للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط إلى الاستياء العام من الآثار السلبية الناجمة عن التسلط والاستبداد في فرض أسلوب الحداثة الغربية وإن كان ذلك بنية طيبة، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى قام كل من مصطفى كمال ورضا شاه بهلوي بدفع بلديهما نحو الحداثة والتطور، ولكن الاسلوب الذي اتبعاه في فرض التطور من الدولة سبب مشكلات كبيرة.
وكان ثمة مشكلة شائكة أخرى تمثلت في فشل البورجوازية الحقيقية في إيجاد طبقة وسطى من التجار والمهنيين تكون لها قواعد اقتصادية خاصة بها غير خاضعة لرعاية الدولة، علما بأن وجود تلك الطبقة عامل لا مفر منه لتحقيق الرأسمالية والديمقراطية.
والخطأ الفادح الثالث في نهج التطوير الذي عرف لاحقا باسم "الكمالية" نسبة إلى مصطفى كمال هو إصرار الإصلاحيين على أن العلمانية ضرورية لتحقيق الحداثة، وهذا ما أثار الاستياء العارم من التضييق على الإسلام، والسبب الأساسي في توجيه الغضب من هذه النسخة الفاشلة من التحديث نحو الولايات المتحدة هو أن الحكومة الامريكية لم تتوان عبر السنين في تقديم الدعم لاستبداد والفساد، وكانت معجبة بالزعماء العلمانيين حتى ولو كانوا غير أكفاء.
ويردّ الغرب على هذه المقولات بأن سبب المشكلة هو التعصب الأعمى، وإلا فلماذا لم يتقدم العالم الإسلامي؟ وذهب بعض الغرب أن المشكلة متعلقة بالإسلام نفسه، وأنه يتعارض مع الحداثة، ولا جدال بالطبع أن ثمة فشلا في العالم الإسلامي، وكانت آثار الاستعمار الاقتصادية والثقافية شديدة جدا، وبصمتها بالغة حتى إن العالم الإسلامي لم يستطع أن يفلت من سطوتها، وفي المقابل فإن الإسلام صاغ ماضي المسلمين وأوجد هويتهم، وسواء كان السبب في ذلك هو العلمانية ام التدين، فإن الأزمة قائمة وتحتاج إلى مواجهة!
الثورة الإسلامية الكبرى
الثورات الكبرى كما يقول المؤلف في هذا الفصل مثل العواصف الكاسحة، حوادث نادرة وبالغة الأثر، إنها تتحدى التوقعات، وتاخذ التاريخ في مسارات لم تخطر ببال أحد، وتطلق أفكارا جديدة تأسر الألباب وتفجر صراعات غير منتظرة، والذين يخرجون منتصرين في مثل هذه الثورات يحافظون على بقائهم غالبا بتحدي النظام العالمي القائم، فيصبحون مصدر قلق العالم واضطرابه على مدى سنوات، وهكذا كان حال الثورة الإيرانية التي قامت عام 1979.
وتبدو الوم أصولية الخميني الراديكالية آخذة في الأفول، والأمل الكبير معلق على الطبقة الوسطة التقيّة الجديدة الآخذة بالظهور، ومن الملاحظ أن الكثير من أفراد تلك الطبقة قد نبذوا التطرف، ويمارسون توجها جديدا يجمع بين الإسلام والأفكار الرأسمالية في إدارة الأعمال والاعتماد على النفس، علما بأن هذا التوجه يمهد الطريق أمام التحرر والتصالح مع الغرب، كما أن معظم الداعمين لهذا التمازج يسعون إلى زيادة اندماج الاقتصادات الوطنية في النظام الرأسمالي العالمي.
ولا بد من الملاحظة أن حدة العنف الذي تمارسه القاعدة وسائر المجموعات الأصولية في المنطقة يتراجع منذ عدة سنوات، كما يزداد التوجه اليوم داخل صفوف مؤيدي الأصولية نحو الاهتمام باحتياجات الفقراء الأساسية في الكثير من البلدان والمناطق التي مزقتها الحروب اكثر من الاهتمام بالتحريض على الإرهاب فضلا عن الدعوة للثورة.
النموذج التركي
يعتبر المؤلف أن نجاج نموذج حزب العدالة والتنمية في تركيا وقدرته على التوافق داخليا وخارجيا مرده إلى البرنامج الاقتصادي للحزب، بل يعتبره (المؤلف) أفضل نموذج واعد في المنطقة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية وتحرير السياسة، ومن الملفت في تركيا أن المحافظين الذين دعموا الصحوة الإسلامية هم أنفسهم الذين يقودون الاتجاه نحو التعددية السياسية والعولمة الاقتصادية، ويقول المؤلف إنه ربما يكون مصير حزب العدالة والتنمية ليس مضمونا، ولكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الأيديولوجية الكمالية فقدت سيطرتها على الشعب التركي لأن التحالف الاقتصادي الذي ساند تلك الأيديولوجية أصبح مفككا، فمبادئ المدن الصغيرة والرأسمالية أصبحت قوة فاعلة في الثقافة، وقيدت التجارة نفوذ الدولة، وحتى حزب العدالة والتنمية نفسه فقد أصبح يضم في صفوفه عددا كبيرا من رجال المال والأعمال.
وهناك تحديات تواجة تركيا، مثل الركود العالمي، والموقف الأوروبي المتشدد من انضمامها إلى الوحدة الأوروبية، والحركات القومية التركية، والنزعة القومية التركية المتشددة، ولكن بالرغم من كل ذلك فقد أظهرت تركيا بوادر واعدة في الانفتاح على المنطقة، وإذا واصلت مسارها هذا فإنها ستصبح دولة ديمقراطية رأسمالية إسلامية، وسوف يعكس وجه الحداثة التركية اليوم صورة العالم الإسلامي الأوسع غدا إذا استطاعت قيادات الأعمال التجارية الصاعدة والطبقة الوسطى الملازمة لها إكمال الطريق قدما، وينبغي على الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها بذلك كل الجهود الممكنة للمساعدة في تحقيق ذلك.
البلوغ إلى المستقبل المنشود
يختم المؤلف بهذا الفصل تصورا مستقبليا لعلاقة الغرب مع الشرق الأوسط قائمة على إحياء الاقتصاد العالمي في أعقاب الأزمة المالية الأخيرة، وهو يقترح لأجل ذلك العمل على تعزيز القوى التجارية الناشئة في كافة أرجاء العالم الإسلامي، وسيكون ذلك مفيدا للاقتصاد العالمي، ولحشد الطاقات الاقتصادية والقوة الشرائية لأكثر من بليون مسلم، وكلما أزيلت القيود عن كاهل التجار الجدد تمكنوا من تحقيق تقدم عظيم.
يقول المؤلف إن الصلات الاقتصادية ستثبت أنها أمتن الصلات القائمة بين العواصم الغربية والإسلامية، وستكون الأكثر أثرا في تكريس الحرية والازدهار في الشرق الأوسط، وبالطبع فإن هذا لن يحدث خلال بضع سنوات، فهناك الكثير من المشكلات المستعصية والسلبيات التي ستؤخر العمل والتقدم، مثل التطرف، وعقدة الصراع العربي الإسرائيلي، كما أن النمو الاقتصادي في المنطقة بطيء مقابل نسبة نمو سكاني عالية، ولكن الأمر ببساطة كما يقول المؤلف بما أن معظم المشكلات القائمة في المنطقة مردها إلى أسباب اقتصادية فإن الحل يجب أن يكون اقتصاديا.
ويستشهد المؤلف بمقولة الخبير الإستراتيجي جوشوا كوبر رامو مؤلف كتاب "عصر ما يفوق التصور، the age of the unthinkable" إن تركيز الاهتمام على على ما هو حولنا يجعلنا نغفل عن الاتجاهات الهامة التي ستشكل المستقبل، مع أن بعضها شبه خفي.
ويتكون الكتاب من عشرة فصول، قوة التجارة، والعالم على طريقة دبي، ومأزق إيران، وعثرات العلمانية، والثورة الإسلامية الكبرى، والمسار الحقيقي للأصولية، وقادة التغيير، ومخاوف باكستان وآمالها، والنموذج التركي، والبلوغ إلى المستقبل المنشود.
ويعمل المؤلف ولي نصر أستاذا للعلاقات الخارجية في معهد جون كنيدي للدراسات الحكومية التابع لجامعة هارفارد.
قوة التجارة
يقول المؤلف (الكتاب نشر بالطبع قبل الأحداث التي سميت الربيع العربي) ينبغي أن نقر بوجود قوى أخرى غير الحركات الإسلامية تتحرك في العالم الإسلامي، وهي تستحق أن نوليها عنايتنا لأنها قد تكون أكثر أهمية، ففي إيران على سبيل المثال لو دققنا النظر (يقول المؤلف) في تناقضات السلطة الإيرانية والتصدعات الداخلية التي ظهرت جلية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمكننا تكوين فكرة مفيدة كمنطلق لإعادة البحث في التحديات الحقيقية والإمكانيات المتوقعة بشأن التحول في علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي.
ويمكن اليوم ملاحظة التقدم الاقتصادي ونمو رأس المال البشري في إيران وديناميكة القطاع الخاص الذي تدعمه طبقة وسطى محرّكة، وبالطبع هناك في المقابل دولة تكبل الاقتصاد وتسيطر على 80% منه، وقد عمدت إلى تأميم أجزاء واسعة من القطاع الخاص، من الشركات والمصارف والصناعات، وقد أدى ذلك إلى ركود اقتصادي، ويمكن أن يكون هذا الركود أهم باعث للمعارضة الشديدة القائمة اليوم ضد أحمدي نجادي.
وقد لوحظ بالفعل الصوت القوي للطبقة الوسطى عام 2009 عقب الانتخابات الرئاسية في إيران وعلى نحو يؤكد أن المعركة الكبرى لاستعادة جوهر إيران والمنطقة كلها لن تدور حول الدين وإنما حول الرأسماية والتجارة، ويؤكد المؤلف هنا مقولة يعتبرها حقيقة أن اللعب الإيراني بورقة عداء أميركا وحمل لواء القضية الفلسطينية لن يمنحا إيران استمرار النفوذ، فالهند على سبيل المثال لم تحقق التقدم والتأثير العالمي إلا بفعل تقدمها الاقتصادي، ولم يساعدها في ذلك قوتها النووية التي تملكها منذ السبعينات.
واليوم يمكن ملاحظة حجم الإقبال على العمل والأسواق والاستهلاك والإنترنت والفضائيات والموبايلات في الشرق الأوسط، الأمر الذي يؤشر على أسلوب حياة مختلف عما تؤشر عليه حالة الأصولية الدينية التي يتحدث عنها الإعلام، ههذ الطبقة الصاعدة كما يقول المؤلف تستهلك الإسلام بقدر ما تمارسه، وهي تسعى كالطبقة الوسطى في كل مكان للحصول عل كافة أنواع السلع والخدمات الملائمة والمريحة، ونظرا لأنهم يفضلون النكهة الإسلامية في كل ما يتاح لهم، فقد أصبح توفير السلع والخدمات الإسلامية تجارة مربحة، وازدهر في جميع أنحاء النطقة قطاع اقتصادي لتبية هذا الطلب المتنامي،حيث يشكل المستهلكون الإسلاميون حوالي سدس كان العالم، ويتوزعون على رقعة شاسعة تمتد من المغرب حتى ماليزيا بالإضاقة إلى بقع كبيرة متوزعة في جميع أنحاء الغرب، ويشكل المسلمون قوة استهلاكية وتجارية يحسب لها حساب، وتعمل المصارف الإسلامية وهي بالمئات في عدد كبير من الدول، وتدير اقتصادا كبيرا يقدر بمئات المليارات، ومن فوائد هذا الاقتصاد أنه يخلق مصالح كثيرة وينسج روابط مع المجتمع العالمي، مما يولد فرصا لا تحصى لجذب الطبقة الوسطى البالغة الأهمية ، والتي استطاعت أت تتحول إلى مراكز ثقل كبرى في المجتمعات الإسلامية، وهي طبقات تزداد نموا واتساعا وغنى.
عثرات العلمانية
يرد المؤلف رواج الأصولية وانتشار مشاعر العداء للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط إلى الاستياء العام من الآثار السلبية الناجمة عن التسلط والاستبداد في فرض أسلوب الحداثة الغربية وإن كان ذلك بنية طيبة، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى قام كل من مصطفى كمال ورضا شاه بهلوي بدفع بلديهما نحو الحداثة والتطور، ولكن الاسلوب الذي اتبعاه في فرض التطور من الدولة سبب مشكلات كبيرة.
وكان ثمة مشكلة شائكة أخرى تمثلت في فشل البورجوازية الحقيقية في إيجاد طبقة وسطى من التجار والمهنيين تكون لها قواعد اقتصادية خاصة بها غير خاضعة لرعاية الدولة، علما بأن وجود تلك الطبقة عامل لا مفر منه لتحقيق الرأسمالية والديمقراطية.
والخطأ الفادح الثالث في نهج التطوير الذي عرف لاحقا باسم "الكمالية" نسبة إلى مصطفى كمال هو إصرار الإصلاحيين على أن العلمانية ضرورية لتحقيق الحداثة، وهذا ما أثار الاستياء العارم من التضييق على الإسلام، والسبب الأساسي في توجيه الغضب من هذه النسخة الفاشلة من التحديث نحو الولايات المتحدة هو أن الحكومة الامريكية لم تتوان عبر السنين في تقديم الدعم لاستبداد والفساد، وكانت معجبة بالزعماء العلمانيين حتى ولو كانوا غير أكفاء.
ويردّ الغرب على هذه المقولات بأن سبب المشكلة هو التعصب الأعمى، وإلا فلماذا لم يتقدم العالم الإسلامي؟ وذهب بعض الغرب أن المشكلة متعلقة بالإسلام نفسه، وأنه يتعارض مع الحداثة، ولا جدال بالطبع أن ثمة فشلا في العالم الإسلامي، وكانت آثار الاستعمار الاقتصادية والثقافية شديدة جدا، وبصمتها بالغة حتى إن العالم الإسلامي لم يستطع أن يفلت من سطوتها، وفي المقابل فإن الإسلام صاغ ماضي المسلمين وأوجد هويتهم، وسواء كان السبب في ذلك هو العلمانية ام التدين، فإن الأزمة قائمة وتحتاج إلى مواجهة!
الثورة الإسلامية الكبرى
الثورات الكبرى كما يقول المؤلف في هذا الفصل مثل العواصف الكاسحة، حوادث نادرة وبالغة الأثر، إنها تتحدى التوقعات، وتاخذ التاريخ في مسارات لم تخطر ببال أحد، وتطلق أفكارا جديدة تأسر الألباب وتفجر صراعات غير منتظرة، والذين يخرجون منتصرين في مثل هذه الثورات يحافظون على بقائهم غالبا بتحدي النظام العالمي القائم، فيصبحون مصدر قلق العالم واضطرابه على مدى سنوات، وهكذا كان حال الثورة الإيرانية التي قامت عام 1979.
وتبدو الوم أصولية الخميني الراديكالية آخذة في الأفول، والأمل الكبير معلق على الطبقة الوسطة التقيّة الجديدة الآخذة بالظهور، ومن الملاحظ أن الكثير من أفراد تلك الطبقة قد نبذوا التطرف، ويمارسون توجها جديدا يجمع بين الإسلام والأفكار الرأسمالية في إدارة الأعمال والاعتماد على النفس، علما بأن هذا التوجه يمهد الطريق أمام التحرر والتصالح مع الغرب، كما أن معظم الداعمين لهذا التمازج يسعون إلى زيادة اندماج الاقتصادات الوطنية في النظام الرأسمالي العالمي.
ولا بد من الملاحظة أن حدة العنف الذي تمارسه القاعدة وسائر المجموعات الأصولية في المنطقة يتراجع منذ عدة سنوات، كما يزداد التوجه اليوم داخل صفوف مؤيدي الأصولية نحو الاهتمام باحتياجات الفقراء الأساسية في الكثير من البلدان والمناطق التي مزقتها الحروب اكثر من الاهتمام بالتحريض على الإرهاب فضلا عن الدعوة للثورة.
النموذج التركي
يعتبر المؤلف أن نجاج نموذج حزب العدالة والتنمية في تركيا وقدرته على التوافق داخليا وخارجيا مرده إلى البرنامج الاقتصادي للحزب، بل يعتبره (المؤلف) أفضل نموذج واعد في المنطقة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية وتحرير السياسة، ومن الملفت في تركيا أن المحافظين الذين دعموا الصحوة الإسلامية هم أنفسهم الذين يقودون الاتجاه نحو التعددية السياسية والعولمة الاقتصادية، ويقول المؤلف إنه ربما يكون مصير حزب العدالة والتنمية ليس مضمونا، ولكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الأيديولوجية الكمالية فقدت سيطرتها على الشعب التركي لأن التحالف الاقتصادي الذي ساند تلك الأيديولوجية أصبح مفككا، فمبادئ المدن الصغيرة والرأسمالية أصبحت قوة فاعلة في الثقافة، وقيدت التجارة نفوذ الدولة، وحتى حزب العدالة والتنمية نفسه فقد أصبح يضم في صفوفه عددا كبيرا من رجال المال والأعمال.
وهناك تحديات تواجة تركيا، مثل الركود العالمي، والموقف الأوروبي المتشدد من انضمامها إلى الوحدة الأوروبية، والحركات القومية التركية، والنزعة القومية التركية المتشددة، ولكن بالرغم من كل ذلك فقد أظهرت تركيا بوادر واعدة في الانفتاح على المنطقة، وإذا واصلت مسارها هذا فإنها ستصبح دولة ديمقراطية رأسمالية إسلامية، وسوف يعكس وجه الحداثة التركية اليوم صورة العالم الإسلامي الأوسع غدا إذا استطاعت قيادات الأعمال التجارية الصاعدة والطبقة الوسطى الملازمة لها إكمال الطريق قدما، وينبغي على الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها بذلك كل الجهود الممكنة للمساعدة في تحقيق ذلك.
البلوغ إلى المستقبل المنشود
يختم المؤلف بهذا الفصل تصورا مستقبليا لعلاقة الغرب مع الشرق الأوسط قائمة على إحياء الاقتصاد العالمي في أعقاب الأزمة المالية الأخيرة، وهو يقترح لأجل ذلك العمل على تعزيز القوى التجارية الناشئة في كافة أرجاء العالم الإسلامي، وسيكون ذلك مفيدا للاقتصاد العالمي، ولحشد الطاقات الاقتصادية والقوة الشرائية لأكثر من بليون مسلم، وكلما أزيلت القيود عن كاهل التجار الجدد تمكنوا من تحقيق تقدم عظيم.
يقول المؤلف إن الصلات الاقتصادية ستثبت أنها أمتن الصلات القائمة بين العواصم الغربية والإسلامية، وستكون الأكثر أثرا في تكريس الحرية والازدهار في الشرق الأوسط، وبالطبع فإن هذا لن يحدث خلال بضع سنوات، فهناك الكثير من المشكلات المستعصية والسلبيات التي ستؤخر العمل والتقدم، مثل التطرف، وعقدة الصراع العربي الإسرائيلي، كما أن النمو الاقتصادي في المنطقة بطيء مقابل نسبة نمو سكاني عالية، ولكن الأمر ببساطة كما يقول المؤلف بما أن معظم المشكلات القائمة في المنطقة مردها إلى أسباب اقتصادية فإن الحل يجب أن يكون اقتصاديا.
نيسان ـ نشر في 2025-07-09 الساعة 09:12
رأي: إبراهيم غرايبة كاتب اردني