اتصل بنا
 

دلالات صعود ممداني.. أمريكا يجب أن تكون ميسورة التكلفة مجدداً

نيسان ـ نشر في 2025-07-16 الساعة 12:49

x
نيسان ـ ما الدلالات التي يحملها صعود زهران ممداني، الاشتراكي الديمقراطي الذي قد يصبح العمدة القادم لمدينة نيويورك؟ هذا السؤال ظل يشغل كثيرين منذ أن حقق ممداني انتصاراً مدوياً على أندرو كومو، الديمقراطي واسع النفوذ والثروة والمدعوم من الأقطاب التقليديين للحزب الديمقراطي لينتزع بذلك ترشيح الحزب لانتخابات عمدة نيويورك المقررة في نوفمبر المقبل؟
في تقديري، يمثل صعود ممداني جرس إنذار للديمقراطيين وتحذيراً واضحاً بشأن ما ينبغي عليهم تفاديه في انتخابات التجديد النصفي والانتخابات الرئاسية لعام 2028. وتتمحور الدروس المستفادة حول ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الأول: قوة التسويق السياسي المؤثر، ففي عصر اقتصاد الانتباه، لم يعد الجمهور يولي اهتماماً كبيراً للفروق الدقيقة بقدر انجذابه إلى الوميض والإبهار، وهو ما أتقنه ممداني بحملته الرقمية اللافتة وشخصيته المفعمة بالحيوية. ولقد أثبت صعود دونالد ترامب أن هذه العناصر أصبحت ضرورية في السياسة المعاصرة، غير أن الديمقراطيين ما زالوا يفتقرون إلى مرشحين يجيدون فن السياسة بقدر إتقانهم لصياغة السياسات، بل ويعجزون عن تشكيل شبكة شعبية من المؤثرين السياسيين كالتي يعتمد عليها الجمهوريون. وسيكون النجاح في هذين المسارين مفتاح الانتصار في انتخابات الكونغرس النصفية والسباق الرئاسي القادم على حد سواء.
المحور الثاني: على اليسار تجنّب المبالغة في الطروحات السياسية، فالوعود التي أطلقتها حملة ممداني - من تجميد للإيجارات ومجانية المواصلات العامة ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولاراً - لن تتحقق على أرض الواقع. (كيف ستقتنع بها الحاكمة الوسطية كاثي هوكول المهيمنة على دفة السياسات وخزائن الميزانية في المدينة؟ ناهيك عن أصحاب المصالح التجارية الكبرى).
وهذا التعارض بين الوعود والواقع سيثير موجة من السخرية والتندر، وهو ما يمنح الجمهوريين فرصة لتعزيز نفوذهم على المستويين المحلي والفيدرالي، إذ يمكنك تخيل النكات المتداولة حول تحول نيويورك إلى نسخة فنزويلية جديدة.
المحور الثالث - وهو الأهم - يتجلى في أن ممداني قد وضع يده على الجرح الأكثر إيلاماً في المشهد السياسي الأمريكي للسنوات المقبلة، ألا وهي أزمة تكاليف المعيشة المتصاعدة، فالولايات المتحدة، شأنها شأن العديد من الدول، تعاني من أزمة تكاليف معيشية متفاقمة منذ سنوات، فقد تجاوز التضخم في قطاعات الإسكان والتعليم والرعاية الصحية معدلات زيادة الأجور بأشواط. واستطاع ترامب توظيف قضية التضخم للإطاحة بجو بايدن وكامالا هاريس، لكن الاقتصاد بات الآن في عهدته وتحت مسؤوليته. وستفضي سياساته الراهنة، بما فيها الضبابية المحيطة بالتعريفات الجمركية، والضغوط السياسية على الاحتياطي الفيدرالي، ومشروع الميزانية الجديد المثقل بعجز مالي هائل، إلى تصاعد موجة التضخم.
هذا هو ما ينبغي أن يشكل محور خطاب الديمقراطيين من الآن وحتى عام 2028. فالرسالة ينبغي أن توضح بجلاء كيف حوّلت اقتطاعات ترامب من برنامج «ميديكيد» الأموال العامة نحو إعفاءات ضريبية للمليارديرات، وكيف ستقود إلى كوارث صحية مكلفة وإفلاسات متتالية للطبقة العاملة. كما يتوجب عليهم تسليط الضوء على تقليص برامج الدعم الغذائي في الوقت الذي يُمنح فيه تخفيضات ضريبية سخية لأباطرة صناديق الاستثمار لمراكمة المزيد من الديون. ويجدر بهم توضيح كيف ستفرض الفجوة التمويلية الهائلة التي أحدثها «المشروع الكبير والجميل» تخفيضات حتمية في برامج حيوية أخرى كـ«ميديكير» وربما حتى الضمان الاجتماعي مستقبلاً.
ويجب ألا يقتصر دور الديمقراطيين على مهاجمة ترامب، بل يتعين عليهم أيضاً تقديم حلول واقعية لأزمة تكاليف المعيشة. ولنأخذ نيويورك نموذجاً، فاقتراح ممداني بتوفير الحافلات مجاناً يذكرني بفترة الساعتين التي كنت أحصل عليهما عندما رزقت بمولود جديد في لندن قبل سنوات، مستفيدةً من خدمات رعاية الأطفال الحكومية المجانية.
لقد منحتني تلك الخدمة فرصة للراحة وكنت ممتنة لها، لكنها لم تشكل حلاً لرعاية الأطفال بالنسبة لأم عاملة. وبالمثل، فإن مقترح ممداني للنقل المجاني يأتي استجابة لعجز المواطنين عن تحمل تكاليف الضروريات الأساسية كالتنقل لمقرات عملهم، لكنه لن يعالج مشكلات شبكة مترو الأنفاق التي تنقل يومياً ما يفوق ضعف مستخدمي الحافلات.
إن جعل نيويورك مدينة ميسورة التكلفة يتطلب أكثر من مجرد شعارات. ففي ملف الإسكان، سيكون من الأجدى لممداني، بدلاً من تجميد الإيجارات الذي يربك آليات السوق، إجراء مراجعة شاملة للتشريعات البالية التي تحجب وحدات سكنية جيدة عن دخول السوق.
وقد خضت تجربة شخصية في هذا الصدد كمالكة عقار سابقة في مدينة نيويورك. فمخالفة بسيطة في قوانين البناء - تمثلت في أن نوافذ الطابق الأرضي بمنزلي في حي بروكلين كانت أقل بست بوصات عن المعيار المطلوب - أدت إلى هدم الشقة المجددة، والتي كنت أؤجرها للتخفيف من أعباء قرضي العقاري.
وما يحدث في نيويورك يعكس واقعاً مشابهاً على مستوى البلاد. فالديمقراطيون بحاجة إلى مرشحين ذوي كفاءة، يقدمون حلولاً قابلة للتطبيق لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، التي تمسّ حتى شرائح مستقرة من الطبقة المتوسطة.
ويُظهر الدعم الكبير الذي حظي به ممداني من فئة الدخل التي تتراوح بين 60,000 و150,000 دولار سنوياً أن هذه الفئة هي الأكثر تأثراً. ورغم أن الأوضاع في نيويورك تبرر صعود الخطاب الشعبوي، نجد مرشحين من الوسط والتقدميين في ولايات أخرى يجعلون من قضية تيسير تكاليف الحياة محوراً لحملاتهم.
وهكذا، فإن الاستراتيجية المقبلة للديمقراطيين يجب أن تختلف عن تلك التي اتبعها بايدن، فالمرشح الديمقراطي للرئاسة عام 2028 سيكون بحاجة إلى تقليل التركيز على ملف التصنيع، والتطرق أكثر إلى التضخم (ودور ترامب في تفاقمه)، مع طرح أفكار جادة وعملية حول كيفية جعل أمريكا ميسورة التكلفة مجدداً.

نيسان ـ نشر في 2025-07-16 الساعة 12:49

الكلمات الأكثر بحثاً